أربيل سبقت الحرب وبنت لنفسها حضارة في السلام

محافظها لـ «الشرق الأوسط»: العقلية السياسية المنفتحة وراء العمران في إقليم كردستان

زبائن في مطعم كوستاريكا الذي افتتح أخيرا في أربيل («الشرق الأوسط»)
TT

من الصعوبة ألا يلاحظ أي شخص عراقي على وجه الخصوص حجم التغيير في العمران والتطور الاقتصادي الواضح على وجه محافظة أربيل. ومن الصعب جدا ألا يبدأ ابن بغداد سلسلة من المقارنات بين عاصمة العراق، التي تشهد خرابا في شوارعها ومؤسساتها، وبين العمران الحاصل في عاصمة إقليم كردستان وهي جزء من العراق.

الدخول إلى أربيل لم يكن سهلا، حاله حال أي مدينة عراقية أخرى، فطوابير المنتظرين عند الحدود الإدارية لمحافظة أربيل كانت كبيرة بينهم من هو يبحث عن العلاج باعتبار أن التطور الحاصل في مستشفيات المدينة كبير جدا ومن بينهم من يبحث عن السياحة أو زيارة أقارب له أو البحث عن عمل في ظل فرص عمل كبيرة جدا واستثمارات لشركات كبرى في تلك المدينة الشمالية.

الطوابير لا تنتظر طويلا، فبعد توقيع ضباط المركز على ورقة الدخول سيكون بمقدور أي مواطن أن يكون داخل تلك المدينة التي لن يتوقف فيها أمام سيطرة تفتيش أو البحث عن متفجرات داخل سيارته.

المدينة التي شهدت عمرانا واسعا خلال السبع سنوات الأخيرة يراها الداخل لها تشبه كبريات المدن العربية أو بعض المدن الأوروبية ويوعز نوزاد هادي محافظ أربيل في حديث لـ«الشرق الأوسط» العمران إلى العقلية السياسية المنفتحة لحكومة الإقليم التي كانت وراء هذا العمران والانفتاح على الشركات الاستثمارية العالمية لاستثمار رؤوس أموالها داخل المدينة إضافة إلى صرف المبالغ المخصصة من ميزانية العراق على جميع المدن في إقليم كردستان، الأمر الذي جعل تلك المدن في مصاف المدن المتقدمة.

ويؤكد هادي، الذي يعتبره سكان المدينة وراء ما تشهده من تطور، أن نحو 10 مليارات دولار معظمها من الاستثمار المحلي منها أربع مليارات تم صرفها على البنى التحتية للمدينة لكل القطاعات، مشيرا إلى أن المستوى الاقتصادي للفرد في مدينة أربيل قد تطور بشكل كبير، مؤكدا أن الحكومة المحلية قامت أيضا بتسهيل الحصول على سكن ملائم وسيارة، إضافة إلى افتتاح الجامعات الأهلية والحكومية والمستشفيات. وأكد هادي أن فرص العمل أمام أبناء جميع المحافظات مفتوحة إضافة إلى العمالة القادمة من دول أخرى نتيجة للوضع الأمني المستقر في المدينة. وأشار إلى أن افتتاح مطار أربيل كان له الأثر البالغ في حركة الاستثمار إضافة إلى قدوم العديد من السياح عبر المطار، مؤكدا أن مشروع المطار الثاني في أربيل سيفتح باب الاستثمار على كل العراق وستكون هذه المدينة هي الواصلة بين الشرق والغرب.

أما ليل أربيل فكان له وقع آخر، فالمدينة مضاءة ومبهجة ومختلف القوميات والجنسيات تتجول في شوارعها وفي محلاتها الواسعة ومقاهيها المتطورة. وكان لافتتاح مقهى (كوستاريكا) الخميس الماضي من قبل مجموعتين عراقية وبحرينية وقع جميل بين أبناء المحافظة الذين تهافتوا في يوم الافتتاح إضافة إلى الوفود الأجنبية التي زارت المكان الذي أحيط بكل ما هو جميل. ويقول فيصل كريم خان وهو ضمن مجموعة شركة «زوزك» العراقية، إن افتتاح هذا المقهى يعد الأول من نوعه في العراق لأنه يتبع المواصفات العالمية في كل شيء وأن أصحاب المجموعتين لديهم نية لافتتاح مقاهٍ مماثلة في النجف والسليمانية وبغداد. أما مجموعة «جواد غروب» البحرينية فتؤكد أن العراق وكردستان بشكل خاص مكان مهم للاستثمار ولولا الحروب التي مر بها العراق لكان في مصاف الدول المتقدمة. ويؤكد فيصل حسن جواد ممثل الجانب البحريني في هذه المجموعة نه سعيد لأنه يعمل في محافظة أربيل التي يجد فيها مدينة عراقية مهمة جدا ويؤكد أن مجموعته لديها نحو 250 مطعما في دول مجلس التعاون الخليجي.

أحد العاملين في هذا المطعم أشار إلى سعادته للوصول إلى العراق لكنه لم يخف قلق عائلته عليه عندما قرر الذهاب للعمل في العراق بعد أن طرحت عليه الشركة التي يعمل فيها زيادة في مرتبه للعمل في العراق. ويؤكد قصي مولانا أنه اعتاد على الوجود في العراق بعدما قدم قبل عام لملاحظة موقع العمل وتكررت زيارته إلى المكان وكانت عائلته تشعر بالقلق الذي سرعان ما تلاشى بعدما نقل إليهم الصورة واضحة من أربيل. ويعمل مولانا في شركة مقرها في البحرين كما يؤكد مسؤول التشغيل هناك أنه عرض العمل على العاملين بزيادة المرتبات للذهاب إلى العراق، وقد وافق الكادر.

وفي مكان آخر من محافظة أربيل كان هناك مجمع للمطاعم عندما سألنا بعض أهالي المدينة عنه قالوا إنه مكان الوزراء والفقراء على حد سواء يدعى مطعم «أبو شهاب». وعن سر الجمع بين المسؤول والمواطن في مكان واحد قال سالار وهو من مرتادي هذا المطعم الذي يدعى «أبو شهاب»: إن أبو شهاب بدأ أول عمله على عربة صغيرة تطورت إلى محل صغير ثم اشترى المحلات الأخرى الملاصقة له وخلال أكثر من عشر سنوات أصبحت له مجموعة أبو شهاب التي يقدم فيها أشهر الأكلات العراقية والغربية إضافة إلى أرقى المشروبات. ويضيف سالار، الذي اعتاد زيارة هذا المطعم، أن أبو شهاب ما زال يعمل بشكل يومي كأحد عماله الذين يقارب عددهم الألف عامل، في إشارة إلى تواضع هذا الرجل ومباشرته عمله مع أبنائه أيضا.

في الفنادق والأسواق والمحلات نجد مختلف الجنسيات ومن مختلف المحافظات أيضا يعملون بأجور جيدة. ويؤكد بعض العاملين في تلك الأماكن أنهم فوجئوا بفرص العمل والتعامل الجيد من كرد العراق مع باقي الجنسيات ومع أشقائهم من باقي المحافظات.

زائر أربيل يغادرها وفي ذاكرته صور جميلة عن مدينة بنت نفسها من حطام ما خلفته حروب مرت واقتتال ومطاردات للأكراد في جبال عالية لكنها بقيت مدينة متحضرة استطاعت أن تسبق زمن الحروب وتمضي نحو السلام.