«ويكيليكس» مثل أعلى للصحافة الاستقصائية أم خطر داهم؟

مؤسس الموقع: «جرائم حرب» ارتكبت في أفغانستان.. وعشرات الحوادث تشير لوقوع ضحايا مدنيين

TT

بعد تجاوز مرحلة الغضب التي عمت وزارة الدفاع الأميركية إثر نشر وثائق سرية عن تورط الجنود الأميركيين في مقتل مدنيين أفغان، وعلاقات مشبوهة للاستخبارات الباكستانية مع حركة طالبان. يسعى البنتاغون الآن للتحقيق حول مصادر تسريب هذه الوثائق، التي قام بنشرها موقع «ويكيليكز» على شبكة الإنترنت.

الناطق باسم وزارة الخارجية، فيليب كراولي، قال إن الناس في أفغانستان أو في باكستان يقومون بالشيء نفسه الذي يقوم به الناس في الولايات المتحدة وفي الدول الأخرى. فهم يحاولون فهم هذه الوثائق ثم تحليلها بترو، ولكن في نهاية الأمر فإن هذه الوثائق تشير إلى مشكلات نحن نعرفها من قبل. فيما يقول محللون آخرون: «إن نشر معلومات عن اتصال المخابرات الباكستانية بطالبان يهدف فقط لتشويه العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة». الوثائق التي قام بنشرها موقع «ويكيليكز» أشارت إلى تورط رئيس جهاز الاستخبارات الباكستاني السابق الجنرال حميد غول في القيام باتصالات سرية مع طالبان، إضافة إلى مقتل نحو مائتي مدني أفغاني على يد القوات الدولية. وأثارت آخر حلقة من المسلسل الطويل لتسريبات «ويكيليكز» هذه، والتي أكسبته سمعة نشر معلومات سرية وحساسة تتعلق بحكومات ومنظمات وهيئات مرموقة، حفيظة البيت الأبيض وانتقاداته، نظرا لما تم الكشف عنه من تفاصيل حوادث قتل لمدنيين أفغان وعمليات سرية نفذتها القوات الخاصة الأميركية ضد قادة حركة طالبان.

يذكر أن «ويكيليكز» موقع يحيط نفسه بشيء من السرية والغموض. لكن يعرف عنه أنه «منظمة دولية» تتخذ من السويد مقرا لها. وهو يتخصص فقط في كشف النقاب عن الوثائق والقرارات الحساسة الصادرة عن الحكومات أو المؤسسات والمنظمات، ولا يمانع أيضا في نشر فضائح كبار المشاهير والأثرياء. لكنه يحرص قبل كل شيء على سرية هويات مصادره.

وتبعا للمعلومات المتوفرة، فقد تأسس الموقع في ديسمبر (كانون الأول) 2006 وتديره وكالة الأنباء «صنشاين برس»، ويرد على الموقع أنه تأسس على أيدي بعض المعارضين للنظام الصيني، إضافة إلى عدد من الصحافيين والمشتغلين بعلم الرياضيات وخبراء التكنولوجيا من الولايات المتحدة وأوروبا وتايوان وأستراليا وجنوب أفريقيا. وقد عقد جوليان أسانج، وهو صحافي أسترالي وناشط في حقوق الإنسان على الإنترنت، مؤتمرا صحافيا ظهر أول من أمس في لندن باعتباره «مؤسسا مشاركا للموقع ومديره الحالي». وتبعا له فإن أهمية الوثائق الملحمية عن أفغانستان تكمن في أن الحرب في حد ذاتها «مفهوم قذر». وقال إن القضاء قد يقرر أن ثمة «جرائم حرب» ارتكبت فيها. وضرب مثالا على ذلك بقصف وحدة «تاسك فورس 373» الأميركية الخاصة منزلا بالصواريخ، وكان بين ضحايا هذا الاعتداء سبعة أطفال أفغان. ومن بين ما نشره الموقع أيضا سلسلة «المحظورات» فيما يتعلق بمعتقل غوانتانامو. وبسبب طبيعة عمله، تعتبره أجهزة المخابرات الأميركية خطرا على الأمن القومي. وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الحالي، نشر «ويكيليكز» على موقعه على الشبكة العنكبوتية شريط فيديو، يظهر هجوما نفذته طائرة هليكوبتر أميركية من نوع أباتشي ضد مجموعة من العراقيين في أحد أحياء بغداد عام 2007، مما أدى لمقتل 12 شخصا، من بينهم صحافيان يعملان لصالح وكالة «رويترز» للأنباء. وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، نشر الموقع أيضا قائمة بأسماء وعناوين أشخاص، قال إنها تعود لأعضاء في الحزب القومي البريطاني المتطرف «بي إن بي» (BNP) الذي وصف تلك الخطوة بأنها «عملية تزوير خبيثة». وخلال الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2008، نشر الموقع أيضا لقطات تظهر البريد الإلكتروني ودفتر العناوين والصور الخاصة بالمرشحة الجمهورية لمنصب نائب الرئيس، سارة بيلين. ومن بين الوثائق الأخرى المثيرة للجدل، والتي نشرها «ويكيليكز» في موقعه على الإنترنت، نسخة من إجراءات التشغيل الموحدة لمعسكر دلتا، وهي وثيقة تتضمن تفاصيل القيود المفروضة على السجناء في معتقل خليج غوانتانامو الأميركي بكوبا. وكان موقع «ويكيليكز» قد أثار جدلا واسعا عندما تم إنشاؤه في شهر ديسمبر من عام 2006، ولا تزال الآراء منذ ذلك الحين منقسمة حياله بين مؤيد ومعارض لما يقوم بنشره. ففي الوقت الذي يشيد البعض به «كمثال على الصحافة الاستقصائية»، يعتبره البعض الآخر «خطرا داهما في حد ذاته». وفي أواسط شهر مارس (آذار) الماضي، نشر مدير موقع «ويكيليكز»، جوليان بول أسانج، وثيقة قال إنها صادرة عن أجهزة الاستخبارات الأميركية، وجاء فيها أن الموقع «يمثل تهديدا للجيش الأميركي».

هذا وقد أكدت الحكومة الأميركية فيما بعد لـ«بي بي سي» أن «تلك الوثيقة حقيقية بالفعل». هذا ويمكن لأي شخص كان أن يقدم، بشكل لا يضطر معه للكشف عن هويته، وثائق لموقع «ويكيليكز» الذي يقول إنه يضم أكثر من مليون وثيقة. إلا أن من يقرر في نهاية المطاف ما ينشر على الموقع هو فريق من الخبراء الذين يقومون بمراجعة وتقييم الوثائق، بالإضافة إلى متطوعين من وسائل إعلام كبرى ورئيسية في العالم، وصحافيي وموظفي «ويكيليكز» أنفسهم. ويقول الموقع أيضا إنه يقبل تلقي «مواد ووثائق سرية، أو مواد تكون خاضعة للرقابة، أو لقيود هي على قدر من الأهمية السياسية، أو الدبلوماسية، أو الأخلاقية». ولكن الموقع في الوقت ذاته لا يقبل المواد والوثائق التي تقوم على «الإشاعات والأقاويل والآراء، أو أي نوع من البلاغات والتحقيقات الأولية، أو المواد التي باتت معروفة ومتاحة للعامة».