اعتقال أميركي صومالي مشتبه في علاقته بمنفذي تفجيرات أوغندا

كتب إلى العولقي يسأله عن تفسير حلمين فرد بأن عليه الانضمام إلى جماعة «الشباب» الصومالية

صورة يعود تاريخها إلى 12 يوليو الماضي لشيسار خارج مبنى البيت الأبيض يقرأ من بيان (أ.ف.ب)
TT

مع اشتراك مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) في تحقيقات حكومة أوغندا في التفجيرات الأخيرة هناك التي تبنتها منظمة «الشباب» الصومالية المتطرفة، اعتقلت شرطة «إف بي آي» طالبا جامعيا أميركيا صوماليا كان في طريقه إلى أوغندا.

وكشف مسؤولون في «إف بي آي» عن أن زكاري آدم شيسار، من والد صومالي، وولد وتربى في فيرفاكس (بولاية فرجينيا) في ضواحي واشنطن العاصمة، اعتقل يوم 10 من الشهر الحالي في مطار نيويورك، قبل يوم من انفجارات أوغندا التي قتلت 76 شخصا، منهم أميركي.

ويحقق «إف بي آي» في احتمال أن شيسار كان يريد الانضمام إلى الفريق الصومالي الذي قام بالتفجيرات. وكان مسؤولون في «إف بي آي» قالوا، بعد يومين من الانفجار، إنهم يحققون فيما إذا كانت للانفجارات صلة بعدد من الأميركيين الصوماليين الشباب تركوا الولايات المتحدة، خلال السنتين الماضيتين، إلى الصومال وانضموا إلى منظمة «الشباب» ومنظمات أخرى تشترك في الحرب الأهلية التي ظلت مستمرة هناك عشر سنوات.

ووقتها قال المسؤولون إنهم يعتقدون أن للصوماليين الأميركيين صلات بانفجارات أوغندا لأنهم يقدرون على استعمال جوازات سفرهم الأميركية للتنقل بين الصومال وأوغندا والدول المجاورة، ودخول أوغندا من دون أن يثيروا شكوكا عند مسؤولي الجمارك والجوازات.

وقال مسؤولو «إف بي آي» إن الأميركيين الصوماليين «يتمتعون بصفات تجعلهم قادرين على اتخاذ خطوات ربما لا يقدر عليها الصوماليون في الصومال». وكانت هذه إشارة إلى عوامل حضارية تجعل الأميركيين الصوماليين أكثر قدرة على تخطيط وتنفيذ انفجارات خارج الصومال.

وحسب معلومات نشرتها صحيفة «واشنطن بوست»، حصلت شرطة «إف بي آي» على كومبيوتر شيسار وأوراق أخرى أوضحت أنه «خلال سنتين، وفي تطور مخيف، تحول من صبي هادئ يعيش في ضواحي واشنطن إلى مقاتل أجنبي متحمس».

وأضافت: «كان الصبي مثل غيره في مدرسة أوكتون الثانوية، ولعب كرة القدم، واشترك في فريق التجديف». قبل سنتين، تخرج شيسار في الثانوية ودخل جامعة جورج مايسون، أيضا في ضاحية فيرفاكس.

حسب الرسائل التي كتبها شيسار في موقعه على الإنترنت وفي رسائل إلكترونية، اتصل مع أنور العولقي، الأميركي اليمني الذي ولد في أميركا، ثم انتقل إلى اليمن حيث يقود حملة على الإنترنت ضد سياسات الحكومة الأميركية في العالم الإسلامي. وفي رسالة يوم 13/7/2009، سأله عن تفسير حلم حلم به وهو «يدعو الله أن يوفقه لينضم إلى منظمة (الشباب)».

وبعد شهرين، كتب في مذكرة يومية: «أسأل الله أن يجعل كتاباتي هذه مصدر إلهام، ومنهجا أسلكه نحو أراضي الجهاد».

وفي السنة الماضية، أسس موقع «القرآن والأحاديث والمجاهدين»، وكان اسمه لتحرير الموقع هو «ليرن تيتش فايت داي» (تعلم، علم، قاتل، مت).

وقبل شهرين، انتقد مسلسل «ساوث بارك» التلفزيوني الذي كان أساء إلى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وكتب، في موقع «ريفوليوشن مسلم» (مسلم ثورة): «يجب أن نحذر مخرجي المسلسل من أنهم ربما سيلقون مصير ثيو فان جوغ» (الهولندي الذي كتب آيات قرآنية على جسد امرأة عارية، وصورها، ووزع الصور، ثم اغتاله هولندي مغربي). وكتب شيسار: «ليس هذا تهديدا، لكنه تحذير».

وحسب معلومات «واشنطن بوست»، كان شيسار يريد اصطحاب زوجته إلى أوغندا، ثم الصومال. لكن، خبأت أمها جواز سفرها.

ورغم أن والده صومالي، قال إبراهيم الخلف، زميله في المدرسة الثانوية، إنه اعتنق الإسلام مؤخرا. ثم «صار أكثر تطرفا من بقية الطلاب في إم إس إيه» (منظمة الطلاب المسلمين). لكن، قال الخلف: «كان صبيا طيبا، ويبتسم نحو كل شخص».

وتناولت المذكرات الشخصية ورسائل البريد الإلكتروني والمقابلات مع العملاء الفيدراليين المذكورة تفصيلا في أوراق المحكمة، سعى شيسار (20 عاما) إلى التحول من فتى هادئ إلى متطوع للقتال في جماعة إرهابية محددة زعمت مؤخرا مسؤوليتها عن التفجيرات التي راح ضحيتها 76 شخصا في أوغندا يوم 11 من يوليو (تموز).

يذكر أنه تم توجيه اتهامات إلى نحو 34 شخصا من قبل السلطات الأميركية منذ يناير (كانون الثاني) 2009 بالتورط المباشر في الإرهاب الدولي. وقد شملت القائمة فيصل شاه زاد المتورط في محاولة تفجير ميدان التايمز.

ووجهت إلى شيسار الذي ارتبط اسمه بمجموعة إرهابية للمرة الأولى اتهامات بمحاولة الانضمام إلى منظمة «الشباب» الصومالية المسلحة، بيد أنه لا توجد دلائل على قيامه بأي نوع من الأعمال الإرهابية، لكن محللي مكافحة الإرهاب حذروا من تطوره من مجرد الدعاية إلى الرغبة في الانضمام إلى جماعة إرهابية مما يمثل اتجاها متزايدا بين الشباب الأميركيين الذين تسمح لهم وثائق سفرهم بأن يكونوا نشطاء متوقعين لهم قيمتهم.

والمثال الأحدث الأبرز على ذلك، الشباب الخمسة من منطقة الإسكندرية الذين أدينوا في باكستان بمحاولة الانضمام إلى القتال ضد الولايات المتحدة في أفغانستان. فقد اتصل عدد من المشتبه بهم بـ«القاعدة» أو جماعات مرتبطة بها في باكستان وأفغانستان واليمن والدول الأخرى عبر الإنترنت وخرجوا من دون علم من عائلاتهم. وقال ضابط تنفيذ القانون الفيدرالي الذي تحدث لـ«واشنطن بوست» طالبا عدم ذكر اسمه لأنه لا يحمل تفويضا بالحديث عن القضية، تكمن أهمية القضية في تزايد نسبة المواطنين الأميركيين، الذين ينساقون خلف الدعاية ويقومون بأفعال لصالح الجماعات الإرهابية». كان المفترض أن يمثل شيسار أمام المحكمة يوم الخميس لكن سجلات المحكمة لم تشتمل على وجود محام، لكن ميغان شيسار، والدة زوجته قالت إن العائلة لن تعلق على الخبر، كما رفض أقارب الأسرة التعليق أيضا.

وتشير أوراق القضية إلى أن شيسار المنقطع عن الدراسة في جامعة ماسون والذي يعيش والداه في سنترفيل، أخبر عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه صار أكثر التزاما في الآونة الأخيرة وأطلق لحيته واتخذ لنفسه لقب «أبو طلحة الأميركي» وتزوج امرأة مسلمة في عام 2009. وزعم أنه أنشأ عددا من المواقع على الإنترنت ومقاطع الفيديو وأجرى محادثات وشاهد أسطوانات مدمجة قبل الدخول على موقع «يوتيوب» والمدونات والنشر على الإنترنت للدعوة إلى الجهاد، على حسب ما جاء في ورقة الدعوى.

ما لفت الانتباه هو أن شيسار تبادل رسائل البريد الإلكتروني مع الداعية اليمني أنور العولقي الذي ساعد في توجيه عمر فاروق عبد المطلب لتفجير طائرة «ديترويت» عشية أعياد الميلاد. وقد صنفت السلطات الأميركية العولقي - المولود في الولايات المتحدة - ضمن قائمة الإرهاب الدولي وهو مستهدف بالقتل.

في 13 يوليو 2009 أرسل شيسار رسالة بريد إلكتروني، موجودة ضمن أوراق المحكمة، يسأل فيها العولقي «عن تفسير حلمين حلم بهما»، وكان التفسير أن عليه أن ينضم إلى جماعة الشباب الإسلامية.

وقال إنه توقف عن الحديث إلى أمه التي تلقت تهديدات بالقتل بسبب مهاجمته ساوث بارك على الإنترنت، في الوقت الذي أخفت فيه زوجة أبيه جواز سفر زوجته لمنعها من السفر خارج البلاد بصحبته.

وقال المدعي العام الأميركي نيل ماكبرايد: «تؤكد هذه الادعاءات ضرورة التزام الحيطة والحذر ضد التهديدات الإرهابية التي قد يشنها إرهابيون تربوا في الولايات المتحدة».

وقال شون هنري، المدير المساعد المسؤول عن مكتب واشنطن الميداني التابع لمكتب التحقيق الفيدرالي وفقا لـ«واشنطن بوست»: «لا يمكننا محاربة الإرهاب بمفردنا، فالقادة الدينيون من جميع الطوائف وأفراد العائلات وخاصة الشباب من الأقليات، يجب أن يبلغوا عن الأفراد الذين يشاركون في أعمال كتلك المزعومة هنا».

وفي أبريل (نيسان) كتب شيسار عن مؤلفي برنامج ساوث بارك على مدونة «ريفوليوشن مسلم»: «يجب علينا أن نحذر مات ستون وتيري باركر من أن ما يقومان به أمر سخيف وربما ينتهي بهما الأمر إلى أن يلاقيا مصير ثيو فان جوخ»، المخرج الهولندي الذي قتل عام 2004 بعد أن هاجم معاملة المرأة في المجتمع الإسلامي.

وأضاف: «هذا ليس تهديدا بل تحذير بحقيقة ما قد يحدث».

لم تأت أوراق الدعوى على الخيط الذي دفع مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى التركيز على شيسار. لكنه عندما استجوب من قبل العميلة الخاصة باولا مينغيز، في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) 2009، أخبرها شيسار بأنه أنشأ مواقع على «يوتيوب» مثل «AlQuranWaAlaHadeeth» (القرآن والحديث) ومدونة «Themujahidblog.com»، ونشر الكثير من أشرطة الفيديو وتحدث مع الكثيرين دفاعا عن رغبته في تعلم وتعليم القتال للموت في سبيل الإسلام، كما يشير اسم المستخدم الذي يستعمله، بحسب أوراق المحاكمة. وتضيف الأوراق أن شيسار حاول السفر إلى الصومال عبر كينيا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 للانضمام إلى جماعة «الشباب» لكنه أحجم عن ذلك لأن زوجة والدته أخفت جواز سفر زوجته بروسكوفيا نازبانيتا.

وبعد أن تم إبلاغ شيسار بأنه موضوع على قائمة الممنوعين من السفر في 10 يوليو أطلق سراحه، ولم يتضح المكان الذي استقر به بعد ذلك، لكنه اتصل بمينغيز مرة ثانية في 14 يوليو قائلا إنه كان قد خطط للانضمام إلى جماعة «الشباب» لكنه تراجع عن الفكرة بعد تفجيرات أوغندا.

وقال شيسار إنه خطط للسفر إلى أوغندا عبر دبي وإثيوبيا ومن هناك للذهاب إلى كينيا ورشوة حرس الحدود بأقل من 20 دولارا لدخول الصومال. وقال لزوجته في إحدى المكالمات التي تم التنصت عليها بأمر من المحكمة، إنه سيكون في أوغندا مدة يوم واحد وسيسافر مع ابنه كجزء من عملية التمويه.

وقال لعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، عن جماعة «الشباب»، كانت في حاجة إلى أجهزة حاسب وكاميرات وخطط للإقامة هناك مدة ستة أسابيع بعد رمضان. ويقول إبراهيم الخلف، خريج مدرسة أوكتون الثانوية الرئيس السابق لاتحاد الطلبة المسلمين، إنه يعتقد أن شيسار تحول إلى الإسلام في العام الأخير من المدرسة، وإنه كان شخصا طيبا وبشوش الوجه للجميع. لكن شيسار انتقد إيمان جميع الطلبة الآخرين في اجتماعات اتحاد الطلبة المسلمين، وقال الخلف: «كنا أكثر ليبرالية، وكنا معتادين على الدرس معا وخلق بيئة إيجابية، لكن زكريا كان يقول إذا فعلتم هذا فمصيركم النار، وإذا فعلتم ذلك فمصيركم النار».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»