علاقة متوترة بين أردوغان وكتاب الرأي وملاك المؤسسات الإعلامية

ترقب حكم قانوني حاسم حول قانونية غرامة الـ4 مليارات دولار على مؤسسة مالكة لصحف وشبكات تلفزيونية

TT

على الرغم من مساعيها لإثبات جدارتها كشريك لدى الغرب، تواجه تركيا لحظة حاسمة الأسبوع المقبل، حيث يتوقع أن تصدر إحدى محاكم إسطنبول حكمها بشأن قانونية الغرامات الهائلة التي فرضت على مؤسسة إعلامية تعرضت الحكومة لانتقادات حادة على صفحاتها.

القضية التي وضعت رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في مواجهة أثرياء تركيا، كشفت عما وصفه البعض بالميول الاستبدادية لرئيس الوزراء. ودلل بعض المنتقدين على ذلك بحملة الاعتقالات التي طالت عددا من الصحافيين في الآونة الأخيرة، ومزاعم أردوغان بعمالة بعض كتاب الرأي الأتراك لإسرائيل.

ستجري متابعة الحكم عن كثب واعتباره دليلا على توجه تركيا، الدولة الفتية التي لا تزال تحاول إرساء مبادئ الحكم الديمقراطي في أعقاب قرون من الحكم العثماني في الوقت الذي تواصل فيه سعيها الحثيث لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي.

كانت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي قد عبرت في سبتمبر (أيلول) الماضي عن رفضها فرض سلطات الضرائب التركية غرامة مالية على مجموعة «آيدين دوغان» الإعلامية بلغت 4 مليارات دولار، فيما يتعلق ببيع أسهم عام 2006 لشركة ألمانية، وهو ما يتجاوز القيمة السوقية لشركة «دوغان» القابضة بأكملها.

ويرى داعمو دوغان القضية - قضية معقدة تختص بالنزاعات حول التزامات الضريبة على القيمة المضافة والطريقة التي يتم من خلالها تحويل الأسهم - محاولة من قبل أردوغان لإسكات صوت المعارضة القوي. فيما يرى آخرون أن الغرامة غير معقولة إلى حد بعيد وعبروا عن استيائهم من تصوير دوغان على أنه عميد الصحافة الحرة.

ويرى عدد من المراقبين أن دوغان، الملياردير التركي الذي تضم مجموعته عددا من الصحف الرئيسية الكبرى والمحطات التلفزيونية وشركة توزيع وقود، تربح على مدى سنوات من علاقاته الحميمة بالحكومات السابقة بصورة أعاقت قيام صحافة تركية محايدة. وينفي أردوغان وجود دوافع سياسية خلف قضية الضرائب، لكن مجموعة دوغان تقول إنها التزمت بالقانون التركي في تعاملها في هذه الصفقة، وتقول هانزادي (38 عاما) ابنة دوغان: «لا ترتكز القضية على أي مخالفات، ونحن واثقون من أن المحكمة ستحكم لصالحنا».

ويرى أحد كتاب الرأي في واحدة من صحف دوغان، الذي طلب عدم ذكر اسمه: «كان لفرض الضريبة أثر مروع، إنني أحاول الكتابة بصورة لا تشكل إساءة». وقد قام دوغان مؤخرا باستبدال رئيس تحرير صحيفة «حريات» في خطوة رأى فيها بعض المراقبين محاولة لاسترضاء أردوغان.

غير أنه في دولة يمنع فيها الـ«يوتيوب» وتغلق فيها آلاف المواقع ويسجن فيها الصحافيون لإهانة القومية التركية، تبدو الحيرة على وجوه الصحافيين بشأن المواضيع التي يمكن الكتابة بشأنها دون التعرض للعقاب، فهناك أكثر من 700 قضية تتعلق بصحافيين مؤجلة في المحاكم، بحسب سيبيل جونيس، الأمين العام لاتحاد الصحافيين الأتراك، وهناك ما يقرب من 60 صحافيا في السجن.

محاولات الترهيب التي يتعرض لها الصحافيون في تركيا ليست غريبة على المجتمع التركي، خصوصا فيما يتعلق بحزب العمال التركي، حيث أدين الكثير من الصحافيين الذين نقلوا عن أعضاء في الحزب الانفصالي، بنشر دعاية لمنظمة إرهابية.

الجديد هنا هو تحدي أردوغان لنخب الإعلام العلماني للتوقف عن الانتقادات الشخصية له، وقد حث دوغان علنا على إقالة كتاب رأي ورفع دعاوى قضائية ضد 5 من رسامي الكاريكاتور بزعم التشهير وجرائم أخرى. وفي كل خطبه التي ألقاها مؤخرا، وصف دور الإعلام بمصطلحات قومية.

ويقول إيرول أونديروغلو، الذي يتابع انتهاكات حرية التعبير في وسائل الإعلام التركية لصالح مؤسسة بيانت: «قيم أردوغان المحافظة تجعله غير قادر على فهم الإعلام كعامل يغذي النقاش العام وأحيانا الهجوم على شخصيات سياسية».

وفي خطاب له في فبراير (شباط) أمام مناصريه السياسيين، اتهم أردوغان كتاب الرأي بمحاولة إثارة التوتر، وقال: «يجب أن يعلم الجميع حدود النقد».

وفي أعقاب هجوم قوات الكوماندوز الإسرائيلية على سفن أسطول الحرية المتجهة إلى غزة ومقتل 8 أتراك وأميركي من أصل تركي في يونيو، انتقد أردوغان وسائل الإعلام التركية التي تنقل عن الصحف الأجنبية متهما إياها بأنها جزء من حملة الدعاية الإسرائيلية السوداء، وتساءل «أي دولة تخدمون؟».

وقال دبلوماسي غربي في تركيا، طلب عدم ذكر اسمه: «ممارسة الإعلام دورا رقابيا على السلطة، كما هو الحال في المفهوم الغربي ليست أمرا نشطا هنا».

ويقول المراقبون إن لدى أردوغان بعض الدوافع للإحباط، منها أن معايير التحرير رخوة في تركيا، إذ تحتل المرتبة 122 من بين 175 دولة في مؤشر حرية الصحافة الذي ينشره تقرير «مراسلون بلا حدود». وبها 35 صحيفة مسجلة تدور بينها منافسة شرسة وتغطياتها دائما ما تمس مواضيع شائكة.

لكن الحفاظ على استقلالية الصوت صعب في دولة تحاول فيها الصحف إما التزام الخط الديني أو العلماني. ويقول أونديروغلو: «كل الصحف التركية لديها صلات بحزب أو أجندة سياسية أو مؤسسات مالية». ويقول يافوز بيدار، الصحافي بصحيفة «صباح» الداعمة لحزب العدالة والتنمية والمعروفة بتوجهاتها الإسلامية: «هناك الكثير من المشكلات في تركيا التي تؤدي إلى قيود على حرية الصحافة. لكن العامل الأهم هو العلاقات المتوترة بين مالكي المؤسسات الإعلامية والحكومة التركية التي تجعل من استقلالية الصحف أمرا مستحيلا».

ويقول هنري باركي المتخصص في الشؤون التركية في معهد كارنيغي للسلام الدولي «سواء أكان الأمر عائدا لفساد بارونات الصحافة أو لنوايا الحكومة في تشكيل صحافة مؤيدة لها، فإن غياب الإعلام المسؤول واحد من أهم المعوقات أمام تطوير علاقة ناضجة الولايات المتحدة وتركيا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»