الممثل الفرنسي بوداليديس يتقمص شخصية ساركوزي على الشاشة

بعد أن ينتهي من دور الملك ريتشارد الثاني على المسرح في أفينيون

TT

ببساطة، ودون ثورات ولا إطاحة بالرؤوس، يمكن لأي ممثل أن ينتقل من عرش الملكية إلى كرسي رئاسة الجمهورية. إنها نقلة تحتاج إلى موهبة في التقمص، وهي ما يملكه الممثل الفرنسي دوني بوداليديس الذي يقوم حاليا بدور الملك ريتشارد الثاني في مسرحية شكسبير المعروفة والمبرمجة ضمن مهرجان المسرح الذي تستضيفه مدينة أفينيون، وسط فرنسا.

حال خلع التاج والتخلي عن الصولجان سيخلع بوداليديس شخصية الملك ليرتدي قناع الرئيس الفرنسي في فيلم جديد يبدأ تصويره الشهر المقبل، عنوانه «الفتح». ويتناول الفيلم الذي يخرجه إكزافييه دورينجيه مسيرة صعود نيكولا ساركوزي نحو سدة الرئاسة. ورغم محاولة بطل الفيلم التكتم على تفاصيل الدور، فهو لا يملك سوى الاعتراف بأن القفز بين الشخصيتين لعبة خطرة. وإذا كان شكسبير قد كتب قصة الملك ريتشارد الثالث بعد قرنين من رحيله، فإن الرئيس الفرنسي ما زال في الحكم، الأمر الذي يجعل من تقمص شخصيته أو الحكم على أفعاله أشبه بالمغامرة التي قد لا تحمد عقباها.

شاءت المفارقة أن يولد بوداليديس في فيرساي، مدينة الملوك، عام 1963، أي أنه أصغر من ساركوزي بسبع سنوات، وأن يدرس الفلسفة والأدب قبل أن يقرر احتراف الفن ودخول معهد فلوريان الشهير لتخريج الممثلين، ثم الكونزرفاتوار الوطني الفرنسي لدراسة الفنون الدرامية. وكان من الطبيعي، بفضل هذه المؤهلات، أن ينضم الممثل إلى فرقة «الكوميدي فرانسيز» العريقة عام 1997. لكنه لم يكتفِ بالتمثيل، بل مارس الكتابة والإخراج المسرحي وسجل بصوته نصوصا مضيئة من الأدب الفرنسي. وهو قبل أن يتصدى لدور ساركوزي أدى في أفلام سينمائية وتلفزيونية أدوارا لشخصيات واقعية من مشاهير السياسة والأدب. فقد لعب دور جاك أتالي، المستشار الاقتصادي المعروف للرئيس ميتيران ثم لساركوزي، ودور أندريه مالرو، وزير الثقافة في عهد الجنرال ديغول، ودور الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر. ورغم أن ملامحه لا تبدو قريبة من أي من تلك الشخصيات فإن الموهبة كانت تتولى تقريب الشبه بينما يتكفل خبراء الماكياج بالباقي.

غامر المؤرخ والمؤلف باتريك روتمان بكتابة قصة فيلم «الفتح» الذي يتتبع خطوات ساركوزي من عام 2002 وحتى الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي قادته إلى «الإليزيه». وتكمن المغامرة في أن الرئيس لا يفوّت شيئا يمسّه أو يتعلق بصورته. وقد سبق له أن لاحق أمام القضاء مواطنين عاديين تعرضوا له بالشتيمة، وعاقب، بشكل غير مباشر، صحافيين نشروا تقارير وصورا عن حياته الشخصية، ومؤلفين حاولوا إصدار كتب تتعرض لزوجتيه السابقة والحالية. ومن المقرر أن تقوم الممثلة فلورنس بيرنيل بدور سيسيليا، الزوجة السابقة، بينما يقوم الممثل برنار لوكوك بدور الرئيس السابق شيراك، وصامويل لابارت بدور رئيس الوزراء السابق دومينيك دو فيلبان، منافس ساركوزي من داخل معسكر اليمين.

ويقول روتمان، الذي كتب السيناريو والحوار أيضا، إن الفيلم هو من نوع الخيال المستند إلى الكثير من الوثائق والتفاصيل الواقعية. أي من ذلك النوع من الأفلام الذي برع الأميركيون والإنجليز في صناعته. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن بوتمان هو صاحب الفيلم الوثائقي «العدو الحميم» عن فضائح التعذيب التي ارتكبها العسكريون الفرنسيون في الجزائر، كما سبق له أن أنجز أفلاما وثائقية عن جاك شيراك وليونيل جوسبان، رئيس الوزراء الاشتراكي الأسبق. أما إكزافييه دورينجيه، مخرج الفيلم، فإنه يجد نفسه أمام تحدٍّ من نوع جديد، بعد أن أخرج أفلام حركة وعصابات مثل «سأذهب إلى الجنة لأن الجحيم يقع هنا»، أو «تشوك دي» عن الملاكمة التايلندية.

من جهته يؤكد بطل الفيلم أن ممثلين كثيرين سبقوه إلى تجسيد أدوار ملوك أو رؤساء على الشاشة. ويقول إن عنده شخصية رئيس جمهورية وعليه أن يتقمصها مثل باقي الشخصيات التي سبق له أن أداها، وليس من واجبه الحكم عليها، بل أن يبعث فيها الحياة بكل تناقضاتها والتباساتها، واضعا بين قوسين ميوله السياسية الشخصية كمواطن يساري. إن الفيلم لا يسعى لتلميع رجل أو لحرقه، بل لإضاءة حقبة تاريخية قريبة... جدا.