الجيش الباكستاني يواجه صعوبات في اجتثاث طالبان من المناطق القبلية

أصبح يعتمد أكثر على القصف بطائرات «إف 16» ومروحيات «كوبرا»

جندي باكستاني يصوب بندقيته الرشاشة نحو موقوفين خلال مناورات باكستانية صينية مشتركة لمكافحة الإرهاب جرت في شمال الصين أول من أمس (أ ب)
TT

على طاولة العمليات في مركز العلاج المؤقت في هذه القاعدة العسكرية شمال وزيرستان، يرقد جندي تحت تأثير المخدر والضمادات التي وضعت له قبل ساعة في ميدان القتال لا تزال تخضب دما شاهدة على جرح قاتل.

الرصاصة التي اخترقت عنق الجندي، من أحد مقاتلي طالبان، مرت إلى جانب الشريان وبعد جراحة ثانوية أعلن أطباء الجيش أن المريض سيبوي عزيز تجاوز مرحلة الخطر.

خلال العملية العسكرية التي استمرت قرابة العامين شن الجيش الباكستاني قتالا شرسا ضد حركة طالبان في منطقة القبائل وما وراءها، مثل الولايات المتحدة على الجانب الآخر من الحدود الأفغانية، ليفاجأ بساحة تمرد أكثر قوة وأكبر تكلفة مما كان يتوقع. ففي أعقاب شهور على إعلانها النصر على الكثير من الجبهات الأمامية ومن بينها جنوب وزيرستان ووادي سوات، أجبر الجيش على إعادة شن الحملات مرة أخرى بعد عودة الميليشيات إلى المناطق التي احتلتها. لا يزال النصر أمرا صعبا على التحقق والجنود من أمثال سيبوي عزيز - سيبوي تعني جندي - يسقطون ويصابون بصورة يومية تقريبا.

غياب السلطات المدنية الباكستانية يشبه إلى حد بعيد التحدي الذي يواجه القوات الأميركية وقوات «الناتو» في أفغانستان، الذي جعل من المستحيل تقريبا تعزيز المكاسب العسكرية. فعلى الرغم من القضاء على متمردي طالبان الباكستانية فإن الحملة شتت الكثير من المقاتلين الآخرين وأجبرت الجيش الباكستاني على مطاردتهم من منطقة قبلية إلى أخرى.

ومع استمرار الحملة، يعتمد الجيش الباكستاني بصورة أكبر على مقاتلات «إف 16» الأميركية ومروحيات «كوبرا» لقصف المقاتلين في المناطق المتمردة، مما يزيد من عدد الضحايا المدنيين، بحسب صحافيين ومسؤولين باكستانيين في المناطق القبلية.

ينتظم الكثير من مقاتلي طالبان الباكستانية والباقي هنا في وزيرستان تحت حماية سراج الدين حقاني، قائد طالبان الأفغانية الذي يدير شبكة تضم عدة آلاف من المقاتلين التابعين له. وتشكل مجموعة حقاني الموالية لطالبان والمدعومة من «القاعدة» جانبا كبيرا من التمرد في أفغانستان أيضا، وقد مارست الولايات المتحدة ضغوطا على الحكومة الباكستانية لشن غارة عملية عسكرية ضدها، ولكن حتى الآن فإن غالبية الجهود ضد «القاعدة» ومقاتلي حقاني تقوم بها الطائرات الأميركية من دون طيار التي تشن بموافقة الحكومة الباكستانية.

ويقول المسؤولون الأميركيون إن الجيش الباكستاني لم يتمكن بشكل كامل من القضاء على طالبان على الجبهات الأخرى في المناطق القبلية حتى يتفرغ للقيام بحملة شاملة على شمال وزيرستان، وما يثير قلق الباكستانيين هو الانتشار الكبير لقواتهم على عدد من الجبهات.

لكن هناك شكوكا أخرى حول استخدام الاستخبارات الباكستانية لشبكة حقاني لممارسة نفوذ في أفغانستان والحيلولة دون الوجود الهندي في أفغانستان.

وقال مسؤولون أميركيون وباكستانيون إن الجنرال أشفاق برويز كياني، قائد الجيش الباكستاني عرض الوساطة في اتفاق بين مجموعة حقاني والحكومة الأفغانية كجزء من تسوية سلمية في أفغانستان.

في الوقت ذاته، قتل أكثر من 2,000 جندي خلال العامين الأخيرين في المعارك ضد طالبان الباكستانية. وفي جنوب وزيرستان حيث تستخدم طالبان مجموعات ما بين 4 إلى 15 مقاتلا تستهدف الجنود الباكستانيين، مستخدمة أسلوب حرب العصابات - من القناصة والقنابل المزروعة على جانبي الطريق والكمائن - إلى جانب معرفتهم بالطرق الجبلية التي تمنحهم ميزة كبيرة.

وقال الميجور شاه زاد سليم: «نشأ الإرهابيون هنا، ويعرفون دروب المنطقة على نحو جيد».

في بداية العمليات العسكرية أمر أكثر من 120,000 مزارع وصاحب متجر وامرأة بمغادرة جنوب وزيرستان في بداية العملية العسكرية ويتوقع أن يعودوا إلى مناطقهم في الوقت الراهن. لكن الأراضي هنا لا تزال خالية من السكان وأشجار الفاكهة المحملة بالمشمش لم تمسسها يد حتى الآن.

وأوضح الجنرال آصف ياسين مالك، قائد الفرقة الـ11 في الجيش الباكستاني أنه سيسمح للمواطنين الباكستانيين بالعودة إلى المناطق القبلية في غضون أسبوعين وسيتولى الجيش هذه العملية.

لا يزال الجيش الباكستاني يواجه مشكلات مماثلة في المناطق الأخرى من المناطق القبلية إلى الشمال وبالقرب من وادي سوات التي طردت القوات الحكومية مقاتلي طالبان منها الصيف الماضي. فقد تجددت هجمات المقاتلين خلال الشهر الماضي في منطقتين من المناطق القبلية التي قال القادة الباكستانيون إنها آمنة، هما باجور ومهمند. حيث عاد مقاتلو طالبان إلى الظهور في باجور محذرين السكان القليلين الذين عادوا بعدم تحديهم. وفي مهمند المنطقة الحدودية التي استولت عليها طالبان بعد قتل 60 جنديا باكستانيا من قوات حرس الحدود الذين نفذت منهم الذخيرة عندما هاجمهم مئات من المقاتلين.

حقق الجيش الباكستاني غالبية مكاسبه في سوات، حيث عادت الأسواق إلى الرواج وأعادت بعض الفنادق السياحية فتح أبوابها. لكن عددا قليلا من المدارس أعيد بناؤه وشكا السكان المحليون من تأخر الحصول على تعويضات إعادة البناء لإصلاح ما دمره القصف. وعمد مقاتلو طالبان إلى اغتيال القادة القبليين البارزين الذين شاركوا في مفاوضات في سوات من أجل تسوية سياسية دائمة.

ارتفعت محصلة الضحايا من المدنيين بصورة يصعب تجاهلها. ففي أبريل (نيسان) أصدر الجنرال كياني بيانا اعتذر فيه، اعترف فيه بأن أكثر من 70 فردا من القبائل قتلوا في أعقاب ما سماه غارات جوية غير متعمدة ضد منزل في خيبر يخص زعيما قبليا مواليا للحكومة. لكن مسؤولا بارزا في الجيش الباكستاني قال «لم تعد ترد تقارير بوقوع خسائر بشرية كبيرة».

وقد فتح الجيش الباكستاني ما اعتقد أنه آخر جبهاته ضد طالبان في مارس (آذار) عندما نشر 5 كتائب مدعومة بمقاتلات «إف 16» في منطقة أوركزاي في وزيرستان، لسد الطريق أمام طالبان والمجموعات الأخرى كي لا تتسلل إلى إقليم البنجاب المتاخم.

وفي يونيو (حزيران) قام كياني بزيارة أوركزاي وهنأ القوات على ما سماه «احتفال النصر»، لكن الطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية والمدفعية لم تتوقف عن قصف أوركزاي، مما نتج عنه خسائر كبيرة في الأرواح في المدنيين القاطنين في القرى القريبة من إقليم خيبر باختونخوا، الذي كان يسمى من قبل إقليم الحدود الشمالية الغربية.

ويقول أحد السكان المحليين في هانغو الذي رفض عدم ذكر اسمه خشية التعرض للتنكيل به على يد الجيش: «يمكنك سماع دوي القصف صباح مساء من منازلنا». وأضاف أن 7 من النساء والأطفال قتلوا في شهر مايو (أيار) خلال الهجوم الجوي في قرية شاهو خيل.

وقال الرجل: «دار قتال بين الميليشيات والجيش خلال الليل وفي صباح اليوم التالي قصفت المروحيات القرية، حيث انتشلنا الجثث الـ7 من تحت الأنقاض وحملناهم إلى المستشفى القريبة».

وتشير التقارير الواردة في صحيفة «ذا دون» الصادرة باللغة الإنجليزية التي تحظى بانتشار واسع إلى أن 226 مدنيا سقطوا نتيجة القتال والقصف الجوي في أوركزاي منذ بداية العملية العسكرية في أوركزاي في مارس الماضي.

وقد أبدت الولايات المتحدة قناعتها باستخدام باكستان الطائرات الحربية الأميركية والمروحيات بصورة ملائمة، كما أبدت الولايات المتحدة سرورها من اعتذار الجنرال كياني على الوفيات في خيبر.

وقال المتحدث باسم الجيش الأميركي: «نعتقد أن القوات الجوية الباكستانية ستواصل تركيز جهودها لتقليل الخسائر الجانبية وتتفهم بشكل كامل التأثير الذي يمكن أن تحدثه مثل هذه الحوادث على جهود مكافحة التمرد».

* خدمة «نيويورك تايمز»