مواجهة بين «اليونيفيل» وأهالي الجنوب تؤدي إلى إصابة جنديين دوليين

شبان جردوا عناصر من الكتيبة الفرنسية من أسلحتهم> حزب الله يحذر والأمم المتحدة «قلقة»

TT

ارتفعت حدة التوتر بين القوة الدولية العاملة في جنوب لبنان وأهالي القرى الجنوبية ومن خلفهم حزب الله بسرعة، أمس، ووقع إشكال بين الطرفين أدى إلى إصابة جنديين فرنسيين بالحجارة، ودفع بالأمم المتحدة إلى توجيه تحذير بضرورة احترام «حقوق تحرك» القوات الدولية.

وجاء ذلك بعد سلسلة مواجهات أطلقها قيام الجنود الدوليين بتصوير منطقة بين بلدتين جنوبيتين، الأمر الذي أثار حفيظة السكان وحزب الله، وأطلق سلسلة مواجهة مع القوة الدولية هي الأولى من نوعها. ويبدو أن هذه الحادثة من شأنها أن تفتح ملف مستقبل القوة الدولية في الجنوب اللبناني.

وقد دفع ذلك بالمنسق الخاص في الأمم المتحدة لدى لبنان، مايكل ويليامز، إلى الدعوة أمس لاحترام حرية تحرك القوات الدولية، وذلك في بيان أصدره بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري. وقال «لقد تم انتهاك حرية تحرك اليونيفيل، والبلدان المساهمة بقوات اليونيفيل قلقة جدا». وأضاف «علينا أن نصر على ضرورة احترام حرية تحرك القوات الدولية. تحرك اليونيفيل في المنطقة جاء جزءا من عملياتها الطبيعية وباحترام كامل للتفويض المعطى لها».

وبدأ الحادث عندما استولى شبان لبنانيون على آليات القوة الدولية لبعض الوقت وعلى أسلحة عناصر الدورية وهواتفهم الجوالة، كما أقدموا على إفراغ إطاراتها من الهواء قبل تسليمها إلى الجيش اللبناني الذي سلمها بدوره إلى القوة الدولية.

وفيما أطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري سلسلة اتصالات للجم الوضع القائم، مبديا «تمسك الأهالي بالقوة الدولية»، أطلق حزب الله إشارات انزعاج واضحة من أداء القوة الدولية، مطالبا إياها بالتزام ما ينص عليه دورها لجهة دعم الجيش اللبناني ومساعدته عند طلبه. وجرت أمس اتصالات واسعة محلية وخارجية شارك فيها رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس بري ورئيس الحكومة سعد الحريري وقيادة الجيش وقيادة القوة الدولية، بالإضافة إلى اتصالات قامت بها السفارة الفرنسية.

وقالت مصادر لبنانية واسعة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» إن ما يجري في الجنوب قد تكون له تداعياته الكبيرة، إذا لم تحسن الأطراف المعنية بالملف التعامل معه، خصوصا مع وجود تباين واضح في المواقف بين الجانبين اللبناني والدولي في تفسير القرار 1701 لجهة صلاحيات القوة الدولية. وبينما قالت الأمم المتحدة إن لها حق التصرف، فإن لبنان يربط أي تحرك لها بالتنسيق مع الجيش اللبناني. ولمحت المصادر إلى وجود «قطبة مخفية» في هذا الموضوع وهي «الموقف الأوروبي من موضوع المقاومة»، مشيرة إلى أن «القوة الفرنسية هي أكثر من يتعرض للمضايقات نتيجة للمواقف السياسية التي تصدر عن فرنسا».

وربطت مصادر أخرى بين توقيت التوترات القائمة لتزامنها مع صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن تنفيذ القرار 1701، وإشارته إلى «خروقات للقرار حصلت» خلال الأشهر الستة الأخيرة، مشيرا إلى أنه «وسط استمرار الادعاءات حول نقل حزب الله لأسلحة (…) حصل ارتفاع ملموس في التوتر بين الأطراف». ورأى بان كي مون أن ذلك «يدفع إلى التخوف من أن أي حسابات خاطئة من أي طرف قد تقود إلى استئناف العمليات الحربية، مع ما قد يعنيه ذلك من نتائج مدمرة على لبنان والمنطقة».

وذكر التقرير بأن «اليونيفيل» تتعرض لمواجهات مباشرة مع مدنيين ثمة سبب «للشك في دوافعهم». وتطرق تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إلى الحوادث التي تعرضت لها مؤخرا القوة الدولية المؤقتة في الجنوب (اليونيفيل). وأشار إلى أن القوة الدولية تقوم بعشرة آلاف دورية شهريا، وأن «مدنيين اعترضوا في مناسبات عدة هذه الدوريات وأوقفوها». وعدد سلسلة حوادث ألقى خلالها سكان في عدد من القرى الحجارة على دوريات اليونيفيل أو قطعوا الطريق أمامها، وأخذوا منها معدات وأجهزة كومبيوتر ووثائق.

وكانت شرارة المواجهات اندلعت لدى قيام جنود الكتيبة الفرنسية بتصوير المنطقة الواقعة بين بلدتي تولين وقبريخا الجنوبيتين بواسطة هواتفهم الخاصة وكاميرات، فتدخل عدد من الشبان لمنعهم، وتطور الأمر إلى عراك بالأيدي بين الطرفين، مما دفع جنود الكتيبة الفرنسية إلى اعتقال أحد الجنوبيين من قبريخا، ولدى توجههم به إلى تولين أقدم عدد من الشبان على رشق آليات الكتيبة بالحجارة فأصيبت دبابة «بنهارد» للقوات الدولية وتحطم زجاجها، فضلا عن تحطم زجاج عدد من الآليات الأخرى، وما زاد الأمور تأزما أن الدورية الفرنسية أثناء مرورها على طريق قبريخا تولين اصطدمت بعدة سيارات مدنية على جانب الطريق.

ولما أطلق أحد عناصر الدورية النار في الهواء إرهابا، عمد عدد من الشبان تجريد عدد من عناصر الكتيبة من أسلحتهم، وتجمع هؤلاء على مدخل البلدة، حيث تعرضت أيضا قوة معززة فرنسية جاءت للمساندة، إلى الرشق بالحجارة. فيما توجهت ظهرا إلى تولين قوة معززة من الوحدة الإيطالية، قوامها 10 آليات، لكنها لم تدخل إلى البلدة.

وهدأت الأمور ميدانيا بعد وصول الجيش اللبناني الذي فرق الأهالي وأعاد لجنود الكتيبة الفرنسية وأعاد الأسلحة والهواتف الخاصة التي صوروا بها كذلك. وقد عزز الجيش من وجوده في تولين وقبريخا، فيما كان هناك لقاء في تولين بين ضباط من الكتيبة الفرنسية ومدير مخابرات الجيش في الجنوب العقيد علي شحرور ومدير مخابرات الجيش في بنت جبيل العقيد عدنان غيث وقائد قطاع بنت جبيل في الجيش العقيد صادق طليس، ومسؤول اللجنة الأمنية في حزب الله حسين عبد الله والأهالي، لإنهاء تداعيات ما حصل.

وقال عضو كتلة حزب الله النائب علي فياض إن «الأهالي والجيش والحكومة والحزب يفهمون أن دور (اليونيفيل) هو مساعدة لبنان على بسط سلطته وتعزيز وجوده ومنع الاعتداءات الإسرائيلية عليه، لذا كان على القوات الدولية ألا تقدم على خطوتها الأخيرة في الجنوب بهذا الشكل، وكان عليها أن يصحب تحركها دوريات للجيش»، معتبرا في الوقت عينه أن «ما حصل في الجنوب مبالغ فيه، وأن المسألة لها علاقة بتحرك «اليونيفيل» داخل القرى وبقواعد الاشتباك التي تفرض أن تكون (اليونيفيل) مصحوبة بتحركها مع الجيش».

وأضاف «يبدو أن هناك من يريد لـ(اليونيفيل) التحرك بمفردها، وهذا يخالف القرار 1701»، مؤكدا أن «الأهالي ليس عندهم أي موقف من (اليونيفيل)، بل هناك تعايش بينهم لكن على قاعدة الـ1701، وعلى قاعدة أن مهمة (اليونيفيل) ليست مساعدة إسرائيل بل مساعدة لبنان وحمايته». وختم فياض «لا نرى أن هناك احتمالات حرب في المدى المنظور، لكن هناك حالة توتر تشيعها إسرائيل، مما يجعل الوضع قابلا للتدهور نتيجة (البلطجة) الإسرائيلية».

واعتبر عضو الكتلة نفسها النائب وليد سكرية أن «(اليونيفيل) تصرفت في المناورة الأخيرة وكأنّها حامية لحدود إسرائيل»، معتبرا أنها «هدفت لإثارة إشكال مع الجنوبيين ليأتي تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول تطبيق القرار 1701 لمصلحة إسرائيل فيغض النظر عن خروقاتها واعتداءاتها المتكررة ويوجه الرأي العالمي باتجاه لبنان وكأنه هو غير الملتزم بتطبيق القرار 1701». ورأى سكرية أن تصرف «اليونيفيل» يدل على أنها «تعد نفسها في المواجهة المقبلة مع العدو الإسرائيلي لتكون الحامية له، مما أثار حفيظة السكان الذين دخلت قراهم من دون مؤازرة الجيش اللبناني كما ينص الـ1701».

وذهب رئيس كتلة حزب البعث النائب عاصم قانصو أبعد من ذلك، باعتباره أن وجود الجيش «يغني عن القوة الدولية»، ورأى أن «تصرفات أهالي جنوب الليطاني أتت كرد فعل على تصرفات قوات (اليونيفيل)». وقال «نحن مع انسحاب هذه القوات في حال تصرفت لصالح إسرائيل».

وفي المقابل، أكدت النائب بهية الحريري ضرورة التنسيق التام بين الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل» لحل الإشكالات الأمنية التي تحصل في الجنوب عبر التنسيق حسب القرار 1701. فيما رأى عضو كتلة المستقبل التي يرأسها رئيس الحكومة سعد الحريري النائب كاظم الخير أنه من المفروض أن يصدر الجيش بيانا، يشرح فيه العلاقة بينه وبين «اليونيفيل»، ويظهر المشكلات التي تشوب هذه العلاقة، مؤكدا على ضرورة التنسيق بينهما، لافتا إلى التزام الجانب اللبناني بقرارات الأمم المتحدة، مطالبا بتنفيذ القرار 1701 بحذافيره. وأكد على أهمية دور «اليونيفيل» في لبنان، مشيرا إلى أنه لا يجب أن تتكرر هذه الإشكالات، إذ إن تكرارها قد يؤدي إلى سحبها من الجنوب مما قد يثر المشكلات هناك.