خفض مظاهر العداء في «جدار برلين الآسيوي»

الهند وباكستان تأمران حرس حدودهما بإبدال الاستفزازات بابتسامات خلال مراسم إنزال العلم

مراسم إنزال العلم في بلدة واغاه الحدودية (إ.ب.أ)
TT

ربما حملت نتائج المحادثات الهندية - الباكستانية، التي عقدت مؤخرا، على مستوى وزيري الخارجية، طعم المرارة، وتركت غصة في حلق الدبلوماسيين، قد لا تزال مستمرة حتى الآن، لكن الملاحظ أن وتيرة العداء انحسرت قليلا على حدود البلدين في بلدة واغاه، التي يطلق عليها «جدار برلين آسيا».

قد لا يستمر النظر إلى احتفال إنزال العلم قبيل غروب الشمس، الذي يعقد من عام 1959 من قبل قوات أمن الحدود على الجانب الهندي وحرس الحدود الباكستانيين، على الجانب المقابل من الحدود عند واغاه، باعتباره استعراضا لإشارات عدوانية وعدائية من الجانبين. وعلى الرغم من أن الاحتفال مجرد إنزال رمزي للعلم، فإنه اكتسب شهرة، باعتباره واحدا من أكثر الممارسات الرمزية العدائية بين البلدين، وبات بمثابة مؤشر لتقييم العلاقات الهندية - الباكستانية، لسنوات طويلة.

في كل مساء، يسير أفراد حرس الحدود من الهند وباكستان في مسيرات عسكرية بسرعة كبيرة، حاملين على وجوههم تعبيرات عدوانية. وبات هذا التعبير الرمزي العدائي بمثابة تقليد مستمر، مع مرور العلاقات بين الدولتين بموجات من التقارب والتباعد.

وتعد واغاه نفسها، بلدة يمر عبرها «خط رادكليف» المثير للجدل. وقد انقسمت البلدة إلى شطرين، نتيجة استقلال باكستان عام 1947. واليوم، لا يزال الشطر الشرقي من البلدة تابعا للهند، بينما يقع الشطر الغربي في باكستان. وتتميز البلدة بالطريق الحدودي الوحيد بين الهند وباكستان.

يقام الاحتفال الذي يجرى خلاله إنزال العلمين، الهندي والباكستاني، قبيل الغروب، أمام حشد من السياح والزوار، الذين يهللون مع كل إشارة عدوانية. وتتعالى صيحات «جاي هيند» (تحيا الهند) و«باكستان زينداباد» (تحيا باكستان) من الزائرين في كلا جانبي الحدود كل مساء، بينما ينطلق الجنود في مسيرات عسكرية ويغلقون البوابات عبر الحدود.

الآن، اتفق الجانبان على تجنب الإشارات الاستفزازية بقبضة اليد وإصبع الإبهام خلال هذه المراسم، والحرص على تبادل الابتسامات، بدلا من الإشارات العدائية، سعيا لغرس بذور الصداقة. وجدير بالذكر أن الهند طلبت من باكستان مرتين، من قبل تقليص حدة التعبيرات العدائية خلال هذه المراسم، لكن باكستان رفضت. وقد كانت المرة الأولى قبل ثلاث سنوات، والثانية بعد ذلك بعام ونصف العام.

وقال هيمات سينغ، المفتش العام لدى مقر رئاسة البنجاب الحدودي بقوات أمن الحدود الهندية، في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»: «مثل هذا الضرب الشديد بالأحذية على الأرض، الذي يمارسه الجنود يضر بهم. بالفعل، يعاني الكثير من الجنود من الجانبين من أضرار تتراوح بين البسيطة والحادة في مفاصل الجزء الأسفل من أجسادهم. وقد اقترحنا تقليص مظاهر القوة والعدوانية خلال العرض العسكري اليومي، ثم اتخذنا قرارا انفراديا بتنفيذ ذلك». وأضاف: «الآن، وافق حرس الحدود الباكستانيون أيضا على المقترح، وقللوا من استخدامهم قبضة اليد، وإشارات إصبع الإبهام، وتحديق جنود الجانبين في بعضهم بعضا، لكنهم رفضوا خفض حدة ضرب الأرض بالأقدام ومدها إلى الأمام، مشيرين إلى أن تلك إشارات على الحماس ولياقة الجنود».

الآن، بعد فتح الحدود بين الجانبين، يتبادل الجنود الابتسامات والمصافحة بود، بينما كانت المصافحة بين الجنود تجرى من قبل على نحو يقطر عداء. وفي هذه الأثناء، عمدت الهند إلى الاستعانة بنساء في وحدة أمن الحدود للمرة الأولى في تاريخها، كجزء من جهودها لخفض حدة المراسم العسكرية على الحدود.

وقال محمد عقيل، نائب المفتش العام في قوات حرس الحدود الهندية: «لا يزال الأمر في مرحلة التجريب. سنراقب على مدار بضعة أيام أداء العناصر النسائية. إنها مهمة عسيرة للغاية، وإذا شعرن بالارتياح ولم يتعرضن لأذى، سنبقي عليهن».

يذكر أنه جرى تكليف النساء بقيادة المراسم العسكرية وتقدم المسيرة المتجهة نحو البوابة الدولية الحديدية، حيث يوجد علما الهند وباكستان. ويأتي قرار الاستعانة بجنود نساء في أعقاب اتفاق الجنود في الجانبين على الحد من المظاهر العدوانية في المراسم العسكرية اليومية.

ومعروف أن الهند وباكستان خاضتا 3 حروب، منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947. ويتحرك البلدان النوويان حاليا، وإن كانا بخطى متثاقلة، نحو إحياء محادثات السلام بينهما، التي تجمدت في أعقاب هجمات مومباي عام 2008، التي ألقت الهند اللوم فيها، على متشددين يتخذون من باكستان مقرا لهم.