الوثائق السرية لحرب افغانستان : الوثائق السرية المسربة قد تضر بجهود دعم حرب أفغانستان

تقدم تفاصيل أكثر قتامة وجاءت في وقت حرج لإدارة الرئيس أوباما

جندي بريطاني في دورية في احد شوارع العاصمة كابل بجانب صبي يركب دراجة هوائية امس (رويترز)
TT

كثف الكشف عن أرشيف ست سنوات من الوثائق العسكرية السرية من الضغوط التي يواجهها الرئيس أوباما للدفاع عن إستراتيجيته العسكرية، في الوقت الذي يستعد فيه الكونغرس لمناقشة تمويل الحرب في أفغانستان.

الوثائق التي تم الكشف عنها، والتي تقدم تفاصيل أكثر قتامة عن الحرب مما حاولت الإدارتان السابقتان إظهاره، جاءت في وقت حرج للغاية. فقد دفعت الصعوبات التي تواجه قوات الولايات المتحدة على الأرض والخسائر المتزايدة إلى بدأ النقاشات بشأن الوجود الأميركي في أفغانستان في وقت مبكر عما كان متوقعا، كما شرع الكثير من مسؤولي الإدارة في دراسة الاستراتيجية.

وفي الكونغرس، سارع قادة مجلس النواب لعقد جلسة تصويت على مشروع قانون تمويل الحرب الحرج، أمس الثلاثاء، خشية أن يؤدي الكشف عن الوثائق إلى إثارة المعارضة الديمقراطية على القرار. ومن المتوقع أن يعقد مجلس الشيوخ جلسة استماع أمس الثلاثاء حول اختيار أوباما قائد القيادة الوسطى الجنرال جيمس ماتيس، الذي سيشرف على العمليات في أفغانستان.

كان مسؤولون في الإدارة قد اعترفوا بأن الوثائق التي نشرت على شبكة الإنترنت على موقع «ويكيليكز» ستزيد من الصعوبات التي يواجهها الرئيس أوباما في الاعتماد على دعم الكونغرس والرأي العام حتى نهاية العام الحالي، موعد مراجعة العملية العسكرية.

وقال مسؤول في الإدارة يوم الاثنين: «لا نعلم كيفية الرد على ذلك، فالواضح أن الكونغرس والرأي العام في حالة مزاجية سيئة». ومن ثم يواجه الرئيس أوباما خيارا صعبا: فإما أن يحاول العثور على وسيلة لإقناع الكونغرس والشعب الأميركي بأن استراتيجيته لا تزال ماضية في طريقها ومثمرة أو الانتقال سريعا إلى وجود أكثر محدودية هناك.

ومع تجدد النقاشات حول الحرب، ساق مسؤولو الإدارة نفس حجج الإدارة السابقة للدفع عن استمرار الاستراتيجية الحربية في أفغانستان. فقال ريتشارد هولبروك، المبعوث الخاص لإدارة الرئيس أوباما إلى أفغانستان وباكستان في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية قبل أسبوعين بأن الحرب الأفغانية ترقى إلى مصاف قضايا الأمن القومي الأميركي.

وساق السكرتير الصحافي للبيت الأبيض روبرت غيبس حجة مشابهة أول من أمس الاثنين ردا على الوثائق التي أتاحها موقع «ويكيليكز» لصحيفة «نيويورك تايمز»، وصحيفة «الغارديان» البريطانية ومجلة «دير شبيغل» الألمانية.

وقال غيبس: «نحن نوجد في هذه المنطقة من العالم بسبب ما حدث في 11/9، لضمان عدم قيام ملاذات آمنة في أفغانستان يمكن أن تنطلق منها هجمات ضد الولايات المتحدة ودول العالم الأخرى وربما يكون ذلك السبب في أننا سنواصل تحقيق تقدم في هذه العلاقة».

وكان العديد من مسؤولي الإدارة قد عبروا سرا عن أملهم في استخدام الوثائق، ووصفها للحليف الباكستاني بذي الوجهين، للضغط على الحكومة الباكستانية للتعاون بشكل كامل مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. وتعرض الوثائق تفاصيل جديدة حول العلاقات بين طالبان والمجموعات المقاتلة الأخرى ووكالة الاستخبارات الباكستانية المعروفة اختصارا بـISI.

هذا، وقد أعرب ثلاثة مسؤولين في الإدارة الأميركية بشكل منفصل عن أملهم في أن يتمكنوا من استخدام الوثائق للحصول على دعم أكبر من الحكومة الباكستانية. وتوقع اثنان منهم إمكانية توجيه تحذير إلى باكستان بأن غضب الكونغرس ربما يهدد المساعدات الأميركية.

وقال مسؤول في الإدارة: «الأمر الآن لم يحسم بعد، وهذه حقيقة واقعة، وبصورة ما، تجعل من السهل علينا إعلام الباكستانيين بأن عليهم مساعدتنا».

لكن المساعي الأميركية التي بذلت خلال اليومين الماضيين، كانت في سبيل التأكيد على أن العلاقات بين وكالة الاستخبارات الباكستانية وطالبان معروفة.

وقال غيبس: «لا أعتقد أن ما نشر لم يأت بجديد، حيث كانت تلك الموضوعات مثار نقاشات من الصحافيين أو الحكومة الأميركية، لبعض الوقت».

وعلى الرغم من أن الكشف ليس جديدا كلية، فإن بعض قادة الديمقراطيين قالوا إن التفاصيل الجديدة تؤكد على الشكوك العميقة تجاه جهاز الاستخبارات الباكستاني.

وقال السيناتور كارل ليفن، العضو الديمقراطي عن ولاية ميتشغان، الذي يرأس لجنة الخدمات المسلحة، «تعزز بعض هذه الوثائق القلق الأميركي القديم بشأن الدور الداعم لبعض المسؤولين الباكستانيين في التمرد الأفغاني». وخلال الزيارة التي قام بها إلى أفغانستان هذا الشهر واجه ليفن كبار المسؤولين الباكستانيين بالتقارير حول استمرار الصلات بين مسؤولي الاستخبارات الباكستانية والجماعات المسلحة. فيما أصر آخرون على ضرورة استخدام الوثائق لتعديل أوجه القصور في الاستراتيجية.

وقال السيناتور جون كيري، العضو الديمقراطي عن ولاية ماساشوتس الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية، وأبرز الداعمين للحرب: «تمر السياسات بمرحلة حرجة، وربما تؤكد هذه الوثائق على المخاطر وتشدد على أهمية التقييم للوصول إلى السياسة الصائبة بصورة أسرع».

وقد وجه البيت الأبيض انتقادات لجوليان أسانغي، مؤسس موقع «ويكيليكز» الذي أتاح الدخول إلى 92.000 صفحة من التقارير العسكرية السرية التي تغطي الفترة من يناير (كانون الثاني) 2004 وحتى ديسمبر (كانون الأول) 2009.

وقد بعث البيت الأبيض برسائل بريد إلكتروني إلى الصحافيين تحمل مقتطفات من مقابلة مع أسانغ التي أجراها مع «دير شبيغل»، أكد فيها على العبارات التي وجدها البيت الأبيض معادية، والتي كان من بينها تأكيد أسانغ على أنه «يستمتع بسحق الأوغاد».

وخلال مؤتمر صحافي في لندن يوم الاثنين دافع أسانغ عن نشر الوثائق، فقال: «أود أن أرى هذه الوثائق تؤخذ بجدية ويتم التحقيق فيها وأن ينتج عنها سياسات جديدة لا محاكمات».

وقد راعت «التايمز» ومؤسستان صحافيتان أخريان عدم الكشف عن أي شيء يتوقع أن يعرض حياة الجنود أو القوات العسكرية أو عمليات مكافحة الإرهاب للخطر، كما حجبت الصحف أسماء المخبرين الأفغان والمعلومات الحساسة الأخرى من الوثائق التي نشرتها. وقال «ويكيليكز» إنه حجب ما يقرب من 15.000 وثيقة لنفس السبب. وقد رفضت الحكومة الباكستانية بشدة الادعاءات بقيام عملاء الاستخبارات العسكرية الباكستانية بتنسيق التمرد الأفغاني. وأدان مسؤول بارز في الاستخبارات الباكستانية، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، بشدة التقارير واصفا إياها بأنها جزء من حملة حاقدة للقدح في وكالة التجسس، وأن الاستخبارات الباكستانية «ستواصل عملها في استئصال شأفة الإرهاب بمساعدة الغرب أو دونها». كما نفى فتح الله بابار، المتحدث باسم الرئيس الباكستاني، آصف على زارداري، المزاعم التي ذكرتها التقارير مشيرا إلى أن باكستان لا تزال جزءا من التحالف الاستراتيجي للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب.

وعلى الرغم من الاعتراضات الرسمية الباكستانية، أوضح المتحدث باسم الرئيس الأفغاني حميد كرزاي أن الرئيس كرزاي لم يغضب من التقارير ولا يعتقد أن الصورة التي رسمتها الوثائق غير منصفة. وقال المتحدث باسم الرئيس كرزاي، وحيد عمر، في مؤتمر صحافي في كابل عندما سئل عما إذا كان هناك ما أغضب الرئيس في الوثائق أو اعتقد أنها غير منصفة، رد بالقول «كلا، لا أعتقد ذلك».

* «نيويورك تايمز»