الخارجية الأميركية لـ «الشرق الأوسط»: من دون التهديد.. لن تغير إيران اتجاهها

طهران تتهم واشنطن بشن «حرب نفسية» عليها.. وأحمدي نجاد يرجئ المفاوضات حتى نهاية أغسطس

TT

اتهمت إيران الولايات المتحدة أمس بشن «حرب نفسية» عليها، تعقيبا على تصريحات مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الـ(سي آي إيه) ليون بانيتا، بأن إيران تطور أسلحة نووية وأنها ستحصل على تطوير قنبلتين نوويتين خلال عامين. ويأتي ذلك في وقت أعلن فيه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد عن عدم استعداده لدخول المفاوضات مع الدول الكبرى حول الملف الإيراني قبل نهاية أغسطس (آب) المقبل، بينما أكدت الولايات المتحدة التزامها بالمسار الدبلوماسي لحل الملف النووي الإيراني. وصرح بانيتا أول من أمس لقناة «إيه بي سي» الأميركية بأن إيران تملك كمية كافية من اليورانيوم المخصب «لإنتاج قنبلتين» نوويتين. مضيفا أن هذا البلد قادر على صناعة مثل هذا السلاح خلال عامين.

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن الناطق باسم الخارجية رامين مهمانبرست قوله، إن «مثل هذه التصريحات هي جزء من حرب نفسية أطلقت لإعطاء انطباع سلبي عن الأنشطة النووية السلمية لإيران». وأضاف أن «المسؤولين الأميركيين وخصوصا أجهزة استخباراتهم، يعلمون أكثر من أي كائن أن البرنامج النووي الإيراني ليس عسكريا».

وكان بانيتا عبر أيضا عن شكوكه في نجاح العقوبات في منع إيران من تطوير أسلحة نووية. وتشير هذه التصريحات إلى التساؤلات المتزايدة في واشنطن حول جدوى العقوبات.

وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إن الاستراتيجية للتعامل مع إيران تشمل الضغط والحوار، موضحا: «بينما نواصل إيماننا بأن التفاوض والحوار أفضل طريقتين لمعالجة قلق المجتمع الدولي في ما يخص الطبيعة الحقيقية لبرنامج إيران النووي، يجب إكمال استراتيجية المسارين من خلال الضغط الشرعي ليكون فعالا». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «عاملا التواصل مع الحوافز والضغوط في استراتيجيتنا تسير مع بعضهما، لأنه من دون التهديد من العواقب، من غير المتوقع أن تتخذ إيران تغييرا استراتيجيا في اتجاهها».

ولكن هناك تساؤلات حول الاستراتيجية الأميركية الحالية تجاه إيران. وقالت الخبيرة في الشأن الإيراني في معهد «بروكينغز» سوزان مالوني: «كان من اللافت تصريح بانيتا حول عدم الثقة في نجاح العقوبات، والسؤال هو إذا لم تنجح العقوبات، ماذا يمكن للإدارة الأميركية أن تفعله؟ والرد ليس واضحا». وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هناك شعور متزايد بأن العقوبات لن تنجح في وقت تتقدم إيران فيه أقرب وأقرب تجاه تطوير الوقود النووي»، موضحة: «استراتيجية التعامل مع إيران غير واضحة في ما بعد العقوبات».

وهناك أمل في أن الضغوط الناتجة عن العقوبات ستدفع النظام الإيراني إلى العمل على كسر العزلة الدولية التي تعاني منها إيران من خلال العودة إلى طاولة المفاوضات. ولكن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أعلن أمس أن إيران لن تستأنف المباحثات مع القوى الكبرى بشأن الملف النووي قبل نهاية أغسطس، مع طرحه عدة شروط لهذه المحادثات.

وقال أحمدي نجاد ردا على سؤال وجه إليه أثناء مؤتمر صحافي أمس: «سنؤخر المفاوضات بسبب سلوكهم السيئ وتبني قرار جديد (في مجلس الأمن الدولي يفرض عقوبات على إيران)». وأضاف: «لن تكون هناك مفاوضات قبل نهاية شهر مرداد (22 أغسطس) في منتصف (شهر) رمضان، إنها الغرامة التي يتوجب عليهم دفعها لتعلم اللياقة وأسلوب مخاطبة الأمم الأخرى»، في تلميح إلى العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي في التاسع من يونيو (حزيران) على إيران.

وحول إمكانية استئناف المفاوضات مع إيران، قال المسؤول الأميركي: «لن نزيل إمكانية التحاور، بل إن الهدف من الضغط هو تشجيع إيران للتواصل بطريقة بناءة»، مضيفا: «نهدف إلى أن تفهم إيران أن عدم الالتزام بتطبيق متطلبات مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية يؤدي إلى نتائج يمكن معالجتها فقط من خلال التواصل الجدي».

إلى ذلك، أكد الرئيس الإيراني أن المحادثات بين إيران ودول «مجموعة فيينا» (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا برعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية) بخصوص تبادل محتمل للوقود النووي ينبغي أن توسع لتشمل البرازيل وتركيا.

وقال: «نحن مستعدون للتفاوض بشأن تبادل الوقود (النووي مع القوى العظمى) على أساس إعلان طهران» الذي وقعته في مايو (أيار) إيران وتركيا والبرازيل. وأضاف: «إذا كانت روسيا وفرنسا والولايات المتحدة في جانب، فإن إيران ستذهب مع تركيا والبرازيل». واعتبر أن «تشكيلة المفاوضات يجب أن تتغير»، أيضا بالنسبة إلى المحادثات مع مجموعة الدول الست (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) المحاور الرئيسي لإيران حتى الآن لمجمل الملف النووي. وتابع: «من قال إن دول مجموعة (5+1) وحدها يجب أن تشارك في المفاوضات؟ يجب أن تكون دول أخرى أيضا حاضرة».

وطرح أحمدي نجاد شرطا آخر لاستئناف المحادثات النووية، مؤكدا أنه على القوى العظمى أن تعطي «موقفها بكل وضوح بشأن الأسلحة النووية التي يمتلكها النظام الصهيوني».

وكان الرئيس الإيراني أعلن الأسبوع الماضي أنه سيطرح أثناء هذا المؤتمر الصحافي «شروط الجمهورية الإسلامية للتفاوض مع الدول التي صوتت على قرار ضد إيران».

ورفض أحمدي نجاد أيضا اتهامات ليون بانيتا بأن إيران قد تمتلك أسلحة نووية اعتبارا من 2012، مؤكدا من جديد أن طهران لا تسعى لاقتناء مثل هذه الأسلحة و«تؤيد بقوة نزع الأسلحة». وأضاف «إننا قلنا بوضوح إن السلاح النووي جيد بالنسبة إلى الدول المتخلفة سياسيا التي تفتقر إلى المنطق»، معتبرا «أن تكديس الأسلحة الذرية هو اليوم أكثر الأمور حماقة».

وكان المدير الأعلى للشؤون الآسيوية في البيت الأبيض جيف بادر، قد قال السبت الماضي إن «الرئيس أوباما شدد على أننا ما زلنا ملتزمين بالمسار الدبلوماسي مع إيران، إذا جاء الإيرانيون إلى الطاولة وأخذوا الخطوات المطلوبة». وأضاف أن قرار «1929 لا ينهي المسار الدبلوماسي بل يجعله ممكنا».

وبحث أوباما الملف الإيراني مع قادة دول مجموعة الثماني ومجموعة العشرين في كندا خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي. وأصدر البيت الأبيض بيانا حول إيران وحظر انتشار الأسلحة النووية خلال اجتماعات دول مجموعة العشرين جاء فيه أن هناك «أسلوبا مبدئيا حول الحقوق والمسؤولية التي تقوي عزم العالم لمعالجة التحدي الذي يمثله برنامج إيران النووي وفشل إيران في الالتزام بتعهداتها». وأضاف البيان أن «الاستراتيجية الشاملة نتجت بإصرار عالمي أقوى لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية وإقناع إيران بالتواصل بجدية مع المجتمع الدولي»، مشيدا بتمرير قرار مجلس الأمن الأخير بعقوبات جديدة على إيران بسبب برنامجها النووي.

وأثارت تصريحات بانيتا اهتمام دول عدة في مجموعة الثماني. وقال الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف إن تأكيدات الولايات المتحدة بأن إيران ربما يكون لديها وقود يكفي لصنع قنبلتين نوويتين تثير قلقه وحذر من أنه إذا تأكد ذلك فإن إيران ربما تواجه إجراءات جديدة. وقال ميدفيديف للصحافيين في تورونتو حيث حضر اجتماع قمة مجموعة العشرين: «بالنسبة إلى هذه المعلومات لا بد من التحقق منها... وعلى أي حال مثل هذه المعلومات تكون مثيرة للقلق دائما لأن المجتمع الدولي لا يعترف اليوم بالبرنامج الإيراني بوصفه شفافا». ونادرا ما يعلق الزعماء الروس على بيانات وكالة المخابرات الأميركية وتشير تصريحات ميدفيديف الحادة إلى الهوة التي زادت بين موسكو وطهران في الأشهر الأخيرة. ونشب خلاف علني بين الكرملين وطهران الشهر الماضي بعد أن عاتب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الكرملين لرضوخه إلى ما وصفه بضغوط أميركية للموافقة على فرض مزيد من العقوبات.

وقال ميدفيديف: «إذا ثبت صحة ما تقوله الأجهزة الأميركية الخاصة فهذا سيجعل بالتأكيد الوضع أكثر توترا ولا أستبعد ضرورة النظر في هذه المسألة على نحو إضافي». ولفتت مالوني إلى أن «تقييم بانيتا ليس جديدا ويتماشى مع التوقعات ولكن كل تصريح جديد يعيد التشديد على المخاوف من البرنامج النووي الإيراني»، مضيفة: «هناك شعور حقيقي بضرورة التعامل مع هذه القضية بموجب سياسة ناجحة».