شاب من الريف يصنع التاريخ في الصين

عمره 23 عاما وطموحه في تحسين وضعه دفعه لهندسة أكبر احتجاج عمالي في البلاد

تان قو تشنغ
TT

من الصعب وصف تان قو تشنغ، بأنه قيادي عمالي ذو أسلوب خاص، فهو لا يزال شابا في الثالثة والعشرين نشأ وسط حقول الأرز وبساتين البرتقال بعيدا عن المدن الصناعية الكبرى في الصين. لكنه، خلال الشهر الماضي، وبعد مرور نحو ساعة على بدء دوام عمله في مصنع تابع لشركة «هوندا» في مدينة فوشان الجنوبية، ضغط تان على زر الطوارئ ليغلق خط الإنتاج الذي يعمل عليه، وصاح قائلا: «هيا نضرب عن العمل!» وخلال دقائق، ترك المئات من العمال أماكنهم.

ويصف زملاء تان ما قام به بأنه تصرف شجاع غير معهود، ويقولون إنه ببساطة كان يريد زيادة في راتبه. وبغض النظر عن ذلك، فإنه استثار موجة من الإضرابات في المصانع التابعة لـ«هوندا» وغيرها من أماكن العمل في الصين ما زالت مستمرة بصورة مفاجئة وتحمل دلالات كبيرة.

وعلى الرغم من أن تان فُصل من عمله في «هوندا» بسبب «التخريب»، وعاد إلى قريته، فقد نظّم العمال المضربون داخل مصنع آخر لشركة «هوندا» على بعد أقل من 100 ميل في تشونغشان مسيرات في الشوارع يوم الجمعة ورفعوا مطلبا جديدا، هو المطالبة بتشكيل اتحاد عمالي مستقل.

وتقول أنيتا تشان، وهي خبيرة عمالية في جامعة التقنية في سيدني: «يعد ذلك تطورا ملحوظا، فمعظم الإضرابات في الصين تنظم بسبب عدم الحصول على رواتب أو سوء المعاملة. ولكن اختلف الأمر، فكان العمال يطلبون مرتبات مرتفعة جدا. ويريدون انتخاب قيادات عمالية بصورة ديمقراطية».

وعلى خلفية إضراب استمر أسبوعين في مصنع تان، اضطرت شركة «هوندا» إلى إغلاق أربعة مصانع تجميع داخل الصين، وفي النهاية عرضت على 1900 عامل في فوشان زيادة مرتباتهم بنسبة بين 24 و32 في المائة.

بعد أن ترك منزله وسط الصين لأربعة أعوام، كان تان يأمل أن يرفعه العمل داخل مصنع تجميع بشركة عالمية مثل «هوندا» إلى الطبقة الوسطى. لكن الراتب كان ضعيفا، وأتى التضخم على ما يكسبه. وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما عرضت «هوندا» زيادة مقدارها 7 دولارات فقط لراتبه الشهري الذي يبلغ 175 دولارا، أصيب بالذهول، فقد كان يخطط للزواج قريبا ولم يكن ذلك يكفي لشراء منزل أو تكاليف مولود. ويقول «لا أفهم كيف يعطوننا هذا القدر القليل جدا».

رفضت «هوندا» تقديم تفاصيل عن الإضراب الذي وقع داخل فوشان، والذي لم تتجاوز أعمال عدد كبير من العمال المشاركين فيه 19 عاما. ولكن أثارت الإضرابات، مثل إضراب عمال «هوندا» في تشونغشان، نقاشا في الصين حول الأجور وظروف العمال والتوقعات المتنامية لجيل جديد من العمال صغار السن.

يُذكر أنه على مدى أعوام، كان النمو الاقتصادي في الصين يدفع شبانا من المحافظات الداخلية الفقيرة هاجروا إلى المدن الصناعية الساحلية من أجل عمل لساعات أطول مقابل راتب قليل، وعادة ما تصل ساعات العمل إلى ستة أو سبعة أيام. ولكن يقول عمال، مثل تان قو تشنغ، إنهم يريدون عملا أفضل ونصيبا أكبر من ثمار المعجزة الاقتصادية الصينية.

بدأت رحلة تان من عامل مهاجر إلى ناشط عمالي في بيئة زراعية صغيرة بالقرب من مدينة شاويانغ في محافظة هونان حيث ولد ماو تسي تونغ. كان والداه يزرعان الأرز ولديهما بستان برتقال على قطعة أرض صغيرة، وكانا يحصلان على 2500 دولار سنويا. ولكن كانت قطعة الأرض صغيرة جدا بالنسبة إليه وإلى أخيه الكبير وأخته الأصغر، حسب ما يقول. وانطلق ثلاثتهم إلى شرق الصين بحثا عن عمل.

انتقل في 2006. وبعد المدرسة العليا، درس في مدرسة مهنية في تشانغشا عاصمة هونان. وعثرت وكالة توظيف تتعاون مع المدرسة له على عمل بمصنع تابع لشركة «هوندا» على بعد 500 ميل تقريبا في قوانغتشو.

ويقول تان إن الوكالة احتفظت بنسبة من راتبه، وهو إجراء شائع. لكنه وجد أن الموظفين الذين استعملتهم «هوندا» مباشرة يحصلون على ما يصل إلى أربعة أمثال راتبه الشهري الذي يبلغ 175 دولارا. ويقول تان: «كنا نقوم بنفس الشيء، ولكن تلك الوكالة الوسيط كانت تأخذ بعضا من أموالنا».

وأملا في الحصول على فرصة أفضل، انتقل إلى مصنع لـ«هوندا» في فوشان. ولكنه يقول إن المرتب بقي على حاله. وكان تان يترك المنزل كل صباح في الساعة 5:15 ليستقل حافلة لمدة 70 دقيقة ويصل إلى مكان العمل الذي يبدأ في 6:55 وينتهي في 3:40 مساء. ويقول إن العمال كانوا يضطرون إلى تغيير دوام عملهم – ويعملون في النهار حينا وبالليل حينا – وكان ذلك يسبب إجهاد الكثير من العمال.

ورأى أن زيادة راتبه بمقدار 7 دولارات في يناير (كانون الثاني) بمثابة إهانة كبيرة. ويقول: «فكرت في الدخول في إضراب». ولكنه لم يكن من السهل حشد زملاء من خلال نقاشات سرية في ساحة المصنع خلال فترات الراحة. ويقول إنه حاول إقناع خمسة أو ستة عمال كبار على خط التجميع الذي يعمل فيه ليشاركوا في الإضراب، ولكن «قالوا إنه ليست لديهم الشجاعة الكافية». ويقول: «قلت: سأكون أنا في المقدمة، فقالوا: حسنا، سوف نتبعك».

وقبل أسبوع من الإضراب، عقد نحو 15 عاملا من الورشة التي يعمل تان فيها اجتماعا خارج المصنع في إحدى الليالي لمناقشة الخطة. ويقول: «قبل ذلك، كانت تجري بيننا حوارات في الحافلة خلال الذهاب للعمل».

ويقول عامل يبلغ من العمر 20 عاما يدعى شياو لانغ، من هونان أيضا، إنه وافق على المساعدة في قيادة الإضراب، ويقول الاثنان إن ذلك يعود بصورة جزئية إلى كونهما قررا الاستقالة من الشركة بغض النظر عن النتيجة.

في صباح 17 مايو (أيار) الماضي، كان قرابة 50 عاملا - الكثير منهم من محافظة هونان - على علم بالخطة. وعندما ضغط تان على زر الطوارئ في الساعة 7:50 صباحا، كان شياو يقوم بنفس الشيء في خط إنتاج منفصل في الجوار. وخلال دقائق، كان العمال يسيرون في مسيرة داخل المصنع ويدعون الآخرين للانضمام إلى الإضراب. ويقول تان: «كان هناك المئات منا يخرجون من باب إلى باب. وحاول العديد من المديرين وقفنا بإطلاق تهديدات، لكننا تجاهلناهم».

وأخطر فريق تان وسائل الإعلام الإخبارية الصينية بالأمر، وقامت وسائل الإعلام بالإعلان عن الإضراب، وكان الفريق يراهن على أن الإضراب ربما يؤدي إلى إضرابات مماثلة في شبكة موردي شركة «هوندا» ومصانع التجميع في جنوب الصين.

ويقول تان إن العمال المضربين كانوا يطالبون بمضاعفة أجرهم الشهري إلى 2000 الرنمينبي (293 دولارا)، ولا يقبلون أقل من ذلك. ولشعورها بالرعب، أقنعت شركة «هوندا» العمال بالعودة إلى عملهم في اليوم التالي، مع التعهد بدراسة مطالبهم. وعندما لم يتم التوصل إلى اتفاق في 21 مايو (أيار)، عاد العمال للإضراب. ووصفت صحيفة يومية ناطقة بالإنجليزية في الصين الأمر بأنه «أكبر احتجاج عمالي داخل مصنع في الصين». وقبل تقديمهما استقالتيهما رسميا في نهاية مايو، قامت شركة «هوندا» بإقالة تان وشايو في 22 مايو.

في الرابع من يونيو (حزيران) الحالي، وبعد إجراء تحقيقات مكثفة شملت الإدارة الحكومية المحلية في فوشان ومسؤولين تنفيذيين يابانيين، وافقت «هوندا» على زيادة كبيرة في الراتب على الرغم من أنها لم تحقق مطالب العمال بمضاعفة رواتبهم. وعاد معظم العمال إلى عملهم، وكانوا يشعرون بالرضا بالزيادة والانتصار الذي حققوه على شركة «هوندا»، حسبما أفاد الكثير من العمال.

ويتعلم شايو حاليا القيادة، ويأمل الحصول على عمل على شاحنة في محافظة هونان. وعاد تان أيضا إلى هونان، ويقول إن والديه لم يعرفا حتى الآن بما قام به في فوشان، بل يعتقدان أنه عاد من أجل البحث عن فرصة أفضل.

وحاليا، انضم تان إلى دورة مدتها ثلاثة أشهر ليتعلم تشغيل جهاز استكشاف. ويأمل العثور على عمل في مكان آخر في هونان. وما زالت زوجته التي تزوجها في أبريل (نيسان) تعمل في جنوب الصين. وعلى الرغم من أنه لم يخطط لأن يكون ناشطا عماليا، فإنه يشعر بالفخر لما حققه في فوشان. ويقول: «أعتقد أنه يمكنني تسمية ذلك نجاحا، فقد نظمت إضرابا من أجل الحصول على راتب مناسب لزملائي العمال».

* خدمة «نيويورك تايمز»