وفاة عميد الكونغرس الأميركي السيناتور روبرت بيرد عن 92 عاما

انتخب عضوا لمجلس الشيوخ لـ9 مرات.. وكتب 4 مجلدات عن تاريخ المجلس

TT

توفي السيناتور الديمقراطي المحافظ عن ولاية فرجينيا الغربية، روبرت سي بيرد، عن عمر يناهز 92 عاما في الساعة الثالثة من صباح أمس بمستشفى «إينوفا فيرفاكس»، وذلك حسبما أعلن مكتبه. وقد استخدم السيناتور بيرد، صاحب أطول فترة عضوية في تاريخ الكونغرس، معرفته القوية بالمؤسسة في تشكيل الميزانية الفيدرالية، وحماية القواعد الإجرائية لمجلس الشيوخ، وقبل كل ذلك، حماية مصالح الولاية التي كان يمثلها.

وكان بيرد قد نقل إلى المستشفى الأسبوع الماضي للعلاج مما كان يعتقد بأنه إجهاد ناتج عن ارتفاع درجة حرارته، لكن عند فحصه اكتشف الأطباء مشكلات أكبر، وذلك حسبما صرح به بعض مساعديه يوم الأحد. لكن لم يعلن عن سبب وفاته حتى الآن.

وبداية من عام 1958، جرى انتخاب بيرد عضوا لمجلس الشيوخ لتسع مرات، وهو الأمر غير المسبوق في تاريخ المجلس. كتب بيرد كتابا من أربعة مجلدات عن تاريخ مجلس الشيوخ، واختير زعيما للأغلبية مرتين، وترأس لجنة المخصصات ذات النفوذ الكبير، والتي تتحكم في خزانة الدولة. وعلى الرغم من ذلك فإن مواقع النفوذ التي احتلها لم تعكس منحنى حياته المذهل.

وتغلب بيرد، الذي نشأ في حقول الفحم بفرجينيا الغربية، على الفقر المدقع الذي أصاب ولايته حتى قبل الكساد الكبير، وتغلب كذلك على ارتباطه القبيح في بداية حياته بجماعة «كو كلوكس كلان» العنصرية، وشق طريقه عبر مدرسته الليلية وبقوة إرادته وعزيمته وانضباطه ليجعل من نفسه شخصا ذا سلطة ونفوذ في واشنطن. على الرغم من تمكنه من تخصيص كميات ضخمة من المنح الفيدرالية لولايته الفقيرة، فإن يده الكريمة امتدت خارج حدود الولاية الجبلية.

وبصفته رئيسا للجنة المنبثقة عن لجنة المخصصات بمجلس الشيوخ خلال الفترة ما بين 1961 - 1969، استمتع بيرد بدوره الجديد في استجواب مسؤولي المدينة في جلسات استماع مطولة وانتقاد وضع الرجال السود العاطلين والأمهات غير المتزوجات في برنامج الرعاية الاجتماعية.

كان بيرد معروفا بخطابه الجهوري المحلى باقتباسات من الكتاب المقدس والإشارات الكلاسيكية وكان يفخر بكونه العالم الدستوري المقيم في مجلس الشيوخ، فقد كان يحتفظ بنسخة من الدستور في جيبه. كان بيرد يرى نفسه كذاكرة مؤسسية وكحارس لصلاحيات مجلس الشيوخ. وكان لمعظم سكان فرجينيا الغربية مخاوف أكثر إلحاحا، لكن بيرد ناضل من أجل التصدي لهذه المخاوف. وعبر لجنة المخصصات، استطاع أن يضخ مليارات من الدولارات في شكل فرص للعمل، وبرامج ومشاريع في الولاية التي كانت تقع دون كل المؤشرات الاقتصادية عندما بدأ بيرد حياته السياسية كعضو في الكونغرس في نهاية عام 1940. بعد ذلك تم توجيه عدد لا يحصى من مخصصات الكونغرس إلى ولاية فرجينيا الغربية التي أصبحت الآن موطنا للسجون، ومراكز التكنولوجيا والمختبرات ومقار القوات البحرية وحرس السواحل (على الرغم من كونها ولاية غير ساحلية).

وقد سخر منه بعض معارضيه، لكن سكان فرجينيا الغربية أعربوا له عن امتنانهم له بتسمية عدد لا يحصى من الطرق والمباني باسمه. ويعتبر بيرد أول من ينتخب من ولاية فرجينيا الغربية لعضوية الكونغرس ومجلس الشيوخ.

كان بيرد في شبابه يوصف بـ«عملاق» جماعة «كو كلوكس كلان» العنصرية. وعلى الرغم من اعتذاره عدة مرات عن التحاقه بهذه الجماعة الذي اعتبره تهور شباب، فإن المرات الأولى التي صوت فيها في الكونغرس – ولا سيما تصويته ضد قانون الحقوق المدنية عام 1964 - تعكس وجهات انفصالية عنصرية. وبعد أن تخلص من هذه الأفكار تمكن بيرد من الصعود في التسلسل الهرمي للحزب الديمقراطي. وباعتباره متمرسا للتعلم الذاتي طوال حياته، ومؤمنا إيمانا راسخا باستمرار التعليم - بما في ذلك التعليم في المدارس المهنية، والكليات الأهلية وتعليم الكبار - مارس بيرد ما كان يبشر به. أثناء وجوده في مجلس النواب الأميركي خلال الفترة ما بين 1953 - 1959، كان يتلقى دروسا ليلية في كلية الحقوق. وحصل على شهادة في القانون من الجامعة الأميركية في عام 1963، وهو العضو الوحيد في الكونغرس الذي التحق بكلية الحقوق أثناء وجوده في منصبه.

وفي هذا السياق يشير السيناتور جاي روكفلر إلى أن «السيناتور بيرد جاء من بدايات متواضعة في حقول الفحم الجنوبية، وتربى على أيدي سكان فرجينيا الغربية المجدين، وتمكن من الصعود إلى أعلى سلم السلطة في الولايات المتحدة». لكنه «لم ينس أبدا المكان الذي جاء منه ولا من يمثلهم، ولم يحدث أن أساء استخدام السلطة لتحقيق مكاسب شخصية».

إضافة إلى الكتاب الذي ألفه حول تاريخ مجلس الشيوخ في عدة مجلدات، كتب السيناتور بيرد مذكرات من 770 صفحة، وكتابا بعنوان «فقدان أميركا: مواجهة رئاسة متهورة ومتغطرسة» (عام 2004)، الذي ينتقد فيه بشدة ما اعتبره اندفاع الرئيس السابق جورج بوش الابن إلى الحرب مع العراق. ويشير النقاد إلى أن جزءا من قوة الكتاب تكمن في أنه كان من بين عدد قليل من أعضاء مجلس الشيوخ الذين كانوا في المجلس أيام حرب فيتنام، وكان من بين أشد من أيدوا هذه الحرب.

وقال توماس مان، الباحث في شؤون الكونغرس بمؤسسة بروكينغز: «لقد لعب دورا فريدا كأحد المدافعين الرئيسيين عن مجلس الشيوخ أثناء عقود من القوة المتنامية للرئاسة».

وفي كتابه، وداخل مجلس الشيوخ، كان بيرد لاذعا في ازدرائه لعقيدة إدارة بوش المتمثلة في «الحرب الوقائية» و«تغيير الأنظمة». وانتقد زملاءه من المشرعين لسرعة تفويض الرئيس في اتخاذ قرار الحرب.

وفي 18 مارس (آذار) من عام 2003، ألقى بيرد أول خطاب في الخطابات التي أصبحت بمثابة هجمات منتظمة ضد قرار إدارة بوش بغزو العراق. وفي خطاب ألقاه في مجلس الشيوخ، قال: «اليوم، أبكي من أجل دولتي. لقد شاهدت أحداث الشهور الأخيرة بقلب حزين. لم تعد صورة أميركا كما كانت كواحدة من الدول المحافظة على السلام، القوية لكن في الوقت نفسه الطيبة. لقد تغيرت صورة أميركا!». وقال السيناتور ميتش ماكونيل (الجمهوري من ولاية كنتاكي) زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، إن ذكرى بيرد ستظل خالدة وذلك «لروح المقاتل التي كانت لديه، وإيمانه الراسخ، وللمرات الكثيرة التي ذكر فيها مجلس الشيوخ بأهدافه. ستقرأ أجيال الأميركيين التاريخ البارع لمجلس الشيوخ الذي خلفه».

ولم يعتمد بيرد على الشخصية فقط، لكن أيضا على الاهتمام بأدق التفاصيل كي يحقق النجاح في كابيتول هيل.

وكتب لورانس هاس في مجلة «ناشونال جورنال» عام 1991، قائلا: «كلما زاد عدد الناس في واشنطن الذين يشككون في مهاراته، زاد المجهود الذي يبذله في العمل. وكلما ضحك الناس من ورائه - بسبب أسلوبه في تصفيف شعره أو بسبب أسلوبه في الكلام - كان أكثر عزما وتصميما على النجاح». وكان السيناتور بيرد يرأس اللجنة المنبثقة عن لجنة المخصصات في مجلس الشيوخ خلال الفترة من عام 1961 حتى عام 1969، وأخذ على عاتقه التخلص من الأغلبية من السود الذين يتلقون خدمات الرعاية الاجتماعية وهم غير مؤهلين.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»