باكر بيغوفيتش على خطى والده.. تطلع للزعامة والتغيير

قال لـ «الشرق الأوسط» إنه يريد تعديل دايتون إذا فاز بالرئاسة وأولوياته الاندماج الأوروبي

TT

على خطى والده، يتطلع باكر علي عزت بيغوفيتش، للزعامة في البوسنة وإحداث تغيير، يطال خصوصا جوانب تاريخية كان الزعيم الراحل علي عزت بيغوفيتش أشرف عليها، وأيضا جوانب مستقبلية تشمل دمج البوسنة في الفضاء الأوروبي.

وعن هذا يقول باكر، المرشح لانتخابات الرئاسة المقررة الخريف المقبل، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إنه واثق من الفوز في انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وإنه سيسعى في حال فوزه، إلى إحداث تغييرات جوهرية على اتفاقية دايتون، بحيث «يشعر أي مواطن في أي مكان من البوسنة، سواء كان بوشناقيا، أو صربيا، أو كرواتيا، أنه يتمتع بكافة حقوقه على قدم المساواة مع الآخرين في وطنه». يشار إلى أن اتفاقية دايتون التي تم التوصل إليها بمساع أميركية عام 1995، بعد 4 سنوات من الحرب، تتضمن، بنظر المسلمين البوشناق، اختلالا في موازين القوى لصالح الصرب والكروات. ونصت الاتفاقية على أن البوسنة تتكون من كيانين، هما الفيدرالية البوشناقية الكرواتية، وجمهورية صربسكا، داخل البوسنة. ويسعى المسلمون البوسنيون لتصحيح هذا «الخطأ» الذي يسهم في التقسيم الإداري في البوسنة، ويمثل عقبة أمام استقلالها، وحائلا دون قيام دولة مركزية على غرار جيرانها.

يعد باكر بيغوفيتش (46 سنة)، من الشبان البوسنيين الطموحين جدا، الذين تتجاوز آفاق اهتماماتهم حدود أقطارهم. وهو واقعي إلى أبعد الحدود، ويؤمن بالحلول الوسط، وبأهمية العدالة بين الجهات والعرقيات والأحزاب السياسية، «لأن ذلك هو المحك الحقيقي للاستقرار الداخلي طويل الأمد»، كما يقول. ويرى أنه «الحل الوحيد للاستتباب الأمني وإرساء الاستقرار، والتأسيس للتنمية المستدامة».

عاش حياة درامية، فوالده علي عزت، دخل السجن عدة مرات من أجل أفكاره، وكان باكر الذي تخرج من كلية الهندسة وعمل مهندسا معماريا، وشارك في صنع رائعة الحرب «نفق سراييفو» وتقلد عدة مناصب آخرها رئاسة كتلة حزب العمل الديمقراطي، في البرلمان. كان ذراع والده اليمنى، كما قال، إذ ساعده في إعداد كتابه المشهور «الإسلام بين الشرق والغرب» وغيره من كتبه. كما يذكر سنوات سجن والده، وما عاشته الأسرة من فقر وفاقة في غيابه، وعن سنوات الحرب في البوسنة، وعمله كمدير لمكتبه، وهي قصص تحتاج لمساحات خاصة.

يتمتع باكر بشعبية كبيرة في الشارع البوسني، وفي كل الانتخابات البرلمانية التي خاضها، كان يحصل على أعلى الأصوات بفارق آلاف الأصوات عن الذي يليه. وعن ذلك يقول الأكاديمي البوسني الدكتور عمر ناكيتشيفيتش لـ«الشرق الأوسط»: «باكر علي عزت بيغوفيتش، رجل ناضج، رغم صغر سنه مقارنة بغيره من المرشحين. لقد تلقى تربية خاصة على يد والده، وهو وفي لخطه رغم التحديات الكبرى التي يلاقيها». لكن ناكيتشيفيتش، يرى أن على باكر، توسيع نطاق الاستشارة، والاستماع إلى الجميع، و«أملي أن يفعل ذلك في المستقبل، فكثير من السياسيين نكبهم مستشاروهم».

ويخوض باكر الانتخابات المقبلة، كمرشح لحزب العمل الديمقراطي، الذي أسسه والده، وينفي باكر، ما يتردد من أن الحزب، فقد كثيرا من أعضائه ومناصريه، فقال: «نحن لا نزال أقوى حزب سياسي بوشناقي في البوسنة، وليس لدي أي شك بأن حزبنا سيحقق نجاحا كبيرا في الانتخابات البرلمانية القادمة». وعن سياسته التفاوضية التي سيعتمدها في التعاطي مع قضايا الإصلاح الدستوري، وممتلكات الدولة، واقتسام السلطة والثروة، وهي القضايا التي تمثل محور الفعل السياسي في البوسنة في الوقت الراهن، قال: «سنعتمد سياسة التوافق بأسلوب خطوة بعد خطوة، ففي البوسنة لا يعيش البوشناق فقط، ولذلك يجب أن يكون الحل نتيجة قناعات تفرضها مصالح البوسنة وعلاقاتها في الداخل والخارج».

وحول تعدد المرشحين البوشناق، وبينهم الرئيس الحالي، حارث سيلاجيتش، ورئيس حزب «التحالف من أجل مستقبل أفضل» فخر الدين رادونجيتش، أفاد بيغوفيتش بأنه يحترم الرئيس حارث سيلاجيتش كمنافس، إذ لا يوجد في الأنظمة الديمقراطية خصوم أبدا، وإنما الأنظمة الديكتاتورية هي التي ترى في معارضيها خصوما. وأضاف: «أحترم حارث سيلاجيتش كمنافس، ولا يعني ترشحي للانتخابات أني ضده شخصيا، هناك خلاف في بعض وجهات النظر، وعلينا تقديم هذه الطروحات للشعب ليقول كلمته فيها، وسنرضى بالنتيجة، لأن الأغلبية هي التي ستختار الحل الذي ستراه مناسبا، وبالتالي تتحمل المسؤولية دون وصاية أو أبوية ارتبطت بالتخلف والقمع والفساد». يشار إلى أن سيلاجيتش (61 سنة)، يعد من السياسيين المخضرمين، الذين أتى بهم الرئيس الراحل علي عزت بيغوفيتش، إلى العمل السياسي، حيث شغل منصب وزير الخارجية في عهده، كما تقلد مناصب عليا في الدولة، وكان أحد المرافقين للرئيس الراحل أثناء توقيع اتفاقية دايتون في قاعدة دايتون بولاية أوهايو الأميركية في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1995. لكنه لم يلبث أن أسس حزبا جديدا أطلق عليه «من أجل البوسنة». وخاض الانتخابات الرئاسية، لكنه لم يصل إلى منصب الرئيس في عهد بيغوفيتش، كما خسر الانتخابات أمام سليمان تيهيتش في 2002 لكنه حصل على أصوات أكبر من تيهيتش في انتخابات 2006. ويعتبر سيلاجيتش أحد رجالات البوسنة التاريخيين، الذين يسعون لتوحيد بلادهم وضمان قيام دولة ديمقراطية طبيعية كسائر الدول الأوروبية بما في ذلك دول الجوار، وهي نفس أهداف نجل الرئيس الراحل باكر علي عزت بيغوفيتش.

وعن أولوياته في حال تم انتخابه رئيسا أكد باكر علي عزت بيغوفيتش على أن «استقرار البوسنة سيكون في مقدمة أولوياتي، لأن دعم سيادة البوسنة، هو البلسم الشافي للخروج من الأزمات المختلفة، كالحديث عن التقسيم، والتهديد بالاستفتاءات غير الدستورية لهذه الشيزوفرينيا، ثم إنفاذ الإصلاحات الدستورية بالتدريج، ويمكننا الاستغناء عن الأجانب في هذا الصدد، بما في ذلك البعثة الدولية، التي ننتظر أن تصبح صلاحيتها من اختصاص الكوادر الوطنية، وإحداث استقرار اقتصادي، والاندماج في الاتحاد الأوروبي».

وفي علامة على تمتع باكر بشعبية تتمدد حتى خارج بلده، أعلنت منظمات مثل حزب العمل الديمقراطي في دول يوغوسلافيا السابقة، عن دعمها لمرشح الحزب، في انتخابات أكتوبر المقبل. وقال الناطق باسم، حزب العمل الديمقراطي، سالمير قبلان، «باكر علي عزت بيغوفيتش، شخصية محترمة، يمكن أن تمثل إجماعا وطنيا، فضلا عن الساحة البوشناقية في البوسنة». وتابع: «باكر علي عزت بيغوفيتش، معروف بنظافة اليد، وحبه للعمل، وقلة الكلام، وهو متوازن من الناحيتين الفكرية والسياسية، وليست لديه عداوات شخصية، ولذلك هو أفضل من يمثل البوشناق في الانتخابات المقبلة». وكان حزب العمل الديمقراطي قد تم تأسيسه عام 1990 قبل انهيار يوغوسلافيا، وكانت لديه مكاتب وفروع في كل من صربيا، وكرواتيا، والجبل الأسود، ومقدونيا، وسلوفينيا، وكوسوفو. وهذه الفروع اليوم، إما أحزاب قائمة بذاتها، أو جمعيات تمثل الأقليات البوشناقية في تلك البلدان.