المتعهدون العمود الفقري لمؤسسة الأمن القومي الأميركي

يتجسسون على الحكومات الأجنبية ويتنصتون على الشبكات الإرهابية ويساعدون في وضع خطط الحرب

وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أعرب عن أمله في خفض عدد المتعهدين بوكالات الأمن («واشنطن بوست»)
TT

في شهر يونيو (حزيران) الماضي، قام نحات من ماناساس بنحت نجم مثالي آخر لكي يصبح جدارا رخاميا في مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وهو واحد من 22 عاملا لدى الوكالة قُتلوا في الحرب العالمية التي بدأت بعد الهجمات الإرهابية عام 2001. وكان القصد من هذا النصب التذكاري، تكريم بسالة الأفراد الذين لقوا حتفهم أثناء تأدية الواجب، لكنه أيضا يخفي قصة أكثر عمقا متعلقة بالحكومة في الفترة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول): 8 من 22 لم يكونوا ضباطا في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على الإطلاق. لقد كانوا متعهدين من القطاع الخاص.

ولضمان أن الواجبات الأكثر حساسية في البلاد ينفذها فقط أناس مخلصون قبل كل شيء لصالح البلاد، تقول القواعد الفيدرالية إن المتعهدين قد لا ينفذون ما يسمى «وظائف حكومية بطبيعتها». لكنهم يقومون بذلك، بصورة مستمرة وفي جميع الوكالات الاستخباراتية ووكالات مكافحة الإرهاب، وفقا لتحقيق استغرق عامين أجرته صحيفة «واشنطن بوست».

وما بدا على أنه حل مؤقت ردا على الهجمات الإرهابية تحول إلى صورة من صور الاعتماد تثير الأسئلة حول ما إذا كانت القوة العاملة الفيدرالية تشمل عددا كبيرا للغاية من الأفراد الضروريين لأصحاب المصالح بدلا من المصلحة العامة، وما إذا كانت الحكومة لا تزال تسيطر على الأنشطة الأكثر حساسية لديها. وفي مقابلات الأسبوع الماضي، قال وزير الدفاع روبرت غيتس ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ليون بانيتا إنهما يتفقان مع هذه المخاوف.

وكشف تحقيق «واشنطن بوست» على مدى عامين عما يرقى إلى كونه جغرافيا بديلا للولايات المتحدة، وهو «أميركا بالغة السرية» التي تم إنشاؤها منذ الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وتعد خفية عن أنظار الرأي العام، وتفتقر إلى الرقابة الشاملة وصعبة المراس لدرجة أنه من المستحيل تحديد فاعليتها.

إنها أيضا نظام يلعب فيه المتعهدون دورا أكثر أهمية من أي وقت مضى. وحسب تقديرات «واشنطن بوست»، يبلغ عدد المتعهدين نحو 265 ألفا من بين 854 ألف فرد يحملون تصاريح بالغة السرية. ولا يوجد مثال لاعتماد الحكومة على هؤلاء المتعهدين أفضل من مثال وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وهي الوكالة الوحيدة في الحكومة التي تنفذ أمورا في الخارج ليس مسموحا لأي وكالة أميركية أخرى القيام بها.

وقام هؤلاء المتعهدون الذين يعملون لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بتجنيد جواسيس في العراق، وقدموا رشى من أجل الحصول على معلومات في أفغانستان ووفروا الحماية لمديري الوكالة المركزية أثناء زياراتهم للكثير من دول العالم.

ساعد المتعهدون على خطف متطرف مشتبه فيه من شوارع إيطاليا، وقاموا باستجواب معتقلين كانوا محتجزين في الماضي في سجون سرية في الخارج، ووفروا الحماية لمنشقين كانوا مختبئين في ضواحي واشنطن. وفي مقر لانغلي، يقومون بتحليل الشبكات الإرهابية. وفي منشأة التدريب التابعة للوكالة في ولاية فيرجينيا، يقومون بالمساعدة على تشكيل جيل جديد من الجواسيس الأميركيين.

ومن خلال عملية الموازنة الفيدرالية، جعلت إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش والكونغرس الأمر أكثر سهولة بالنسبة إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وغيرها من الوكالات المشتركة في مكافحة الإرهاب للاستعانة بعدد من المتعهدين أكبر من الموظفين المدنيين. وكانت هذه الخطوة تهدف إلى تحديد حجم القوة العاملة الدائمة، والاستعانة بموظفين بسرعة أكبر من السرعة التي تتيحها العملية الفيدرالية، ولأنهم كانوا يعتقدون أن المتعهدين سيكونون أقل تكلفة، لكن تبين خلاف ذلك.

وبعد ذلك بـ9 أعوام، في إدارة أوباما، تم إلغاء فكرة أن المتعهدين أقل تكلفة، وأحرزت الإدارة بعض التقدم صوب هدفها المتمثل في خفض عدد المتعهدين بنسبة 7 في المائة على مدار عامين. ومع ذلك، يمثل المتعهدون ما يقرب من 30 في المائة من القوة العاملة في وكالات الاستخبارات.

وقال بانيتا: «الفترة طويلة للغاية، اعتمدنا على المتعهدين للقيام بالعمل الميداني الذي كان ينبغي أن يقوم به» الموظفون في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. لكن عملية استبدالهم «لا تحدث بين عشية وضحاها. فعندما تكون معتمدا على المتعهدين لفترة طويلة، يتعين عليك بناء هذه الخبرة بمرور الوقت».

ويتمثل الشاغل الثاني لدى بانيتا في التعاقد مع مؤسسات تكون مسؤولة «أمام أصحاب المصالح، ولا يمثل ذلك صراعا متأصلا».

أو كما قال غيتس، الذي قضى طيلة حياته داخل الحكومة وخارجها، «تريد شخصا ما يكون في الحقيقة بداخلها من أجل العمل لأنهم متحمسون بشأنها ولأنهم يهتمون بالبلاد، وليس فقط بسبب المال».

ويستطيع المتعهدون تقديم أموال للموظفين الفيدراليين ذوي الخبرة أكثر من الأموال المسموح للحكومة تقديمها لهم. ولأن المنافسة بين الشركات حول الأفراد الذين يحملون تصاريح أمنية شرسة للغاية، فإن الشركات تقدم مزايا مثل سيارات «بي إم دبليو» وعلاوات توقيع تصل إلى 15 ألف دولار، كما فعلت شركة «رايثيون» في شهر يونيو الماضي مع مطوري البرمجيات لديها الذين يحملون تصاريح رفيعة المستوى.

وقال مارك لونثال، المسؤول البارز السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويشغل الآن منصب رئيس أكاديمية التدريب الاستخباراتي الخاصة به، إن الفكرة التي تقول بأن الحكومة ستوفر الأموال في القوة العاملة من المتعهدين «وسيلة توفير زائفة».

وفي الوقت الذي تجرد فيه الشركات الوكالات الفيدرالية من الكفاءات، تجد أن الحكومة لا يكون أمامها سوى أطقم شبابية من العاملين في الاستخبارات في حين أن الموظفين ذوي الكفاءة ينتقلون إلى القطاع الخاص. ويتضح ذلك في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، حيث يمثل الموظفون من 114 شركة نحو ثلث القوة العاملة، أو نحو 10 آلاف وظيفة. والكثير منهم عمالة مؤقتة، حتى الموظفون السابقون في الجيش أو الاستخبارات الذين تركوا الخدمة في الحكومة للعمل عدد ساعات أقل واكتساب أمول أكثر في حين يحصلون على المعاش الفيدرالي.

وفي جميع الإدارات الحكومية، يتم استخدام مثل هؤلاء العمال بكل طريقة يمكن تصورها.

يقوم المتعهدون بقتل المقاتلين لدى العدو. ويتجسسون على الحكومات الأجنبية، ويتنصتون على الشبكات الإرهابية. كما يساعدون في وضع خطط الحرب. ويجمعون المعلومات بشأن الفصائل المحلية في مناطق الحرب. وهم المؤرخون والمعماريون ووكالات التوظيف في أكثر الوكالات سرية في البلاد. كما يقومون بتوفير الموظفين لمراكز المراقبة في جميع أنحاء منطقة واشنطن. ويعد هؤلاء المتعهدون من بين المستشارين الأكثر ثقة بالنسبة إلى الجنرالات البارزين الذين يقودون الحروب التي تخوضها البلاد.

دور المتعهدين من القطاع الخاص:

وفي الوقت الذي نمت فيه «أميركا بالغة السرية»، أصبحت الحكومة أكثر اعتمادا على المتعهدين الذين لديهم تصاريح أمنية.

وتعد شهية الحكومة كبيرة للمتعهدين من القطاع الخاص الذين يحملون تصاريح أمنية بالغة السرية لدرجة أن هناك الآن أكثر من 300 شركة متخصصة في العثور على مرشحين، في الغالب مقابل رسوم تقترب من 50 ألف دولار لكل فرد، وفقا للمطلعين على هذا النشاط.

وما يجعل استبدال المتعهدين بموظفين فيدراليين أكثر صعوبة هو أن الحكومة لا تعرف العدد الموجود على جداول الرواتب الفيدرالية. وقال غيتس إنه يريد خفض عدد المتعهدين في وزارة الدفاع بنحو 13 في المائة، ليصل العدد إلى مستويات ما قبل 11 سبتمبر، لكنه وجد أنه من الصعوبة معرفة العدد الأساسي.

وقال: «إن ذلك اعتراف خطير. لا أستطيع الحصول على عدد المتعهدين الذين يعملون لصالح مكتب وزير الدفاع»، في إشارة إلى القيادة المدنية في الوزارة.

وتم تدقيق تقديرات «واشنطن بوست» حول عدد المتعهدين عند 265 ألف متعهد يقومون بأعمال سرية للغاية من جانب الكثير من المسؤولين البارزين في الاستخبارات الذين وافقوا على منهجية «واشنطن بوست». وتشمل قاعدة البيانات (أميركا بالغة السرية) لدى الصحيفة 1931 شركة تنفذ أعمالا على مستوى بالغ السرية. وظهر أكثر من ربع هذه الشركات، 533 شركة، بعد عام 2001، أما الشركات الأخرى التي كانت موجودة بالفعل فتوسعت بصورة كبيرة. وتنمو معظم هذه الشركات بقوة في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة صعوبات في التعامل مع الإفلاس والبطالة وحبس الرهون.

وما جعل خصخصة عمل الأمن القومي ممكنا كان 9 سنوات من «تدفق» الأموال، كما وصف غيتس الإنفاق على الأمن القومي منذ هجمات 11 سبتمبر.

وفي ظل وجود مقدار كبير للغاية من الأموال لإنفاقها، لا يشعر المديرون دوما بالقلق بشأن ما إذا كانوا ينفقون بصورة فعالة أم لا.

وقالت إلينا ماستورز، التي رأست فريقا لدراسة قيادة تنظيم القاعدة لصالح وزارة الدفاع، «يقول البعض: دعنا نجري دراسة أخرى، ونظرا لأنه لا يوجد أحد يتبادل المعلومات، فإن الجميع يجرون الدراسات الخاصة بهم. إن الأمر متعلق بعدد الدراسات التي تستطيع إجراءها، وعدد الأفراد الذين تستطيع إرسالهم إلى جميع أنحاء المكان. الجميع منهمك في الإنفاق. إننا لا نحتاج إلى جميع هؤلاء الأفراد للقيام بجميع هذه الأعمال».

ويقوم معظم هؤلاء المتعهدين بعمل يعد جوهريا بالنسبة إلى المهمة الرئيسية للوكالة. ونتيجة لذلك، أصبحت الحكومة معتمدة عليهم بصورة لم تكن متوقعة بالنسبة للكثيرين، إنهم العمال المؤقتون في أوقات الحروب الذين أصبحوا من الكوادر الدائمة.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أظهر كتابة كلمة «سري للغاية» في محرك البحث لأحد مواقع التوظيف الرئيسية 1951 وظيفة خالية في منطقة واشنطن، و19759 وظيفة في جميع أنحاء البلاد.

وقال رونالد ساندرز، الذي كان رئيسا لقسم الموارد البشرية في مكتب مدير الاستخبارات الوطنية قبل التقاعد عن العمل في شهر فبراير (شباط) الماضي، «لا يمكننا أداء مهمتنا من دونهم. إنهم يعملون كقوات احتياط، يقدمون المرونة والخبرة التي لا نستطيع الحصول عليها. وبمجرد سفرهم إلى الخارج، فإننا نعاملهم وكأنهم جزء من القوة الإجمالية».

ويستند التحقيق الذي أجرته «واشنطن بوست» إلى وثائق وعقود حكومية، وإلى توصيف الوظائف، وسجلات الملكية ومواقع لشركات وشبكات اجتماعية وسجلات إضافية ومئات المقابلات مع مسؤولين استخباراتيين وعسكريين ومسؤولين سابقين. ومعظم هؤلاء المسؤولين طلبوا عدم ذكر أسمائهم لأنهم ممنوعون من التحدث بصورة علنية أو لأنهم، حسبما ذكروا، يخشون الثأر في العمل بسبب وصف مخاوفهم.

وركز التحقيق على الأعمال بالغة السرية لأن المقدار المصنف على المستوى السري كبير للغاية لذا لا يمكن تعقبه بصورة دقيقة. وتم بناء قاعدة بيانات قابلة للبحث للمنظمات الحكومية والشركات الخاصة بصورة كاملة على سجلات عامة.

وتتجاوز مبيعات قطاع الأمن القومي إلى الهيئات الاستخباراتية والعسكرية مجرد الطائرات والسفن والدبابات، حيث يوفر هذا القطاع أفرادا مميزين يتبعون المتعهدين. ويقوم هؤلاء بتوفير نصائح وتقارير وممارسة العمل في كل مكان، ومن بين هذه الأماكن غرفة محصنة أسفل البنتاغون على بعد 25 قدما حيث يمكن أن نجدهم هناك إلى جوار عسكريين يرتدون ملابس عسكرية ويراقبون الأزمات المحتملة بمختلف أنحاء العالم.

وفي وقت متأخر من الليل، وبينما كانت الردهات الواسعة في البنتاغون شاغرة تقريبا، كان المركز الوطني للقيادة العسكرية يشهد نشاطا كبيرا. وتتوافر إمكانية الوصول على الفور إلى موقع قوات أميركية في أي مكان في العالم وإلى صور عبر الأقمار الصناعية وغرفة العمليات بالبيت الأبيض.

ويهدف ذلك كله إلى المساعدة على الإجابة على أي سؤال ربما يكون لدى رئيس هيئة الأركان المشتركة. وكي يكون مستعدا على مدار اليوم، وفي كل يوم، يحتاج ذلك إلى 5 ضباط برتبة بريجيدير جنرال وطاقم من ضباط برتبة كولونيل وصف ضباط بارزين - ورجل يرتدي شارة متعهد قرنفلية اللون وقميصا أرجوانيا ورابطة عنق.

اللقب الوظيفي الذي يحمله إريك سار هو «مهندس المعرفة». وداخل أحد أكثر الأماكن حساسية في أميركا، يُعد سار الشخص الوحيد داخل الغرفة الذي يعرف كيف يمكن إحضار بيانات من مكان بعيد سريعا. وقد جاء سار و4 زملاء في فريقه من شركة خاصة (إس آر إيه إنترناشيونال)، ويقومون بتعليم هؤلاء الضباط البارزين كيف يفكرون من خلال تطبيقات ويب 2.0. ويحاول الضباط أن ينحوا جانبا ثقافة تحكمها العادات والتصرف بصورة مختلفة، رقميا.

ويعني ذلك في بعض الأحيان طلب المساعدة داخل غرفة محادثة على شبكة الإنترنت أو تبادل الأفكار على صفحات إنترنت مشتركة خارج شبكات الكومبيوتر العسكرية.

ومنذ الحادي عشر من سبتمبر، قدم متعهدون مساهمات استثنائية غيرت من مجرى التاريخ وأضفت ضبابية على الفارق بين تصرفات الضباط الذي أدلوا بالقسم والموظفين الذين لا يوجد معهم سوى شارة أمنية ومسدس.

وقد أثرت تصرفات خاطئة قام بها متعهدون داخل العراق وأفغانستان على مصداقية الولايات المتحدة داخل هاتين الدولتين وفي منطقة الشرق الأوسط.

وأدت معاملة السجناء بصورة سيئة داخل سجن أبو غريب، وجزء منها كان على يد متعهدين، إلى إثارة دعوة إلى الانتقام من الولايات المتحدة لا تزال مستمرة حتى الآن. وزاد حراس أمنيون يعملون لصالح «بلاك ووتر» من هذا الوضع السيئ، وأصبحوا رمزا لفساد أميركا في الأرض.

وقال أليسون ستانغر، أستاذ السياسة الدولية والاقتصاد في كلية ميدلبيري ومؤلف كتاب «أمة واحدة يلزمها تعاقد»، أمام اللجنة المستقلة المختصة بتعاقدات فترة الحرب خلال جلسة استماع في يونيو، إن المتعهدين في مناطق الحرب، ولا سيما من يمكنهم استخدام السلاح يخلطون بين «الاستخدام المشروع وغير المشروع للقوة، وهو ما يريده أعداؤنا».

وربما تحدث سلوكيات خاطئة أيضا. وعلى سبيل المثال، دفع متعهد دفاع كان يُطلق عليه من قبل «إم زد إم» رشى من أجل عقود لوكالة الاستخبارات المركزية، وقد أدى ذلك إلى سجن رادني كونينغام، عضو الكونغرس من كاليفورنيا في لجنة الاستخبارات. وقد جرى تصوير حراس يتبعون شركة «أرمور غروب نورث أميركا» الأمنية الخاصة داخل أفغانستان وهم يرتكبون أشياء مخلة.

ولكن، ساعد المتعهدون على تحسين الطريقة التي يقاتل بها الجيش. وخلال الأشهر الأكثر دموية في العراق، اخترع مؤسس «بريكو تكنولوجيز»، وهو ضابط سابق في الجيش يُدعى غاي فيليبيلي ويعمل مع وكالة الأمن القومي، تقنية جعلت من السهل العثور على صناع القنابل التي توضع على جانبي الطريق وساعدت على الحد من عدد الإصابات التي تقع بسبب قنابل ارتجالية، حسب ما أفاد به مسؤولون من وكالة الأمن القومي.

وقد أنتج متعهدون برامج عمل ومعدات لحرب جوية تدار من خلال طائرات من دون طيار أدت إلى مقتل العدد الأكبر من القيادات البارزة داخل تنظيم القاعدة، وأثمرت سيلا من مقاطع فيديو استطلاعية. وقد أنشأت نحو 12 شركات طريقا رقميا سريعا ينقل بيانات طائرات من دون طيار عن مخابئ الإرهابيين عبر البحار إلى مراكز قيادية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة وكل ذلك بصورة آنية.

وقد أصبحت شركات خاصة مرتبطة بدرجة كبيرة بالأنشطة الأكثر حساسية التي تقوم بها الحكومة، ومن دون هذه الشركات ستتوقف عمليات استخباراتية وعسكرية هامة أو ستكون عرضة للمخاطر. وفيما يلي بعض الأمثلة:

في وزارة الأمن الداخلي، يساوي عدد المتعهدين عدد الموظفين الفيدراليين، وتعتمد الوزارة على 318 شركة من أجل الحصول على خدمات ضرورية وعلى أفراد، ومن بينها 19 شركة للأفراد تساعد وزارة الأمن الداخلي على العثور على المزيد من المتعهدين واستعمالهم. وداخل المكتب الذي يتناول الاستخبارات، جاء 6 من بين 10 موظفين من شركات خاصة.

وتستعمل وكالة الأمن القومي، التي تجري استطلاعا إلكترونيا بمختلف أنحاء العالم، شركات خاصة من أجل الوصول إلى أفضل الابتكارات التقنية. وكانت وكالة الأمن القومي تعمل مع عدد صغير من الشركات، ولكنها تعمل حاليا مع 484 شركة على الأقل، ولا تزال تستعمل المزيد.

لا يمكن لمكتب الاستطلاع الوطني إنتاج أو تدشين أو صيانة نظم الاستطلاع الكبيرة عبر الأقمار الصناعية، التي تصور دولا مثل الصين، وكوريا الشمالية وإيران، من دون المتعهدين البارزين الأربعة الذين يعمل معهم المكتب.

وتعتمد كل هيئة عسكرية واستخباراتية على لغويين للتواصل في الخارج وترجمة الوثائق وفهم المكالمات الصوتية الإلكترونية التي يتم اعتراضها. ويوجد طلب كبير على متحدثين أصليين، وتكون الحكومة مستعدة لأن تدفع مبالغ كبيرة، ولذا نجد أن 56 شركة تتنافس على ذلك.

وتعتمد 16 هيئة استخباراتية على شركات لإنشاء نظم أجهزة الكومبيوتر والاتصال مع شبكات هيئات أخرى والكشف عن المعلومات التي يمكن أن تشير إلى مؤامرة إرهابية. وتعمل أكثر من 400 شركة بصورة مكثفة في هذه المنطقة، وتنشئ نظم معدات وبرامج سرية.

وكان من المفترض أن يؤدي استعمال متعهدين إلى توفير أموال الحكومة، ولكن تبين أن الأمر ليس كذلك. ونشرت دراسة عام 2008 لمكتب مدير الاستخبارات الوطنية ذُكر فيها أن المتعهدين يمثلون ما يصل إلى 29 في المائة من قوة العمل داخل الهيئات الاستخباراتية ولكنهم يتكلفون 49 في المائة من ميزانيات الأفراد. وقال غيتس إن موظفين فيدراليين يكلفون الحكومة أقل من متعهدين بنسبة 25 في المائة.

وقد كانت عملية تقليل عدد المتعهدين بطيئة أيضا، ويمكن ذكر مكتب الاستخبارات البحرية الضخم في سوت لاند كمثال. ويوجد 2770 شخصا يعملون على مدار الساعة في مراقبة سفن تجارية. ولكن يقوم موظفو 70 شركة تقنية معلومات بالحفاظ على استمرارية العمل داخل المكان. ويقومون بتخزين ومعالجة وتحليل الاتصالات والاستخبارات التي تنقل من وإلى الأسطول البحري الأميركي بالكامل وسفن تجارية بمختلف أنحاء العالم. ويقول الكابتن المسؤول عن تقنية المعلومات: «هل يمكن لنا المحافظة على العمل داخل هذا المبنى من دون المتعهدين؟ الإجابة: لا، لا أعتقد أنه يمكننا ذلك».

ويقول نائب الأدميرال ديفيد، جاك دورست، مدير الاستخبارات البحرية، إنه يستطيع توفير الملايين كل عام من خلال تحويل 20 في المائة من وظائف المتعهدين داخل مجمع «سوت لاند» إلى وظائف حكومية. وحصل على موافقة على ذلك، ولكن كانت البداية بطيئة. وفي العام الحالي، قام فريقه بتحويل منصب متعهد وألغى آخر من بين 549. ويقول دورست: «يكلفني ذلك كثيرا».

وتنتشر أروقة السلطة داخل واشنطن في خط جغرافي مستقيم تقريبا يمتد من المحكمة العليا إلى الكونغرس وصولا إلى البيت الأبيض. وعند الاتجاه غربا عبر نهر بوتوماك، تجد أن مواقع السلطة غير الرسمية – الخاصة والمؤسساتية – تصبح واضحة ولا سيما خلال الليل. ويوجد في ضواحي فيرجينيا شعارات شركات ترتبط بأميركا بالغة السرية مثل: «نورثروب غرومان» و«إس إيه آي سي» و«جنرال ديناميكس».

ومن بين 1931 شركة حددت صحيفة «واشنطن بوست» أسماءها وتعمل في عقود سرية، تقوم 110 تقريبا بنحو 90 في المائة من العمل في الجانب المؤسسي للمنظومة المؤسسية الاستخباراتية الدفاعية.

ولفهم كيف أصبحت هذه الشركات تسيطر على حقبة ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لا يوجد مكان يمكن البدء منه أفضل من مكتب «جنرال ديناميكس» في هرندون. وفي أحد الأيام القريبة، كان كين بويل يشاهد سلسلة من الصور غير السرية، وكانت أول صورة تظهر شاحنة بيضاء تتحرك عبر شاشة الكومبيوتر الذي أمامه.

وكانت هذه الشاحنة داخل أفغانستان، وكانت تتابعها كاميرا فيديو مثبتة على طائرة استطلاع أميركية. ويمكن لبويل الوصول إلى 12 صورة يمكن أن تساعد أي محلل استخباراتي على معرفة ما إذا كان قائد الشاحنة مجرد سائق شاحنة أو جزءا من شبكة تقوم بتصنيع قنابل تغرس في جوانب الطرق لقتل أميركي.

ومن أجل القيام بذلك، قام بالنقر على فأرة الكومبيوتر، فظهرت صورة منزل سائق الشاحنة، مع ملحوظات عن زائرين. وبنقرة أخرى، ظهر مقطع مصور للسيارة بالأشعة تحت الحمراء. وبنقرة يظهر تحليل لأداة إلى جانب السائق. وبنقرة يظهر التصوير باستخدام طائرة «يو 2». وبنقرة يظهر تاريخ تحركات الشاحنة. وبنقرة تظهر خريطة «غوغل إيرث» للقوات الصديقة. وبنقرة يظهر صندوق للحديث مع أي شخص آخر يتابع الشاحنة أيضا.

قبل 10 أعوام، لو كان بويل قد أراد العمل لصالح «جنرال ديناميكس»، ربما عمل في وظيفة أخرى، فحين ذلك كانت الشركة مركز جذب ومقرها هو مدينة غروتون الصناعية بولاية كونيتيكت، حيث كان رجال ونساء يقومون بتصنيع غواصات. وفي الوقت الحالي، تركز الشركة على أدوات جمع بيانات مثل مكتبة التصوير الرقمية داخل هرندون وجهاز أمن يشبه جهاز «البلاكبيري» الذي يستخدمه الرئيس أوباما. واعتمد ثورة «جنرال ديناميكس» على استراتيجية بسيطة، وهي تتبع المال.

لقد تبنت الشركة نمط حرب ناشئة يعتمد على الاستخبارات. وقامت بتطوير نظم تحديد هوية للأهداف الصغيرة وأجهزة يمكنها أن تعترض مكالمة عبر الهاتف الجوال أو اتصالات من خلال جهاز كومبيوتر محمول يقوم بها المتمردون. وعثرت على وسائل لفرز مليارات البيانات التي تجمعها هيئات استخباراتية وجعلها في صورة مجموعات من المعلومات يمكن لشخص واحد أن يحللها.

وبدأت أيضا تلتهم شركات صغيرة يمكن أن تساعدها على السيطرة على المشهد الاستخباراتي الجديد، مثلما كان منافسوها يفعلون. وبين 2001 و2010، استحوذت الشركة على 11 شركة متخصصة في أقمار صناعية وإشارات واستخبارات جيو - فضائية واستطلاع ومراقبة وتصوير.

وفي الحادي عشر من سبتمبر 2001، كانت «جنرال ديناميكس» تعمل مع 9 هيئات استخباراتية. وفي الوقت الحالي لديها عقود في الهيئات الـ16 بالكامل. ويملأ موظفوها أروقة وكالة الأمن القومي ووزارة الأمن الداخلي.

وحصلت الشركة على مئات الملايين من الدولارات من أجل إنشاء وإدارة مكاتب جديدة تتبع وزارة الأمن الداخلي عام 2003، ومن بين ذلك المركز القومي للعمليات ومكتب التحليل والاستخبارات ومكتب الأمن التابعان للوزارة. ويقوم موظفو الشركة بكل شيء بدءا من تحديد التهديدات وصولا إلى إجراء تحقيقات وانتهاء بالرد على المكالمات الهاتفية.

وتعكس أرصدة «جنرال ديناميكس» الإجمالية في الوقت الحالي التحول الناجح الذي شهدته الشركة، كما يعكس مقدار ما دفعته الحكومة الأميركية – وهي أكبر عميل للشركة – بعيدا عما تكلفته الشركة من أجل القيام بالعمل، وهو على كل حال، يستهدف كل شركة تهدف إلى تحقيق أرباح.

وأوردت الشركة عام 2009 عوائد مجملها 31.9 مليار دولار، بالمقارنة مع 10.4 مليار دولار عام 2000. وزادت القوة العاملة لدى الشركة بمعدل أكثر من الضعف خلال هذه الفترة، ليصل عدد العاملين بها إلى 91,700 موظف بعد أن كان لديها 43,300 موظف، حسبما تفيد به بيانات الشركة.

وارتفعت العوائد من الشعب والأقسام المرتبطة بالاستخبارات والمعلومات داخل «جنرال ديناميكس»، حيث يجري معظم عملها الفائق السرية، إلى 10 مليارات دولار خلال الربع الثاني من عام 2009، بالمقارنة مع 2.4 مليار دولار خلال 2000، وبذلك تمثل 34 في المائة من إجمالي العوائد العام الماضي.

وتظهر أرباح الشركة في مقراتها داخل مدينة فولز تشيرش، حيث يوجد رواق ممتلئ بالأعمال الفنية، وتُقدم الوجبات في أدوات مائدة صينية عليها شعار الشركة، وتوجد قاعة اجتماعات بها 7 صفوف من المقاعد الجلدية، ويوجد في كل مقعد ميكروفون خاص به ومكان لوضع كومبيوتر محمول.

ولدى «جنرال ديناميكس» عمليات داخل كل ركن من المجتمع الاستخباراتي. كما تقدم العون لشركات في مجال الاستخبارات المضادة وتدرّب محللين جددا. ولديها عقد قيمته 600 مليون دولار مع القوات الجوية من أجل اعتراض اتصالات. وتدر مليار دولار سنويا من خلال حماية شبكات كومبيوتر أميركية واتصالات عسكرية مشفرة بعيدا عن يد قراصنة.

ويقول المتحدث باسم «جنرال ديناميكس» كيندل بيس: «يعد المجتمع الاستخباراتي الأميركي سوقا هامة لشركتنا. وعلى مدار الوقت، تمكنا من إعداد هيئتنا لتقديم منتجات وخدمات تلبي الشروط الفريدة التي تفرضها هذه الهيئات» وفي سبتمبر 2009، فازت «جنرال ديناميكس» بعقد قيمته 10 ملايين دولار من وحدة العمليات النفسية التابعة لقياد العمليات الخاصة مقابل إنشاء مواقع إلكترونية للتأثير على نظرة الأجانب للسياسة الأميركية. ومن أجل القيام بذلك، قامت الشركة باستعمال كتّاب ومحررين ومصممين من أجل إنتاج عدد من المواقع الإخبارية اليومية المصممة لتناسب 5 مناطق في العالم. وتظهر هذه المواقع الإخبارية بصورة منظمة تحت أسماء مثل « SETimes.com: أخبار ورؤى جنوب شرقي أوروبا»، وتأتي أول إشارة على أنهم يعملون نيابة عن الجيش في أسفل الصفحة الرئيسية عند كلمة «نفي المسؤولية». وبمجرد النقر على هذه العبارة تعرف أن «الموقع ترعاه القيادة الأميركية داخل أوروبا».

وقال جاي جونسون، الرئيس التنفيذي للشركة ورئيسها، خلال مكالمة تليفونية جماعية في أبريل (نيسان) عن الأرباح: «خلال العام الحالي، بلغ إجمالي عوائد (جنرال ديناميكس) 7.8 مليار دولار خلال الربع الأول، ونحن في طريقنا صوب عام ناجح آخر».

ومن وراء عمالقة مثل «جنرال ديناميكس» تعمل شركات صغيرة ومتوسطة يبلغ عددها نحو 1814 شركة في مهام سرية. وأنشئ نحو ثلث هذه الشركات بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 من أجل الاستفادة من تدفق أموال دافعي الضرائب ناحية القطاع الخاص. ويقود الكثير من هذه الشركات مسؤولون سابقون في هيئات استخباراتية يعرفون من يذهبون إليه من أجل الحصول على عمل.

ويرأس «أبراكاس» داخل هرندون، جاسوس سابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية، وسرعان ما أصبح متعهدا بارزا لدى الوكالة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وتقوم شركات أخرى صغيرة ومتوسطة الحجم بتقديم خبرة فنية مثل خبرة هندسية في أقمار صناعية بمدارات منخفضة أو أجهزة استشعار. ولكن الأغلبية الواسعة لم تقم باختراع شيء. وبدلا من ذلك، يقومون بمحاكاة ما تقوم به القوة العاملة لدى الحكومة بالفعل. وكانت شركة «إس جي آي إس»، التي أنشئت عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، من بين هؤلاء.

وفي يونيو 2002، ومن منزله في سان ديغو، تمكن هاني جرجس (30 عاما) من تجميع فريق تقنية معلومات فاز بأول تعاقد له مع وزارة الدفاع بعد 4 أشهر. وبنهاية العام، كانت «إس جي آي إس» قد افتتحت مكتبا في تامبا بالقرب من القيادة المركزية الأميركية وقيادة العمليات الخاصة، وأصبح ذلك يدر أرباحا وكان يعمل لدى الشركة 30 موظفا.

وباعت «إس جي آي إس» إلى الحكومة خدمات أفراد يتمتعون بمهارات خاصة، وكان توسيع أنواع الفرق التي يمكن أن تشكلها مفتاحا لنموها. وفي النهاية، قدمت مهندسين ومحللين ومتخصصين في أمن الإنترنت لهيئات استخباراتية وعسكرية وفضائية. وبحلول 2003، بلغت عوائد الشركة 3.7 مليون دولار. وفي ذلك الوقت، كانت «إس جي آي إس» قد أصبحت متعهدا بالباطن لصالح «جنرال ديناميكس»، وتعمل في المستوى السري. وساعدت «جنرال ديناميكس»، «إس جي آي إس» على الحصول على إجازة منشأة فائقة السرية، وهو الأمر الذي ساعدها على الحصول على المزيد من العمل.

وفي 2006، كانت عوائد الشركة قد تضاعفت أضعافا كثيرة لتصل إلى 30,6 مليون دولار، وكانت الشركة قد استعملت موظفين متخصصين في التعاقدات مع الحكومة، وهو ما ساعدها على الحصول على المزيد من العقود. وقال جرجس في مقابلة هاتفية: «عرفنا أن هذا هو المكان الذي نريد العمل فيه، فدائما ستكون هناك حاجة لحماية أرض الوطن».

وبعد مرور 8 أعوام على بدء الشركة، تمكنت «إس جي آي إس» من تحقيق عوائد قيمتها 101 مليون دولار، ومن افتتاح 14 مكتبا، وأصبح يعمل لديها 675 موظفا. ويعمل من لديهم إجازات فائقة السرية لدى 11 هيئة حكومية، حسب ما تفيد به قاعدة بيانات «واشنطن بوست».

ونمت جهود التسويق لدى الشركة في الحجم والمستوى، ويعرض موقعها الإلكتروني على سبيل المثال صورة لبحارة من البحرية في طابور على سفينة قتال وعبارة «نفخر لأننا نخدم» وتوجد صورة أخرى لمروحية تابعة البحرية تحلق بالقرب من تمثال الحرية وعبارة «نحافظ على الحرية». وإذا بدا من الصعب التمييز بين عمل «إس جي آي إس» وما تقوم به الحكومة، فإن ذلك يعود إلى أنهم يقومون بالكثير من الأشياء المتشابهة. وحلّ موظفو «إس جي آي إس» محل أفراد عسكريين داخل مركز الاتصالات السلكية واللاسلكية التابع للبنتاغون الذي يعمل 24 ساعة في اليوم 7 أيام في الأسبوع. وأجرى موظفون تابعون لـ«إس جي آي إس» تحليلات للتهديدات الإرهابية. وتقدم «إس جي آي إس» دعما مكتبيا لأنظمة كومبيوترية فيدرالية. ومع ذلك، توجد اختلافات هامة، رغم التشابه الذي يبدو.

وبالنسبة للفرد، على خلاف العمل في الحكومة، إذا قام أحد الموظفين في شركة «إس جي آي إس» بوظيفة جيدة، فقد يسير إلى منطقة انتظار السيارات في يوم من الأيام، ويفاجأ بزملائه في العمل يصفقون له على مكافأته الأخيرة: سيارة «مرسيدس» مستأجرة وذات سقف قابل للطي، ولونها أزرق داكن. وقد يقول، كما صورته إحدى كاميرات الفيديو وهو يجلس على المقعد الجلدي للسائق، «آه... إن ذلك مذهل».

ثم كان هناك ما حدث لشركة «إس جي آي إس» الشهر الماضي، عندما فعلت الشيء الوحيد الذي لا تستطيع الحكومة القيام به على الإطلاق.

لقد باعت بنفسها.

والمالك الجديد هو شركة قائمة في مقاطعة فيرفاكس تسمى «ساليانت فيدرال سوليوشنز»، وتم إنشاؤها العام الماضي فقط. إنها شركة متخصصة في مجال الإدارة وتعمل في مجال الأسهم الخاصة مع الكثير من الاتصالات في واشنطن تنوي تطويرها إلى عقود بشرائها شركة «إس جي آي إس».

وقال الرئيس التنفيذي للشركة براد أنتل: «لدينا هدف، وهو تحقيق 500 مليون دولار في 5 أعوام».

ومن بين جميع الشركات المختلفة في «أميركا بالغة السرية»، تعد الشركات التي تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات هي الأكثر عددا. وكل ما تفعله نحو 800 شركة هو تكنولوجيا المعلومات فقط.

وتقوم بعض الشركات في مجال تكنولوجيا المعلومات بدمج مزيج من أنظمة الكومبيوتر داخل وكالة واحدة؛ وتبني شركات أخرى صلات رقمية بين الوكالات؛ ومع ذلك أنشأت شركات أخرى برمجيات وأجهزة تستطيع معالجة وتحليل كميات ضخمة من البيانات.

وتعتمد الحكومة على هذه الشركات اعتمادا تاما تقريبا. وكانت العلاقة الوثيقة بينها واضحة في الفترة الأخيرة في مؤتمر تكنولوجيا المعلومات السنوي لوكالة الاستخبارات بوزارة الدفاع والذي عقد في فينيكس. وتوقعت الوكالة أن تقوم نفس شركات تكنولوجيا المعلومات بالسعي إلى الحصول على أعمال من الوكالة بصورة غير مباشرة لتنفق على المؤتمر الذي استمر 5 أيام، حسبما أكد متحدث باسم وكالة الاستخبارات بوزارة الدفاع.

وقد فعلت هذه الشركات ذلك بالفعل.

أنفقت شركة «جنرال ديناميكس» 30 ألف دولار على هذا الحدث. وفي إحدى ليالي الربيع، استضافت هذه الشركة حفلا في «تشيس فيلد»، وهو استاد لكرة السلة يتسع لنحو 48569 فردا، وقامت بحجز هذه المقاعد حصريا للحاضرين في الحفل. واحتسى المشترون من الحكومة والبائعون من الشركات البيرة وتناولوا الأطعمة في حين تمت إذاعة الخطاب الصباحي لمدير وكالة الاستخبارات بوزارة الدفاع على الشاشات الضخمة.

ودعت شركة «كاراسوفت تكنولوجي»، أحد المتعهدين لدى وكالة الاستخبارات بوزارة الدفاع، الضيوف إلى قضاء ليلة في أحد الكازينوهات، تناول فيه المسؤولون الاستخباراتيون والبائعون الأطعمة واحتسوا المشروبات.

ورحبت شركة «مكافي» الأمنية، أحد المتعهدين لدى وزارة الدفاع، بالضيوف في حفل شواء في الفندق الذي يقع في نفس الشارع الذي عقد فيه المؤتمر، الذي أنفقت فيه 250 شركة آلاف الدولارات للإعلان عن خدماتها أمام المسؤولين الاستخباراتيين الذين كانوا موجودين في قاعة العرض.

وقال مسؤولون حكوميون والمسؤولون التنفيذيون بالشركات إن هذه المناسبات تعد مهمة في بناء علاقات قوية بين القطاعين العام والخاص.

وقال توم كونواي، مدير قسم تنمية الأعمال الفيدرالية بشركة «مكافي»، «إذا توصلت إلى عقد واحد كل يوم، فإن ذلك أمر يستحق..».

وحول ما تستفيد منه أي وكالة حكومية، قال غرانت شنايدر، رئيس قسم المعلومات بوكالة الاستخبارات بوزرة الدفاع، «إن هدفنا هو أن نكون منفتحين ونعلم بشأن المنتجات». وبالذهاب إلى خارج واشنطن، حيث يقع مقر الكثير من الشركات، «فإننا نحصل على المزيد من التعاون.. إنها الاستخبارات مع الصناعة».

وهذه الأنواع من المؤتمرات تحدث كل أسبوع. ويكون الكثير منها محصورا على الأفراد الذين يحملون تصاريح أمنية بالغة السرية.

وفي أحد مؤتمرات قيادة العمليات الخاصة الأميركية في مدينة فايتيفيل، بولاية كارولينا الشمالية، في شهر أبريل الماضي، دفع البائعون الأموال من أجل الحصول على النفاذ إلى بعض الأفراد الذي يتخذون قرارات بشأن الخدمات والأجهزة التي يتم شراؤها للقوات. وفي منتصف شهر مايو، عقدت صناعة الأمن القومي أمسية رسمية مولتها نفس الشركات التي تسعى إلى الحصول على أعمال من وزارة الدفاع والاستخبارات وقادة الكونغرس الموجودين في هذا الحدث.

وتتسبب هذه الراحة في القلق لمسؤولين آخرين يعتقدون أن العلاقة التجارية بين الاستخبارات والدفاع في فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر أصبحت، كما وصفها ضابط استخباراتي بارز، مثل «مخروط المثلجات يلعق نفسه».

ووصف مسؤول آخر، وهو أحد العاملين المحافظين في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، هذه العلاقة بأنها «كائن حي يعيش ويتنفس» ومن المستحيل السيطرة عليه أو الحد من حركته. وقال هذا المسؤول: «إن كمية الأموال الواردة في هذا الأمر مذهلة. لقد بنينا مثل هذه الأداة الشاسعة. ماذا ستفعل مع هذا الأمر؟... لقد تحول إلى برنامج للتوظيف».

وحتى بعض الذين تجمعوا في فينيكس، انتقدوا حجم وتفكك المجتمع الاستخباراتي وقاعدة المتعهدين لديه. وقال اللفتنانت جنرال ريتشارد بي زاهنر، نائب رئيس أركان الجيش لشؤون الاستخبارات، أمام الحضور الذين بلغ عددهم 2000 فرد: «الزيادة المفرطة في الأعداد هي القاعدة غير المقبولة. هل ننفق مواردنا بصورة فعالة؟... إذا لم نستطع ترتيب منازلنا، فسيقوم شخص آخر بفعل هذا الأمر لنا».

وفي يوم آخر مليء بالعصائر والفواكه والمثلجات، أعطى متحدث آخر، وهو كيفين مينرز، نائب وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات، الحضور ما سماه «الصلصة السرية»، مفتاح تحقيق النمو والازدهار، حتى عندما تستقر ميزانية وزارة الدفاع وتتوقف عن الارتفاع بصورة كبيرة.

وأخبر مينرز الحضور بأن الأمور التي سيتم خفضها في بادئ الأمر هي «النثريات العامة»، وكانت تعني في الماضي مشابك الأوراق والأحبار، لكنها الآن تعني تكنولوجيا المعلومات، وهي المنتجات والخدمات التي يبيعها رجال الأعمال من بين الحضور.

وقال مينرز: «عليك أن تصف ما تفعله على أنها نظام للأسلحة، وليس نثريات عامة. إنني أعطيك الصلصة السرية هنا، إن النثريات العامة هي تكنولوجيا المعلومات والأفراد».

وبعدما أنهى حديثه، اتجه الكثير من المسؤولين الحكوميين الذين كانوا يستمعون إليه إلى قاعة المعرض، حيث كان ينتظر رجال المبيعات في الشركات. وكان بيتر كودينغتون، الرئيس التنفيذي لشركة «إنتينسيتي»، وهي شركة صغيرة تعلم برمجياتها الكومبيوترات «قراءة» الوثائق، مستعدا لهم.

وفي الوقت الذي انتشروا فيه في الممرات، قال: «عليك أن تميز نفسك». وكان كودينغتون يحمل كأسا من البيرة وأقلاما مضيئة، وكان يقنع المسؤولين في أكبر وكالة استخباراتية عسكرية في البلاد بأن لديه ما يحتاجون إليه. لكن في بادئ الأمر كان يحتاج منهم أن يتوقفوا عن السير بسرعة، وأن يبطئوا لكي يبدأ عرض الخدمات لديه.

واقتربت مسؤولة بوكالة الاستخبارات بوزارة الدفاع وهي تحمل حقيبة. لاحظت الأقلام، وتباطأت وتيرة سيرها.

وقال كودينغتون: «يا له من قلم؟».

وترددت وقالت: «نعم.. لدي ثلاثة أطفال».

«تريدين ثلاثة أقلام؟».

ثم توقفت. في «أميركا بالغة السرية» كل لحظة تعد فرصة.

وقال كودينغتون وهو يعطي لها الأقلام: «إننا شركة لاستخراج النص».

- شاركت في هذا التقرير الباحثة جولي تات

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»