تونس: حالة «استنفار» داخل العائلات بسبب الامتحانات

توجه الأسرة جزءا مهما من مداخيلها إلى التعليم والدروس الخصوصية

عدد من التلاميذ بعد إجراء الامتحانات («الشرق الأوسط»)
TT

لا تكاد تُفرِّق في تونس خلال هذه الفترة بين الممتحن (بكسر الحاء) والممتحن (بفتح الحاء)، فالكل منهمك في إعداد سلسلة من السيناريوهات التي سيطبقها في امتحانات نهاية السنة، والجارية حاليا. دروس خصوصية في كل المواد تقريبا سبقت الامتحانات، ودعوات الأمهات بالنجاح لأبناء يحاولون الاجتهاد طوال السنة من أجل جني الثمرة في نهاية السنة، والكل على أمل للنجاح في امتحانات الباكالوريا (الثانوية العامة) التي انطلقت يوم 9 يونيو (حزيران) الحالي، وتتواصل إلى يوم غد 16 يونيو (حزيران)، وكذلك امتحانات شهادة ختم التعليم الأساسي العام وامتحانات شهادة ختم التعليم الأساسي التقني التي تنطلق يوم 21 يونيو (حزيران)، وتمتد على 3 أيام، هذا إلى جانب مناظرة الالتحاق بالمدارس الإعدادية النموذجية، التي تدوم امتحاناتها ثلاثة أيام كذلك، وذلك أيام 23 و24 و25 يونيو (حزيران) الحالي.

هذه السلسلة الطويلة من الامتحانات حولت العائلات التونسية إلى ما يشبه خلية النحل، خاصة أن كل العائلات لديها تلاميذ مقبلون على الامتحانات المختلفة باعتبار إجبارية التعليم في تونس. لذلك نشطت المكتبات العمومية والحدائق والفضاءات الترفيهية، وتحولت في معظمها إلى حلقات للمراجعة الجماعية والفردية، والكل يتطلع إلى النجاح الذي يبقى ثمرة مجهود يتوزع على طول السنة. وتتوالى التوصيات والتوجيهات والوصفات التي يرى أصحابها أنها ضامنة للنجاح من ضرورة التقليل من السهر، وتخفيض استهلاك المنبهات، إلى الاستعانة بالقليل من السكر صباحا قبل التوجه إلى قاعة الامتحانات، كما تلجأ بعض العائلات إلى الأولياء الصالحين تبركا وطلبا للمساعدة في هذا الظرف العصيب. وتوجه الأسرة التونسية نصيبا مهما من مداخيلها إلى التعليم، وتوظف سنويا قسطا كبيرا من مصاريفها للدروس الخصوصية التي تشمل في بعض الحالات كل المواد. ويصل سعر الدروس شهريا قرابة 60 دينارا تونسيا (نحو 40 دولارا أميركيا) للتلميذ الواحد، وذلك مقابل حصة بساعتين في الأسبوع، وإذا كان في العائلة ثلاثة متعلمين، فلك أن تضرب حجم المصاريف في عدد المتعلمين. وتلقى مواد العلوم الصحيحة (الرياضيات والفيزياء على وجه الخصوص) الكثير من الاهتمام، وذلك لارتفاع ضواربها مقارنة ببقية المواد، وتزداد أسهمها مع الاقتراب من مواعيد الامتحانات، والمحاولات الأخيرة لضخ البعض من العلم في الرؤوس التي ربما لم تشتغل بانتظام طوال أشهر السنة التربوية.

عن «حمى الامتحانات» و«حالة الاستنفار» التي تعيشها معظم العائلات التونسية، قالت الجازية الظريفي (أم لطفلين يستعدان للامتحانات)، إن العائلة بأكملها تستعد للامتحانات، وهي تسهر بسهر أبنائها، وهي التي تنظم توقيت المراجعة وتوقيت النوم حتى يكون التلميذ متوازنا في تعامله مع الامتحانات وظروفها المختلفة، وشعارها في ذلك «لا إفراط ولا تفريط». واعتبرت الظريفي أن النجاح في امتحانات نهاية السنة ينطلق مع بداية السنة، في إشارة إلى ضرورة المراجعة بانتظام طوال السنة.

وقالت رانيا بن موسى (تلميذة) إن هذه الفترة مجهدة للغاية، وهي غالبا ما ترجع بالتعب على صحة معظم التلاميذ، إلا أن الفرحة بالنجاح مع نهاية السنة تخفف من تلك الوطأة إلى درجاتها الدنيا، وهي أمنية كل المقبلين على اجتياز الامتحانات.

ومن ناحيته لاحظ شفيق الماكني (معلم تطبيق) أن الخوف من الفشل هو الذي يدفع الكثير من العائلات التونسية إلى مواكبة فترة الامتحانات والانخراط الكامل في هذه العملية، كما أن المظاهر الاجتماعية ومحاولة تأكيد المركز الاجتماعي للعائلة يجعل الكثير ينفقون بسخاء على التعليم، ناهيك عن أن بعض العائلات على استعداد لدفع معلوم الدروس الخصوصية منذ السنة الأولى من التعليم الابتدائي، وهو ما يثير الحيرة بالفعل. وأكد الماكني أن التفكير في النجاح بامتياز، خاصة بالنسبة للمشاركين في الامتحانات الوطنية، هو الذي يجعل العائلة التونسية في حيرة من أمرها؛ إذ إن المعدلات المتوسطة لم تعد ضامنة للحصول على الاختصاصات الجامعية ذات الطاقة التشغيلية الكبرى، وهذا بدوره يجعل العائلة التونسية لا تهتم كثيرا بالوسائل، بقدر ما تفكر في نتائج نهاية السنة الدراسية.. ومن طلب العلى.. سهر الليالي.