وزير العدل يستخدم لأول مرة خطابا «هادئا» مع عناصر «القاعدة»

أشار إليهم بقوله «أبناء جلدتنا».. وامتدح برامج المناصحة

TT

لأول مرة، يستخدم مسؤول سعودي رفيع، خطابا هادئا، مع عناصر تنظيم القاعدة الذين أحيلوا إلى القضاء الشرعي لمحاكمتهم.

واستخدم الدكتور محمد العيسى وزير العدل السعودي، خلال افتتاحه أعمال الملتقى القضائي الأول لجرائم الإرهاب وأمن الدولة، الكثير من المصطلحات التي تعكس لين خطابه تجاه التائبين وغيرهم من أفراد وعناصر تنظيم القاعدة في السعودية، الذين أشار إليهم بقوله «أبناء جلدتنا».

ودافع الوزير السعودي عن المناهج الشرعية في بلاده، وقال إنها «ليست مصدر التطرف». وقال «يجب أن نعلم أن من يناصح شبابنا الذين وقعوا في شراك الفكر المتطرف هم حملة شهادات الشريعة من جامعاتنا الإسلامية، وهذا أكبر رد على من يعتقد أن مناهجنا تتطلب إعادة النظر».

وأبان أن علماء الشريعة المعتبرين في بلاده السعودية، تأسسوا على المناهج الشرعية، التي لم تزدهم إلا «وسطية واعتدالا».

وامتدح وزير العدل السعودي برامج المناصحة، وقال في إشارة إلى من يواجهون تهم ارتكاب الأعمال الإرهابية وجرائم أمن الدولة «ما أسعدنا وأطلبنا للعافية في الدين والدنيا، وما أفرحنا بهداية أبنائنا (...) من خلال لجان المناصحة، فإن مَن ضلت به السبل من أبنائنا هو مِن قبل ومن بعد ابن جلدتنا، ومرده إلى جادة الحق».

وأشار الوزير العيسى، إلى أهمية مقابلة السيئة بالحسنة، والعفو والصفح، خلال حديثه عن عناصر تنظيم القاعدة، في إشارة تصالحية واضحة من قبل الوزير السعودي.

وقال «هكذا علمتنا مناهجنا، لكن هناك من تخطفته الشبهات والأهواء، وهو من نسأل الله أن يردهم إليه ردا جميلا، فلن نسعد بسماع الادعاء عليهم، بقدر ما نسعد بهدايتهم ومراجعتهم لأنفسهم. الحق أبلج وأوضح من محيا النهار، وللشبهات سلسلة متتابعة، لا تنتهي حتى تكفير الأمة».

وجاء هذا الموقف من وزير العدل السعودي، خلال افتتاحه والدكتور عبد العزيز بن صقر الغامدي رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، البرنامج العلمي الأول لجرائم الإرهاب وأمن الدولة.

وتطرق محمد العيسى، لسير المحاكمات الخاصة بعناصر تنظيم القاعدة، التي بدأت منذ أكثر من عام، وأخضع لها 991 متهما بالإرهاب، كدفعة أولى.

ورفض الوزير وصف الإرهاب بأنه «نازلة عصرية»، بل اعتبره «امتدادا تاريخيا يتراوح من حين لآخر بين مدّ وجزر، ولكل مرحلة من مراحله سبب وباعث».

وأكد المسؤول السعودي الأول عن المرفق العدلي، أن القضاء السعودي أثبت قدرة فائقة في التعامل مع قضايا الإرهاب، وفق أحكام الشريعة الإسلامية، دون أن يؤثر عليه مؤثر خارج نطاق «سلطة المحكمة الأعلى» التي تفرض، شرعا ونظاما، رقابتها على الأحكام القضائية وفق معايير العدالة المستقر عليها.

وقسم العيسى الأحكام الصادرة بحق من واجهوا تهم الإرهاب أمام المحاكم السعودية، إلى قسمين، قائلا «هناك من أدانه القضاء من المتهمين في هذه القضايا، وهناك من برأه من بعض التهم، وكل على ميزان واحد، فجميع الضمانات العدلية تطبق على كافة القضايا أيا كان نوعها، والجميع يعرض على عدل الشريعة الإسلامية على حد سواء لا وكس ولا شطط».

وشدد الوزير السعودي، على أنه ليس لدى بلاده «قضاء استثنائي»، ولا يوجد بها «تفاوت في معايير النظر القضائي»، معتبرا أن قضايا الإرهاب وأمن الدولة تنظر من قبل ذات المحاكم وذات القضاة، وأن لا فرق بينها وبين القضايا الأخرى.

وبدا العيسى واثقا وهو يقول «ولن يدخر قضاتنا وهم حملة الشريعة وحراس أحكامها، لن يدخروا وسعا في الوصول إلى الحق ببيناته القاطعة، وزبره الفاصلة»، مؤكدا أن القضايا الإرهابية لم يتم الاستعجال بالنظر فيها. وأضاف أن القضاة «لن يستعجلوا في أمر لهم فيه أناة؛ لعلمهم بأن الحكم القضائي توقيع عن الله جل وعلا؛ لنسبته لحكم شرعه المطهر الذي نعتز بتطبيقه وإمضائه».

وشدد وزير العدل السعودي على أن «قضايا الإرهاب وأمن الدولة، تُنظر في محاكمنا من قبل القاضي الطبيعي، وهو حق كفلته طليعة وثائقنا الدستورية المؤسسة على أحكام الكتاب والسنة، الدستور الأساسي للدولة».

ورأى وزير العدل السعودي، أن مسألة إيجاد محكمة متخصصة للنظر في الجزاءات الشرعية على المتهمين بجرائم الإرهاب، هو «من صميم ما نص عليه نظام القضاء الذي أخذ بالمفهوم الحديث الدارج في جميع الدول، وهو تفعيل إيجابية الاختصاص النوعي في نظر القضايا؛ من أجل تعميق المادة القضائية التخصصية ليتفرغ القاضي لها، ويحدّ من شتاته الذهني».

واعتبر أن تفعيل الاختصاص النوعي للمحاكم، دليل على «حيادية نظام عدالتنا ودستوريته وليس في مكنة كائن من كان أن يبدي لرجال القضاء رأيه فيما ينظرونه من أحكام، فضلا عن إملاءاته، ونحن في هذا نتميز على غيرنا؛ حيث ننطلق من مفاهيمنا الراسخة، وقيمنا المتأصلة بنزاهة قضائنا الذي يُملي علينا نصوصا إلهية لم يصنعها البشر، فالحياد والاستقلال في قضائنا عزيمة ربانية، لا وضعية».

وافتتح وزير العدل السعودي أمس، البرنامج الخاص بجرائم الإرهاب وأمن الدولة، الذي سيتناول دراسة عدد من قضايا الإرهاب وأمن الدولة التي تخص جذور الإرهاب، ومن ضمنها الإرهاب الديني والسياسي والفكري والإعلامي وجذور الإرهاب، كما تضمن البرنامج التشريع للأمن النووي والإرهاب الإلكتروني والافتراضي.

ويهدف البرنامج إلى دراسة وبحث جرائم الإرهاب وأمن الدولة من الناحية التشريعية واقتراح التشريعات المناسبة لهذه الجرائم من الرؤى الشرعية.