العلاقات السعودية الأميركية.. عقود من الاستقرار والمصالح المشتركة

الملك عبد الله يعيدها إلى الواجهة أكثر قوة ومصداقية وشفافية

الرئيس الأميركي لدى استقباله خادم الحرمين الشريفين في البيت الأبيض أمس (أ. ب)
TT

تأتي زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الولايات المتحدة، التي تعد الثالثة له لواشنطن خلال العقد الحالي، والأولى منذ دخول الرئيس باراك أوباما للبيت الأبيض، لتمنح هذه العلاقة قوة ومصداقية وشفافية، وتحقق جملة من الأهداف المشتركة إقليميا ودوليا، خصوصا فيما يتعلق بإيجاد حلول لقضايا اقتصادية وسياسية تتمثل في تحقيق استقرار مالي عالمي بعد الأزمة المالية العالمية التي عصفت بكثير من الدول، وتحقيق استقرار أيضا في مجال الطاقة، بالإضافة إلى التوصل إلى رؤى مشتركة فيما يخص التهديد الذي يمثله التطرف والإرهاب، وهما ما اكتوت بنارهما الدولتان، وبحث التهديدات المتعلقة بانتشار الأسلحة النووية، وأهمية تحقيق السلام الشامل في الشرق الأوسط، والتشاور فيما يخص الاهتمام المشترك بالأمن الخليجي.

ورغم أن الملفات التي يحملها الملك عبد الله، ومن المتوقع طرحها مع الرئيس أوباما، تستحوذ السياسة والاقتصاد العالميين على جلها، فإن الزيارة المهمة للملك عبد الله إلى واشنطن تحمل في طياتها اهتماما خاصا بين البلدين في مجالي الاقتصاد والتقنية، وفرص التعاون بين الرياض وواشنطن، كما ستضفي الزيارة طابعا شعبيا، وتوسع الروابط بين الشعبين السعودي والأميركي في ظل تزايد أعداد الطلاب السعوديين الذين يدرسون في الولايات المتحدة ضمن برنامج الملك عبد الله للابتعاث الخارجي، والذين قدر عددهم في أميركا حاليا بنحو 20 ألف طالب.

وأعادت الزيارة إلى الواجهة تاريخ العلاقات السعودية - الأميركية منذ عهد الملك عبد العزيز وإلى اليوم، خاصة منذ اللقاء التاريخي بين الملك المؤسس والرئيس روزفلت في البحيرات المرة بمصر عام 1945، مرورا بزيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى السعودية عام 1974، وهي أول زيارة لرئيس أميركي إلى الرياض، وقبلها زيارة الملك سعود إلى الولايات المتحدة بدعوة من الرئيس أيزنهاور، ثم توالي زيارات القادة في البلدين في فترات مختلفة، وكانت في مجملها تهدف إلى تعميق وتقوية هذه العلاقة بما يحقق المصالح المشتركة وحل كثير من الإشكاليات الإقليمية والدولية.

ويؤكد المراقبون أن العلاقات السعودية - الأميركية تعد راسخة في العصر الحديث، لكن عام 1933 يعد نقطة مهمة في تاريخ هذه العلاقات عندما قامت شركة الزيت العربية الأميركية بحفر أول بئر للنفط شرق السعودية، وفي عام 1945 التقى الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت، وهو اللقاء الذي وضع أرضية العلاقة بين الدولتين لتتحول بعدها من مجرد علاقة دبلوماسية إلى تحالف استراتيجي بين البلدين، كما يجب الاعتراف بأن العلاقات بين الدولتين أخذت طابع التميز منذ ثلاثينات القرن الماضي لتتطور في السنوات اللاحقة، لكنها شهدت حالات من المد والجزر والاختلاف والاتفاق حيال معالجة قضايا منطقة الشرق الأوسط، كما يجب التأكيد على أن الحقائق التاريخية تؤكد أن العلاقة بين الدولتين تتجاوز دائما المنحنيات التي تصادفها، كما لمح إلى ذلك الدكتور عبد العزيز بن عثمان بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، مرجعا ذلك إلى متانة الأسس التي قامت عليها هذه العلاقة، واحترام كل دولة للأخرى، وأهمية المصالح المشتركة التي تربطهما، مشددا على أن الولايات المتحدة مطالبة بتقديم المزيد تجاه منطقة الخليج والشرق الأوسط من أجل الحفاظ على وهج هذه العلاقة التي كانت وستظل تصب في مصلحة البلدين.

ولخص الرئيس الأميركي السابق جورج بوش رؤية القيادة الأميركية للملك عبد الله بقوله: الملك عبد الله زعيم دولة لها موقع جغرافي متميز في العالم ويقوم بإصلاحات تستحق الإشادة، مضيفا: أنا أقدر خادم الحرمين الشريفين تقديرا شخصيا لأنه رجل عندما يتحدث يستمع الجميع إليه، مشددا على أن الملك يحظى باحترامه الشخصي واحترام دول المنطقة.

ورغم أن العلاقات السعودية - الأميركية شهدت انتعاشا حينا وتوترا حينا آخر، وشابها نوع من الفتور في فترات من تاريخها، بسبب أحداث فرضتها السياسات وبؤر الصراع في العالم، فإن هذه العلاقات لم تصل إلى حد القطيعة، بل إن السعودية حرصت على إقامة علاقات متميزة مع الولايات المتحدة تتصف بالتوازن والحرص على تحقيق السلام الشامل، كما سخرت هذه العلاقات لخدمة القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية انطلاقا من مكانة السعودية العالمية المتمثلة في ثروتها النفطية وحضورها كقبلة للعالم الإسلامي وموقعها الاستراتيجي وسياستها المعتدلة، إضافة إلى مكانة أميركا العالمية كقوة اقتصادية وعسكرية مؤثرة، وهو ما أعطى السعودية قوة قادرة على الأخذ بزمام المبادرة في عدد من القضايا العربية والإسلامية والدولية والتوصل إلى حلول بشأنها.

وأنجزت دارة الملك عبد العزيز طباعة كتاب يتناول العلاقات السعودية - الأميركية في الفترة من عام 1931 إلى 1975 للدكتورة سميرة أحمد سنبل، بينت فيه المؤلفة نشأة وتطور هذه العلاقة خلال تلك الفترة وأثرها على المستوى الإقليمي والدولي، وما حققته من إنجازات سياسية واقتصادية أدت إلى تفهم الولايات المتحدة للقضايا المصيرية لشعوب المنطقة، وأرخ الكتاب لقاءات زعماء الدولتين خلال تلك الفترة التي بلغت ستة لقاءات، أولها لقاء الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت في مصر، وآخرها كان في جدة عندما استقبل الملك فيصل الرئيس نيكسون، الذي يعد أول رئيس أميركي يزور السعودية، حيث نجحت هذه اللقاءات في إرساء قواعد العلاقات الدولية المتينة بين البلدين.

واعتبرت المؤلفة أن العلاقة بين البلدين لم تمر بطريق ممهد خلال تلك الفترة، وقد حاولت المؤلفة قدر الإمكان توضيح العثرات التي واجهت هذه العلاقة منذ بدايتها، خصوصا مع بروز السعودية لكونها أحد مرتكزات الأمن في المنطقة ولها أهميتها في استراتيجيات النظام الدولي، إلى جانب الأخذ في الحسبان أهمية النفط السعودي في فكر السياسة الدولية العالمية، الذي يعد من أهم العوامل التي هيأت السعودية لهذه المكانة. وشددت المؤلفة، الدكتورة سميرة سنبل، على أن قصة النفط هي بداية العلاقة بين البلدين، ثم تجاوزته فيما بعد من مجرد سلعة اقتصادية محتكرة إلى آفاق أبعد، بحيث أمكن لاحقا تحقيق السيطرة الكاملة عليه، بل تسييسه لخدمة القضايا العربية والإقليمية والإسلامية والدولية.

ولاحظت المؤلفة، التي أنجزت كتابها العام الماضي، أن العلاقات السعودية - الأميركية مرت بمراحل في أثناء نموها بين الانتعاش حينا والتوتر والفتور حينا آخر، لافتة إلى أن المسافة الزمنية بين لقاء القمتين (الملك عبد العزيز وروزفلت عام 1945) و(الملك فيصل ونيسكون عام 1974) وأبرزت المؤلفة المنزلة الوطنية الفذة للدبلوماسية السعودية في خضم الصراعات الدولية من خلال دراسة الوثائق غير المنشورة وتحليلها وتقييمها، ثم الوثائق المنشورة والمعاهدات والأنظمة والبرقيات والرسائل المتبادلة بين السعودية والدول الأخرى.

ولم تنس المؤلفة الإشارة إلى التنافس الدولي في شبه الجزيرة العربية وأثر السياسة السعودية في توطيد علاقتها بالقوى الأوروبية والسوفياتية من خلال تناول العلاقات ببريطانيا، والأطماع السوفياتية، والعلاقات السعودية - الألمانية والعلاقات بإيطاليا.

وأبرزت المؤلفة نشأة العلاقات السعودية - الأميركية وتطورها في عهد الملك عبد العزيز، معرجة على موضوع الشركات النفطية الأميركية واستخراج النفط السعودي، وقيام الحرب العالمية الثانية وتوقف تصدير النفط السعودي عام 1939، والتبادل الدبلوماسي السعودي - الأميركي، وفتح مفوضية أميركية في جدة عام 1942، وفتح قنصلية سعودية في واشنطن عام 1943، ونتائج مقابلة الملك عبد العزيز للرئيس روزفلت في تنظيم العلاقات السياسية بين الدولتين، وإنشاء قاعدة الظهران، كما تناولت المؤلفة أثر الدولتين في تنشيط التعاون الاقتصادي والعسكري لدعم مجالات التنمية من خلال البحث في اتفاقية عام 1933 المؤقتة بين السعودية وأميركا، ومسألة القروض الإنجليزية وعلاقتها بالتحرك الأميركي عام 1943، واتفاقية مد خط التابلاين عام 1947، وإسهام الشركات الأميركية في توفير المعدات والأجهزة والسيارات، وتوفير الخبرات في المجالات الفنية والعسكرية، والبعثة العسكرية والمهنية للدراسة في الولايات المتحدة عام 1951، ثم اتفاقية مطار الظهران في العام ذاته بشأن تنظيم المطار.

وتحدثت المؤلفة عن الملك فيصل ومنظور السياسة الجديدة للدولة في عهده وأثر ذلك في العلاقات السعودية - الأميركية من خلال تناول أثر الدبلوماسية السعودية بين النكسة والعبور في تحقيق التوازن للعلاقات السعودية - الأميركية، واللجنة السعودية - الأميركية واستيراد التكنولوجيا الحديثة، والأثر السعودي في بروز منظمتي «الأوبك» و«الأوابك» وتأثير ذلك في تحديد سقف الإنتاج وانتظام الأسعار، واستخدام النفط سلاحا سياسيا، ونقل ملكية الشركات النفطية إلى الدولة. وشددت المؤلفة الدكتورة سنبل على أن المدة التي تناولها البحث شهدت تشابها كبيرا في الظروف السياسية والاقتصادية لكل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، فكل من الدولتين خاضت حرب توحيد، وكل منهما كانت على موعد مع ثروة كامنة في باطن الأرض، وعندما اكتشف النفط في المملكة العربية السعودية كانت الظروف الدولية بالغة التعقيد، وهذا أدى إلى ظهور الاضطرابات السياسية، فكان ذلك سببا في تأخر التبادل الدبلوماسي بين كل من المملكة وأميركا، وعليه يمكن القول: إن تطور العلاقات الدبلوماسية بشكل مطرد بين البلدين ارتبط ارتباطا مباشرا بازدياد المصالح الاقتصادية للدولتين، وحاجة كل منهما إلى الآخر. ورأت المؤلفة أن اكتشاف النفط في السعودية يعد المحرك والدافع إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، خصوصا بعد انضمام السعودية إلى قانون الإعارة والتأجير الذي أصبحت به المملكة ذات أهمية حيوية للولايات المتحدة، وهذا يعني أيضا أن الولايات المتحدة نزلت إلى ميدان المنافسة الدولية في زعامة العالم، واختارت المنافسة الاقتصادية في أغنى مناطق النفوذ البريطانية في الخليج العربي ليكون ميدانا للمنافسة والتحكم في الاقتصاد الدولي.