وادي العلاقي.. محمية طبيعية تحافظ على التنوع البيولوجي في جنوب مصر

تسكنها قبائل العبابدة والبشارية.. و«جيرانهم» الصقور والعقارب والحية ذات القرن

مجموعة من قبائل العبابدة القاطنة في المحمية («الشرق الأوسط»)
TT

على بعد 1200 كيلومتر إلى الجنوب من القاهرة تقع محمية وادي العلاقي، أشهر المحميات الطبيعية في جنوب شرقي مصر. وكانت المحمية قد أنشئت للحفاظ على التنوع البيولوجي للحيوانات والنباتات والثدييات المهددة بالانقراض، وتشتهر بأنها تضم 92 نوعا من أندر النباتات الطبية والعطرية، بالإضافة إلى 15 نوعا نادرا من الحيوانات، أشهرها الحية ذات القرن، ويعتمد سكان المحمية من قبائل «العبابدة والبشارية» على الرعي والزراعة الشاطئية، خاصة بعدما تداخل جزء من المحمية في بحيرة السد العالي.

عام 1989 أصدر مجلس الوزراء المصري قرارا باعتبار منطقة وادي العلاقي، البالغة مساحتها 23 ألف كيلومتر مربع، وتبعد جنوبا عن أسوان مسافة 200 كيلومتر، «محمية طبيعية» مهمتها حماية التنوع البيولوجي المهدد بالانقراض. ويذكر أنه بعد بناء السد العالي وامتلاء بحيرته بالمياه أصبحت أراضي المنطقة جزءا من البحيرة، وقامت عليها الكثير من الزراعات الشاطئية، وهكذا تحولت إلى بقعة ساحرة يقبل عليها المصريون والأجانب.

سيارات الدفع الرباعي هي الطريقة الوحيدة للتنقل داخل المحمية، وذلك بعد قطع الطريق الإسفلتي من أسوان إلى المحمية بطول 200 كيلومتر، وبعد الحصول على تصريح خاص من جهاز حرس الحدود بأسوان.. الذي يسمح للمصريين بزيارة المحمية في أي وقت من العام، أما الأجانب فيسمح لهم بـ96 ساعة فقط خلال الشهر.

الدكتور إكرامي الأباصيري، مدير محمية وادي العلاقي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن الهدف من إنشاء المحمية هو «صون وحماية التنوع البيولوجي المهدد بالانقراض، والاتجاه إلى إقامة مشاريع لتحقيق التنمية المستدامة في المحمية، وحماية الحياة الطبيعية في منطقة المحمية من نباتات وحيوانات وسكان محليين».

وتابع الأباصيري: «تضم المحمية اليوم أنواعا كثيرة من الحيوانات الفقرية مثل الثعلب الأحمر، والسفتك (نوع من القوارض)، والغزال المصري، والتمساح النيلي، والرتم (يعشوب)، والتيتل، والأرانب البرية، والثعالب، والقط الرملي، والذئاب المصرية، والكبش الأوري، والضباع، والببر (البوار)، والحمار البري. ومن الزواحف هناك الزواحف الخطيرة والنادرة مثل الحية ذات القرن، إلى جانب أنواع مختلفة من الثعابين، والورل الصحراوي والسحالي والطريشة والبرص. ومن الطيور الصقور و300 نوع من الطيور المقيمة والمهاجرة مثل (البعبع، والبشاروش، والبلشون، وأبو فصادة، وأبو ملعقة). ومن الحشرات العقارب والعناكب والجعران. ثم إن المحمية غنية بالصخور والبراكين النارية والمتحولة والرسوبية، ومنها الجابر والانديزيت والسرنبتين والرخام والحصى الرملية المتوافر بكثرة، ولهذا يلاحظ ازدياد نشاط المحاجر والمناجم».

وأردف: «وبالنسبة إلى النباتات تضم المحمية 92 نوعا من النباتات الدائمة الخضرة، سواء الرعوية أو العطرية، بالإضافة إلى النباتات الطبية التي تساهم في علاج الأمراض، مثل: نبات آرا (القطنة الجبلي) الذي يستخدم في علاج آلام الأسنان، ونبات العشار لعلاج لسعة العقرب ويستخدم كمضاد للبرد والكحة (السعال) وعسر الهضم ومنشط للمعدة، ونبات المرخ المدر للبول، والغلقة للأمراض الجلدية، والبعيثران لعلاج الروماتيزم والحمى، والكلح الذي يستخدم كمقو جنسي، بالإضافة إلى الحرجل والصموة وسجر الغزال والسيال والعاقول والسنامكي والسكران والنبق والأثل وغيرها».

وأوضح الأباصيري، في سياق شرحه، أنه يسكن محمية وادي العلاقي قبائل العبابدة والبشارية، وهما من القبائل الرحل التي تسعى وراء المراعي، وتحط رحالها عندما تجد واديا غنيا بالنباتات ويتوافر فيه الماء. وتنقسم كل قبيلة إلى عدة عشائر موزعة على الأودية المختلفة، وتتميز هذه القبائل بالحفاظ على عاداتها وتقاليدها وثقافاتها والتمسك بها جيلا بعد جيل. ويعتقد أبناء هذه القبائل أن التمسك بهذه العادات يجلب لهم الخير، ويعد الرعي، وبيع الماشية والجمال، وجمع النباتات الطبية، وبيع الفحم، والعمل كأدلة صحراء، وعمال في المحاجر والمناجم، من أهم الأعمال التي يعمل بها أبناء قبائل العبابدة والبشارية في المحمية، بالإضافة إلى خبرتهم الشخصية بأماكن وجود النباتات الطبية والخشبية وطرق تجميعها وطرق التداوي بها وأماكن تسويقها، وأماكن وجود الآبار.

وأضاف مدير محمية وادي العلاقي أن المحمية تتكون فعليا من ثلاث مناطق: المنطقة المركزية (أو الوسطى) وهي المنطقة الأولى التي تمنع فيها جميع النشاطات، سواء كانت زراعية أو تعدينية، وتنقسم إلى منطقتين: القلب الأول التي تضم مناطق «القليب ووادي أم عركة ووادي حيسوربا»، وتقدر مساحتها بـ350.50 كلم2، ومنطقة القلب الثاني التي تضم منطقة إيقات، ومساحتها 235.50 كلم2، أما المنطقة الثانية فتسمي حرم المحمية، وتدار بيئيا وتجري فيها المشاريع البحثية للتوصل إلى الطرق الصحيحة لإدارة المحمية وتنميتها، والمنطقة الثالثة، هي منطقة «الانتقال» التي تبلغ مساحتها 21.549 كلم2.

وأشار الأباصيري في سياق شرحه إلى أن مناخ وادي العلاقي قاري جاف وقليل الأمطار وشديد الحرارة، إذ تتعدى درجة الحرارة الـ50 درجة مئوية مما يجعلها إحدى أعلى المناطق حرارة على سطح الكرة الأرضية، ورغم هذا تكيفت النباتات مع هذه الظروف وتمكنت من النمو بعد سقوط الأمطار التي تسقط مرة واحدة كل سنة.

من جانبه، قال محمود حسيب، مدير محميات المنطقة الجنوبية في مصر لـ«الشرق الأوسط» إنه «نظرا لاختفاء الكثير من الأنواع النباتية تمكنت وحدة الدراسات البيئية والتنمية في جامعة جنوب الوادي من إنشاء عدة مزارع داخل المحمية للإكثار من زراعة الأنواع النادرة من النباتات، وبالفعل أنشئت مزرعتان في منطقة أم عشيرة، المزرعة الأولى تضم 500 شتلة والنبات الأساسي فيها هو نبات (الهجليج) الذي يبلغ عدد شتلاته 350 شتلة، أما بقية النباتات فتتنوع ما بين نبات الحنة والنبق. أما المزرعة الثانية فتضم 300 شتلة ويتنوع نباتها بين الحرجل والحلف بر. وهذا، بالإضافة إلى إنشاء عدة مزارع في منطقة أبو همبول لزراعة النباتات ذات الأهمية الطبية».