السلطات الإسرائيلية تزيل «العراقيب» في النقب.. وأهلها يتعهدون بإعادة بنائها

بمشاركة 1300 شرطي.. ووسط احتجاجات فلسطينيي 48

اب وطفلاه يصلون في موقع منزلهم الذي هدمته السلطات الاسرائيلية مع بقية منازل قرية العراقيب البدوية في النقب، امس (ا ف ب)
TT

هدمت جرافات وزارة الداخلية الإسرائيلية، أمس، قرية العراقيب على ما فيها من بيوت الصفيح وأشجار وسوتها بالأرض، وشردت المئات من المواطنين العرب في إسرائيل (فلسطينيي 48) وتركتهم في العراء في منطقة النقب الجنوبية، وذلك من أجل توسيع مدينة بئر السبع لصالح السكان اليهود.

والعراقيب قرية بدوية قديمة في النقب، تقع قرب مدينة رهط في بئر السبع، تحتوي على مقبرة قديمة وآثار تاريخية كثيرة، تؤكد أنها كان مسكونة عبر مئات السنين. ولكن السلطات الإسرائيلية خططت لإقامة حديقة قومية في موقعها، حتى تمنع امتداد مدينة رهط العربية جنوبا باتجاه بئر السبع. فطاردت دائما أهلها، وفي فبراير (شباط) الماضي جرفت أراضي ودمرت منتجاتها الزراعية وأبلغت أهلها بأن عليهم الانتقال للسكن داخل المدينة المجاورة ومغادرة أراضيهم.

وعندما رفضوا التنازل عن أراضيهم أصدرت أوامر هدم لجميع بيوت الصفيح التي يقيمون فيها. وفي مايو (أيار) الماضي حاولت هدم البيوت، لكن الأهالي تصدوا لها وأفشلوا خطتها. وأقدمت جرافات وزارة الداخلية صباح أمس على تنفيذ الأوامر، تحرسها قوات كبيرة من الشرطة والوحدات الخاصة قدرت بنحو 1300 عنصر. وحرصت هذه القوات على إخلاء السكان بالقوة وبعد الهدم، دفنت محتويات البيوت تحت الأرض، كما قامت بتجريف الأراضي مرة أخرى واقتلاع الأشجار.

وأدت عملية الهدم إلى ردود فعل غاضبة من الأهالي، فأشعلوا الإطارات المطاطية وأغلقوا الشوارع، ووقعت مواجهات بينهم وبين قوات الشرطة. وبدورها قامت الشرطة بتطويق البلدة وإغلاق مداخلها. وخلال المواجهات العنيفة وقع عدد من الإصابات، واعتقلت قوات الشرطة عددا من المتظاهرين المحتجين على عملية الإخلاء والهدم. وأكد رئيس لجنة الدفاع عن القرية، يوسف أبو زايد، أن الأهالي لن يرحلوا عن أراضيهم، وأنهم سيعيدون بناء البيوت مرة أخرى في أقرب وقت. وبالفعل نصبوا خياما مكان هذه البيوت أمس، تمهيدا لإعادة البناء.

وقال عماد أبو فريج، الناطق باسم لجنة الدفاع عن أراضي العراقيب: «إنهم يريدون إقامة مستوطنات ومزارع على حساب أراضينا». وأضاف بعض أهالي القرية أن السلطات الإسرائيلية قامت بإزالة كافة معالم القرية عن الوجود واقتلعت حتى الأشجار.

واستنكرت لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل عمليات الإخلاء والهدم ووصفتها بالبربرية، وعقدت اجتماعا طارئا لها على أرض قرية العراقيب، بجانب مقبرة القرية، وحذرت من أن السلطات الإسرائيلية تمارس سياسة إرهاب الدولة تجاه مواطنيها العرب. كما استنكر العملية رئيس حزب ميرتس، عضو الكنيست حايم أورون، قائلا إن الحكومة، وبدلا من أن تفتش عن حلول إنسانية معقولة للنزاعات حول الأراضي في النقب، تتعامل مع العرب بوحشية كما لو أنهم الأعداء.

ودعت الحركة الإسلامية في إسرائيل في بيان إلى تحرك سريع «لمعالجة هذه الجريمة النكراء حتى لا نصبح جميعنا لقمة سائغة لأعدائنا المتربصين بنا، فنقول حينها أُكلت يوم أُكلت العراقيب». وطالبت الأهالي بالصبر والثبات على أرضهم ووعدتهم أن تكون لهم العون والمدد، منددة بـ«العدوان الهمجي والبربري، ونحمل حكومة إسرائيل تبعات عدوانها هذا، ونطالبها بالانسحاب الفوري من داخل القرية والتوقف عن هدم البيوت». وناشدت الحركة فلسطينيي الداخل «الوقوف إلى جانب إخوانهم من عرب العراقيب ومساندتهم، وندعوهم لترقب الخطوات التي ستتخذ في الموضوع». وقال سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، أيمن عودة: «إن شباب النقب مصرون على إعادة بناء القرية ابتداء من اليوم، ولن نسمح لهذه الجريمة أن تمر». وأضاف عودة أن «هذه الجريمة تعكس العقلية العنصرية الحاقدة، ولكن جرائمهم لن ترهبنا ولن تثنينا، لأن البقاء والحفاظ على الأرض هو غايتنا ورأس أهداف نضالنا، ولا مساومة عليه، والنقب لن يكون وحيدا في هذه المعركة التي تطالنا جميعا وفي جميع المناطق».

ووصل العشرات من القياديين البدو إلى العراقيب وأعلنوا عن إنشاء صندوق تبرعات لإعادة بناء المنازل المهدمة. والتأمت لجنة المتابعة العربية العليا أمس في العراقيب وعقدت جلسة لها هناك، ووضعت خططا لإعادة بناء القرية، والسعي لتوفير الدعم المادي لهذا الغرض.

والجدير بالذكر أن نحو 200 ألف مواطن عربي من فلسطينيي 48 يعيشون في منطقة النقب، يعانون من مخططات ترحيل جماعية وتركيزهم في قرى جديدة تفتقر إلى الخدمات المدنية. وهناك 70 ألفا منهم يسكنون في قرى لا تعترف بها السلطات الإسرائيلية، رغم أنها قائمة قبل قيام إسرائيل. وهي تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الإنسانية. وترحيل أهالي العراقيب خطوة واحدة من سلسلة خطوات تستهدف تدمير القرى غير المعترف بها ونهب مئات ألوف الدونمات من أراضيهم.