ساركوزي يقيل وزيرين من الصف الثاني بسبب فضائح فساد وتبذير الأموال العامة

ثلثا الفرنسيين يعتبرون الطبقة السياسية فاسدة

TT

تفاعلت الأزمة السياسية الفرنسية على خلفية مسلسل فضائح مالية وفساد وأدت إلى دفع وزيرين من الصف الثاني سرت بشأنهما شائعات تبذير وتبديد الأموال العامة إلى الاستقالة من منصبيهما، بينما ينصبّ اهتمام الطبقة السياسية على مصير وزير العمل الحالي والمالية السابق أريك وورث، محور فضيحة سياسية مالية من مستوى أكبر.

وقال وزير التربية والناطق اسم الحكومة لوك شاتيل إن الرئيس ساركوزي ورئيس الحكومة فرنسوا فيون «طلبا» من وزير الدولة لشؤون التعاون الدولي، الآن جويانديه، ووزير الدولة لشؤون منطقة باريس الكبرى، تقديم استقالتهما التي أعلنت مساء الأحد. ويؤخذ على الأول أنه كلف خزينة الدولة 116 ألف يورو لاستجار طائرة خاصة نقلته إلى جزر المارتينيك، وأنه وسع مسكنه الريفي جنوب فرنسا بشكل غير قانوني ويخالف أصول البناء. أما الثاني فقد صرف من المال العام 12 ألف يورو ثمنا لعلب من السيجار الكوبي الفاخر لاستعماله الخاص.

غير أن المعارضة اليسارية وغالبية المعلقين الصحافيين يرون في الاستقالة «إقالة»، هدفها «صرف الأنظار» عن الوزير الرئيسي أريك وورث الضالع في فضيحة أكبر، والتعمية على «التآكل» الذي يصيب طاقم الحكومة، وفق تعبير النائب الاشتراكي بيار موسكوفيسي. و«مشكلة» الوزير وورث تعود إلى الفترة التي كان يشغل فيها منصب وزير المالية، أي المشرف المباشر على تحصيل الضرائب المستحقة للدولة (2007 - 2010) ومحاربة تهريب الأموال إلى الفراديس المالية في سويسرا وليشنشتاين والجزر البعيدة.

وفي الأيام الأخيرة تزايدت التفاصيل عن التضارب في المصالح بين مهمة الوزير الرسمية وما كانت تقوم به زوجته فلورانس في إدارة جانب من ثروة ليليان بتنكور، 85 عاما، أغنى امرأة في فرنسا، التي تبين أنها تملك حسابات سرية في جنيف (نحو 80 مليون يورو) وجزيرة من جزر السيشيل لم تعلن عنها لمصلحة الضرائب التي أعادت إليها عام 2008 ما قيمته 30 مليون يورو من الضرائب. وبالطبع نفى وورث أن يكون على علم بالحسابات السرية أو أن يكون لزوجته أي دور في ذلك. لكن الصحافة كشفت أنه تعشى مع بتنكور على انفراد وأنه منح وسام جوقة الشرف لمدير أعمال بتنكور الذي هو الرئيس الإداري لزوجته. وزعم وورث أنه لم يوقع أمرا بإرسال شيك الـ30 مليونا إلى بتنكور، كما نفى أن يكون قد اطلع على مذكرة من النيابة العامة تحذر فيها من تهريب قسم من ثروة بتنكور، وريثة شركة «لوريال» للمصنوعات التجميلية المقدرة بـ16 مليار يورو إلى الخارج.

أما المأخذ الآخر على الوزير وورث أنه يشغل وظيفيتين متناقضتين، إذ إنه إلى جانب منصب الوزير يشغل منصب أمين مالية حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليمين «الحاكم». ولذا يظن أن هناك تناقضا بين دوره يوم كان وزير مالية يتعين عليه محاسبة الأغنياء وملاحقتهم، وبين دوره كأمين صندوق يسعى لحفزهم على التبرع لحزب الرئيس ساركوزي.

وترى الصحافة أن ساركوزي غير القادر على التخلي عن وورث بسبب دوره المركزي في مشروع إصلاح نظام التقاعد، سعى إلى «إلهاء» الرأي العام باستقالة وزيري الصف الثاني، آملا أن يكسب بعض الوقت، إذ سبق أن أعلن أنه سيعمد إلى إحداث تعديل حكومي واسع في الخريف القادم.

وتأتي هذه التطورات على خلفية تراجع شعبية الرئيس والحكومة بعد تكاثر أخبار الفضائح واستمرار تواتر الأنباء الاقتصادية السيئة والبدء بتطبيق سياسة تقشف صارمة تفرض على المواطنين تضحيات إضافية.

وبيّن استطلاع للرأي نشرت نتيجته أمس أن ثلثي الفرنسيين يعتبرون أن الطبقة السياسية «فاسدة»، بينما شعبية ساركوزي لا تتجاوز الـ26 في المائة من الآراء الإيجابية.

ولا يبدو أن الموضوع سيتوقف عند هذا الحد ولا أن العطلة الصيفية ستعطي الرئاسة فرصة لتنفس الصعداء. والسؤال المطروح اليوم هو: هل سيضحي ساركوزي بالوزير وورث لقلب صفحة الفضائح أم أنه يتهيب الإقدام على خطوة كهذه لأنها ستعني خضوعه لضغط الرأي العام واليسار على السواء؟