أميركا وأوروبا ومنظمة العفو الدولية تطالب تشاد باعتقال البشير وتسليمه إلى لاهاي

أنجمينا: سنؤمن وجوده وعودته > الخرطوم ترد بغضب وتصف المطالب الغربية بـ«نفاق سياسي»

TT

دعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومنظمة العفو الدولية، الحكومة التشادية إلى اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير الموجود في العاصمة أنجمينا منذ أول من أمس، لحضور قمة «س - ص» الإقليمية، لاتهامه من قبل المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية في الإقليم السوداني المضطرب، وأصدرت مذكرة اعتقال دولية في حقه. ووصفت الخرطوم الخطوة الغربية بأنها محاولة لاستخدام المحكمة سياسيا لتنفيذ أجندتها ضد السودان. ووقعت الحكومة السودانية ومتمردون دارفوريون أمس وثيقة اتفاق حول آليات لوقف إطلاق النار في العاصمة القطرية أمس.

وطالب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فيليب جي كراولي، تشاد التي تستضيف الرئيس عمر البشير، بالالتزام بتعهداتها باتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، باعتبارها من الدول الموقعة على نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية. وشدد كراولي على أن الولايات المتحدة تدعم وبشدة الجهود الدولية لتقديم المسؤولين عن الإبادة وجرائم الحرب في دارفور إلى العدالة، موضحا أنه لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار الدائمين في دارفور دون محاسبة المسؤولين، وأن واشنطن ستواصل مطالبتها السودان والأطراف الأخرى بالتعاون بشكل كامل مع المحكمة الجنائية.

وحضت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون أمس تشاد على الوفاء بواجباتها القانونية، وتوقيف الرئيس السوداني. وجاء في بيان للمتحدثة باسم المحكمة الجنائية أن الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي «قلقة من زيارة الرئيس عمر البشير إلى تشاد» للمشاركة في قمة مجموعة دول الساحل والصحراء (سين - صاد). وذكّرت في البيان «بالأهمية بالنسبة لكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي»، وتحض تشاد على «احترام واجباتها في إطار القانون الدولي» وتدعوها إلى «توقيف المتهمين من قبل المحكمة الجنائية الدولية وإحالتهم أمامها». وأضاف البيان أن «الاتحاد الأوروبي يدعم بقوة المحكمة الجنائية الدولية والمعركة ضد الإفلات من العقاب».

وفي ذات السياق طالبت منظمة العفو الدولية أنجمينا بعدم حماية البشير، وقال المستشار القانوني للمنظمة كريتسوفر هيل في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه: «زيارة البشير لتشاد فرصة لاعتقاله وإرسال رسالة بانتصار العدالة»، وطالبت المنظمة كل أعضاء المجتمع الدولي بتأكيد المحاسبة على جرائم دارفور بمقتضى القانون الدولي.

ورغم أن تشاد وقعت على النظام المؤسس للمحكمة الجنائية، فإنها أعلنت عزمها عدم إلقاء القبض على الرئيس السوداني. واستقبل الرئيس التشادي إدريس ديبي في مطار أنجمينا البشير وأجرى معه في مباحثات مغلقة في صالة كبار الزوار، أول من أمس، وشددت أنجمينا على أنها ترفض أي ضغوط سواء من الدول الغربية أو المحكمة الجنائية الدولية، واعتبرت أن قراراتها تنبع من سيادتها الوطنية وحريتها في التحرك الإقليمي والدولي.

وقال مستشار الرئيس التشادي للإعلام والثقافة عمر يحيى لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس إن بلاده سعيدة بزيارة البشير بعد قطيعة بين البلدين استمرت لأكثر من ثلاثة أعوام، وشدد على أن بلاده ملتزمة بقرار الاتحاد الأفريقي الخاص بوقف تحركات المحكمة الجنائية الدولية ضد الرؤساء الأفارقة، وأضاف أن «البشير ضيف ورئيس دولة جارة ولا يمكن أن نقوم بالقبض عليه وتقديمه إلى المحكمة الجنائية، وسنؤمن عودته إلى بلاده بعد القمة».

وقال وزير خارجية تشاد: «السودان بالنسبة لنا عضو في مجموعة دول الساحل والصحراء». وأضاف أن البشير «مدعو إلى هذه القمة بصفته رئيس دولة عضو في مجموعة دول الساحل والصحراء، وليس عليه أن يقلق. نحن ملتزمون بموقف الاتحاد الأفريقي». ووقعت تشاد وثيقة روما التي أسست المحكمة الجنائية الدولية، وهي نظريا مطالبة بتوقيف المشتبه بهم الذين تلاحقهم، كما ذكرت المحكمة الجنائية الدولية ومنظمة «هيومان رايتس ووتش» ومنظمة العفو الدولية.

وأكد البشير في مطار أنجمينا أن «وجودي في أنجمينا يؤكد تصميمنا على طي صفحة الخلافات بين بلدينا». وقال نظيره التشادي إدريس ديبي: «لقد طويت مع أخي البشير الصفحة القاتمة في تاريخنا». وقد أرسى الرئيسان قواعد العلاقات «الطبيعية» عبر توقيع اتفاق في يناير (كانون الثاني) بعد حرب استمرت خمس سنوات عبر حركات تمرد في كلا البلدين. ومنذ ذلك الحين أعلنت تشاد التزامها بموقف الاتحاد الأفريقي عدم التعاون مع مذكرة الجنائية الدولية بحق البشير.

وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة اعتقال بحق البشير في مارس (آذار) 2009، على خلفية اتهامات بارتكابه «جرائم حرب» وجرائم ضد الإنسانية، في إقليم دارفور السوداني. ثم عادت وأضافت قبل أيام تهمة الإبادة الجماعية التي أسقطتها من لائحة الاتهام الأولى. وقرر الاتحاد الأفريقي عدم التعاون مع المحكمة الجنائية، وهو موقف لم يتغير إثر إصدار المحكمة مذكرة ثانية الأسبوع الماضي أضافت إلى التهم الأولى تهمة الإبادة.

وردت بشدة أمس على الموقف الأميركي، وقال الناطق باسم الخارجية السودانية معاوية عثمان خالد لـ«الشرق الأوسط» إن حكومة السودان تستنكر وتشجب موقف الولايات المتحدة، وقال: «إن الولايات المتحدة لا تقيم اعترافا بالمحكمة الجنائية، وهي ليست طرفا فيها وترفض الخضوع لها، بل إنها عقدت اتفاقيات مع دول أخرى حتى لا تقوم بتسليم أي جندي أو مواطن أميركي لهذه المحكمة، ولذلك فإن مطالبة الولايات المتحدة لدول ذات سيادة بالالتزام بقرارات المحكمة لا يعدو إلا أن يكون نفاقا سياسيا بيّنا»، ونوه بـ«أن السودانيين لن ينسوا أبدا قصف أميركا لمصنع (الشفاء) الذي كان ينتج الأدوية التي يحتاج إليها الأطفال دون غيرهم، كما أن شعوب العالم لن تنسى أبدا الانتهاكات الأميركية للقوانين والأعراف الدولية في ممارستها للقهر والتقتيل للشعوب العزل في فيتنام والعراق وأفغانستان». وعبر عن إشادة الخرطوم «بموقف الحكومة التشادية ورئيسها إدريس ديبي والشعب التشادي الشقيق الذي استقبل رئيس الجمهورية بالأهازيج، في موقف شجاع يعكس حرص الرئيس ديبي على علاقات الجوار الأخوية ومصالح الشعبين الشقيقين بجانب التزامه بقرارات الاتحاد الأفريقي ورفضه التعامل مع ما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية».

ونوه المسؤول السوداني بأن «الولايات المتحدة تصمت عن المجازر والانتهاكات والقتل والترويع والتشريد الذي يمارسه الكيان الإسرائيلي، ولم يسمع العالم يوما مطالبة واشنطن لإسرائيل بالالتزام بالقانون الدولي أو قرارات الشرعية الدولية، بل إنها تقف ضد أي قرار يدين الانتهاكات الإسرائيلية في مجلس الأمن».

وفي تشاد طالب ائتلاف هيئات الدفاع عن حقوق الإنسان الذي يضم ست منظمات محلية، «السلطات التشادية باعتقاله ووضعه تحت تصرف المحكمة الجنائية الدولية»، وطلب من التشاديين «معارضة زيارته بكل الوسائل الشرعية». وقال مكسيم ناغيلم العضو في الائتلاف إن «تشاد تثبت أنها تؤيد الإفلات من العقاب من خلال ترك البشير يأتي إلى أنجمينا» للمشاركة في القمة. وقال: «لا نستطيع أن نصدق على معاهدات ثم ندوسها بالأقدام»، معربا عن تأييده اعتقال البشير.

ورأى المعارض توكو ماناسي رئيس الاتفاقية الوطنية للسلام والتنمية في تشاد أن «من غير الطبيعي أن توقع تشاد اتفاقات دولية» ولا تحترمها. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «بقبولها مشاركة البشير في هذه القمة، تبلغ تشاد الرأي العام أنها شريكة في ما حصل في دارفور وفي شرق تشاد»، الذي شهد هجمات مسلحة نسب بعض منها إلى ميليشيات سودانية. لكن هذا الرأي لا يؤيده جوناس عيسى، الموظف الرسمي الذي يرى في زيارة البشير فرصة حقيقية للسلام بين تشاد والسودان.

وأعلن مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو أمس في لاهاي، بشأن محاكمة الرئيس السوداني، أنها «مسألة وقت فقط، وسيتوجه عاجلا أم آجلا إلى لاهاي ليواجه العدالة». وأضاف مورينو أوكامبو لوكالة الصحافة الفرنسية: «ليس هناك انتصار عندما يتعلق الأمر بإبادة»، مشيرا إلى وجود «2.5 مليون ضحية في دارفور» حاليا. وأوضح المدعي أيضا أن «على الرئيس البشير أن لا يتباهى. إنه مشبوه فارّ». ويجري مورينو أوكامبو منذ 2005 تحقيقا حول دارفور التي تشهد منذ 2003 حربا أهلية.

إلى ذلك وقعت الحكومة السودانية ومتمردون دارفوريون أمس وثيقة اتفاق حول آليات لوقف إطلاق النار في العاصمة القطرية أمس. وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة قطر أحمد بن عبد الله آل محمود إن هذا الملحق يشتمل على آلية لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة. وأضاف في تصريحات للصحافيين أن هناك آليات للأمم المتحدة وآليات أخرى يتم التعاون بينها، وأن الملحق الذي جرى التوقيع عليه اليوم ينظم هذا الموضوع. وشدد وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري في تصريحاته على أن مفاوضات السلام في دارفور مستمرة بالدوحة، وأن الاتصالات والمشاورات ستستمر مع كل الأطراف ذات الصلة بعملية السلام في دارفور، وعلى ضوء هذه الاتصالات سيتم إعداد وثيقة توافقية شاملة يتم عرضها على المجتمع الإقليمي والدولي لتكون بعد ذلك إطارا لاتفاق سلام شامل توقع عليه كل الأطراف، معربا عن أمله في أن يتم ذلك قبل نهاية هذا العام لتحقيق السلام والاستقرار في دارفور والاستقرار في السودان عامة.

وأشار آل محمود «إلى أن الأطراف المعنية بالتوقيع على اتفاق السلام الشامل في دارفور هي الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة وحركة التحرير والعدالة وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور».

وفي ذات السياق قال رئيس وفد التفاوض الحكومي أمين حسن عمر: «إن هناك تقدما كبيرا تم تحقيقه في بعض لجان العمل، بينما تبقى بعض الأمور التي تحتاج إلى مزيد من التشاور في بعض اللجان الأخرى»، مبديا تفاؤلا بالتوصل إلى تسوية في نهاية المطاف. وقال في تصريحات صحافية إن الحكومة السودانية لديها التزام تجاه دارفور، وإن الجميع مدعو للتوقيع على ما تخرج به المفاوضات من وثيقة تسوية شاملة للقضية، لافتا إلى أن الحكومة وقعت في السابق اتفاقين إطاريين ولم تتجاهل الاتفاق الإطاري مع حركة العدل والمساواة رغم أنهم توقفوا عنه.