زعماء الأقليات يتركون جانب كرزاي بسبب عروض الصلح مع المتمردين

تحذيرات رئيس الاستخبارات الأفغاني السابق تزيد القلق في صفوف الطاجيك والهزارة والأوزبك

جندي أميركي يفتش قرويا افغانيا خلال دورية في وادي ارغنداب بقندهار أمس (أ.ب)
TT

أطلق أمر الله صالح، وهو الرجل الذي كان رئيس الاستخبارات لدى الرئيس الأفغاني حميد كرزاي لستة أعوام، حملة عاجلة لتحذير الأفغان من أن قائدهم لم يعد يعتقد في الحرب ضد حركة طالبان ويسعى بصورة متهورة إلى صفقة سياسية مع المتمردين.

وفي خطابات أمام مجموعات صغيرة في كابل وشمال أفغانستان على مدار الشهر الماضي، أكد أمر الله صالح على اعتقاده بأن حملة كرزاي للتفاوض مع المتمردين تعد خطأ فادحا، وطريقا إلى الحرب الأهلية. وقال إن السياسة التي يتبناها كرزاي تعرض للخطر التقدم المتقطع خلال السنوات التسع الماضية في مجالات مثل الديمقراطية وحقوق المرأة.

وقال أمام تجمع من طلاب الجامعات في كابل: «إذا لم أرفع صوتي فسنتجه إلى أزمة».

ويحمل الرأي نفسه عدد متنام من زعماء الأقليات الذين شاركوا بصورة كاملة في حكومة كرزاي، لكن الآن يشعرون بأنهم منعزلون عنها. وأعرب سياسيون من الطاجيك والهزارة والأوزبك عن قلقهم المتنامي من أن كرزاي يقوم بتهميشهم، من خلال جهوده الرامية إلى التوصل إلى اتفاق سلام مع أتباعه من البشتون المتمردين.

وتأتي تحذيرات أمر الله صالح في الوقت الذي تبذل فيه الولايات المتحدة جهودا كبرى لصياغة موقفها بشأن المصالحة مع طالبان. وفي حين أيد مسؤولون أميركيون، من الناحية النظرية، المباحثات التي تقودها الحكومة الأفغانية، فقد راقبوا الأمر بقلق في الوقت الذي واصل فيه كرزاي مبادرات السلام الخاصة به، على ما يبدو، من دون مشاركة غربية.

وفي الآونة الأخيرة، حذر الممثل المدني البارز بحلف الناتو في أفغانستان، السفير مارك سيدويل، من أن «أي عملية للمصالحة السياسية يجب أن تكون وطنية وشاملة تماما، وإلا فإننا بكل بساطة نخزن المجموعة المقبلة من المشكلات التي ستندلع. وفي هذه البلاد، عندما تندلع المشكلات، فإنها في الغالب تقود إلى العنف».

ومع ذلك، في ظل ارتفاع تكاليف الحرب وعدد الضحايا، فإن صناع السياسة الأميركيين يتطلعون بصورة مستمرة إلى مخرج، وأن التوصل إلى صفقة لتقاسم السلطة بين كرزاي وطالبان قد يكون أفضل ما يأملون في تحقيقه. ووصف أحد المسؤولين البارزين في حلف الناتو صالح بأنه «ذكي». بيد أن هذا المسؤول قال إن الموقف المتشدد الذي يتبناه صالح ضد المفاوضات لا يقدم أي وسيلة لإنهاء الحرب الأميركية التي طال أمدها.

وبدأ صالح، الذي يبلغ من العمر 38 عاما وينتمي إلى أقلية الطاجيك، مسيرته المهنية في مجال الاستخبارات في هذا الوادي الجميل الواقع شمال كابل، حيث كان يعمل لصالح قائد حرب العصابات الأسطوري أحمد شاه مسعود. وقال إنه لا يتحرك بدافع أي خصومات عرقية مع أقلية البشتون أو رغبة في الإطاحة بكرزاي، الذي يصفه بأنه رجل مهذب ووطني.

وبدلا من ذلك، قال إنه يريد استخدام التنظيم الشعبي الذي لا يتسم بالعنف من أجل الضغط على الحكومة لاتخاذ موقف متشدد ضد حركة طالبان بإظهار أن الأفغان الذين لا يقبلون عودة حقبة طالبان يشكلون قوة هائلة. وكان صالح قد استقال من منصبه كمدير للإدارة الوطنية للأمن الشهر الماضي بعدما أدرك أن كرزاي لم يعد يقدر نصائحه.

وقال: «لقد وصلت طالبان إلى أبواب كابل. لن نوقف هذه الحركة حتى ولو كلفنا ذلك دماءنا».

ورفض وحيد عمر، المتحدث باسم كرزاي، التعليق على تحليل صالح. وقد جعلت حكومة كرزاي المصالحة واحدة من أولوياتها القصوى، وقال مسؤولون إنهم يتقدمون فيها بكل حرص. وكان كرزاي قد دعا قادة طالبان للمحادثات، لكنه قال إن المتمردين يجب أن يقبلوا الدستور، وينبذوا العنف ويقطعوا صلاتهم بالإرهابيين من خارج البلاد قبل أن يستطيعوا الانخراط في المجتمع مجددا. ولا تفعل هذه الشروط شيئا يذكر لتهدئة زعماء الأقليات الأفغانية، وكان الكثير منهم قد أيد طالبان في الماضي، لكنهم الآن على خلاف معها. ويتخوف بعضهم من أن التوصل إلى اتفاق بين كرزاي وحركة طالبان قد يقود إلى هذا النوع من الحرب الأهلية التي كانت موجودة في أفغانستان قبل الغزو الأميركي للبلاد نهاية عام 2001.

وقال محمد محقق، أحد زعماء أقلية الهزارة وحليف سابق لكرزاي: «إن المسار السياسي الجديد الذي اختاره كرزاي لن يقود إلى تدميره فقط، بل سيدمر البلاد بأكملها. إنه نوع من الانتحار».

ومع استقالة صالح ونقل طاجيكي آخر، بسم الله خان، من وظيفته كقائد للأركان في الجيش إلى منصب وزير الداخلية، يرى ناقدو كرزاي أن هناك تأكلا في الآراء القوية المناهضة لطالبان داخل الحكومة. ويقول الكثيرون إن خان يعد عنصرا أكثر أهمية بالنسبة إلى جهود الحرب في موقعه بالجيش مقارنة بموقعه في وزارة الداخلية، التي تشرف على الشرطة.

وقال صالح محمد ريجيستاني، عضو طاجيكي في البرلمان من بنجشير: «الآن أقليات الطاجيك والهزارة والأوزبك، إنهم ليسوا شركاء في حكومة كرزاي، إنهم فقط موظفون. يريد كرزاي استخدامهم كرموز».

ولنشر رسالته، سعى صالح إلى الشباب والطلاب وخريجي الجامعات. ومن خلالهم، يميل صالح إلى تشكيل جماعات في جميع أنحاء البلاد لممارسة ضغوط سياسية شعبية. وقال إن أهدافه لا تتسم بالعنف، ولا تهدف إلى مزيد من الانقسامات العرقية، لكنه قال إنهم يجب أن يستعدوا للأسوأ.

وولد صالح في وادي بنجشير قبل أن تنتقل أسرته إلى كابل. وانضم إلى المعارضة المسلحة، أو المجاهدين، بدلا من التجنيد في الجيش الأفغاني، وفي عام 1997 بدأ عمله كضابط في الاستخبارات مع قوات مسعود.

وتم تعيينه لإدارة خدمة الاستخبارات الناشئة عام 2004، وبنى سمعة بين المسؤولين الأميركيين بأنه أحد الوزراء الأكثر فاعلية ونزاهة في مجلس الوزراء.

وفي وجهة نظر صالح، بدأ تحول كرزاي من محاربة طالبان إلى استيعابهم في أغسطس (آب) الماضي. وقال صالح إن الفوضى التي أعقبت الانتخابات الرئاسية، التي فاز فيها كرزاي لكن تم اتهامه بالتزوير في الانتخابات، تم اتخاذها على أنها إهانة شخصية.

* شارك المراسل الخاص جاويد هامدارد في إعداد هذا التقرير.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»