صيف المغرب «عسل» و«فواكه» و«موسيقى» و«فروسية».. وأيضا مهرجان للحمير

مهرجانات أكثر من أن تحصى.. في القرى والمدن

فرقة رقص فلكلوري من جنوب المغرب («الشرق الأوسط»)
TT

مهرجانات المغرب تعاند وتسابق بعضها، مهرجانات في القرى، مهرجانات في المدن، خليط جميل وعجيب: مهرجانات «العسل»، و«الجوز»، و«حب الملوك»، و«الرمان»، وأخرى لـ«السينما»، و«المسرح»، و«الشعر»، و«الراي»، و«العيطة»، و«الرقص المعاصر»، و«كناوة»، و«السحر»، و«الفكاهة»، و«الطبخ»، وغيرها.

مهرجانات تختلف في توجهها ومواضيعها، تتباين في درجة الإقبال عليها، إذ في الوقت الذي يستطيع فنان شعبي أن يستقطب جمهورا يفوق المائة ألف متفرج، لا يكاد «جمهور الشعر» يتعدى عدد أفراد فريق لكرة السلة، وفي أحسن الأحوال، عدد أفراد فريق للكرة المستطيلة! مهرجانات المغرب أكثر من أن تحصى، تمتد على طول السنة، ويتزايد عددها بشكل خاص خلال فصل الصيف، الذي يرتبط بالحصاد والأعراس وعودة المهاجرين المغاربة من الخارج، لزيارة الأهل وصلة الرحم.

ولعل ما يميز مهرجانات المغرب، عن مثيلاتها، في أغلب دول العالم، أنها لم تترك فكرة إلا جعلتها موضوعا لفعالياتها، فهناك مثلا «المهرجان الدولي للسحر»، الذي ينظم بمراكش، خلال مارس (آذار)، وهو مهرجان يشدد منظموه على أنه «ليس تظاهرة للسحر الخالص، بل للألعاب السحرية». من جهته، رفع «المهرجان الدولي للفكاهة لمراكش»، خلال دورة هذه السنة، التي نظمت في شهر يونيو (حزيران) الماضي، شعار «مراكش الضحك». ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي ينظم فيها مهرجان دولي للضحك أو الفكاهة بمراكش، إذ سبقته موجة من المهرجانات، التي جعلت من الضحك والفكاهة موضوعا لها، في محاولة لاستثمار عالمية المدينة الحمراء، التي حولتها إلى أرض لتنظيم شتى أصناف المهرجانات والمؤتمرات.

بعض المراكشيين يرون أن تنظيم مهرجانات للفكاهة وللضحك في مدينة «ضاحكة»، ومعروفة ببهجتها وطابع أهلها المرح والفكاهي، يبقى مغامرة غير محمودة العواقب، وأشبه بمحاولة تعليم الكوريين أصول «فنون الحرب»، واليابانيين أسهل الطرق للتلاعب بفأرة الحاسوب، والألمان أفضل التقنيات لتطوير سيارات المرسيدس، والبرازيليين أحسن السبل لتفريغ المواهب الكروية.

ونظرا لكثرة المهرجانات التي تنظم في المغرب، فقد صار بالإمكان تجميعها ضمن محاور، تتحدد حسب فكرة كل تظاهرة، حيث نكون مع مهرجانات تحتفي، مثلا، بالحيوانات، وتجعلها محور فعالياتها، وأخرى تحتفي بالفواكه، بينما يمكن إدخال مهرجانات «السحر» و«الفكاهة»، مثلا، ضمن خانة «المنوعات»، بل إن هناك من يربط الحديث عن هذه المهرجانات بعالم الكرة، فيتحدث عن مهرجانات الدرجة الأولى، والدرجة الثانية، والدرجة الثالثة، وصولا إلى الهواة! ومن بين كل مهرجانات المغرب يتميز «مهرجان بني عمار»، بتضمين برنامجه فقرة تتعلق بمسابقات الحمير، في صيغة «كرنفال» للحمير. وخلال آخر دورات المهرجان، فاز الحمار «نوفل» بمسابقة أجمل حمار، كما فاز بالمرتبة الثالثة في مسابقة أسرع حمار، في حين سقط «بوش» (الحمار وليس الرئيس) في مسابقتي الجمال والسرعة. واستعرض محمد بلمو، الشاعر ومدير المهرجان، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بعض الطرائف التي رافقت إحدى دورات المهرجان، فقال: «كانت هناك حملة طبية أسهم فيها 12 طبيبا، واستفاد منها أكثر من 250 فردا، وفي الوقت نفسه، كانت هناك حملة بيطرية للبهائم، استفاد منها نحو 200 دابة، من الحمير والبغال. أحد المشاركين في المهرجان صور لقطة فيديو لحمار تقدم وحده حتى وصل إلى نهاية الصف الخاص بالحملة البيطرية، ووقف ينتظر دوره، في المقابل عانى المنظمون كثيرا من تزاحم الناس، الذين كانوا يريدون الاستفادة من الحملة الطبية دون أن ينتظموا في صفوف أمام مكاتب الأطباء وصيدلية الحملة». والجميل أن المنظمين وضعوا قوانين صارمة للحفاظ على كرامة الحمير، خلال المنافسات، بمنع استعمال العصي والهراوات، أو أدوات الوخز، أو ضرب الحمير بالأرجل أثناء السباقات، كما منعت شتم الحمير، وحثها على الجري بعبارات غير مناسبة ومهينة. ويرى بعض المتتبعين لمهرجانات المغرب، أنه في الوقت الذي تصر فيه كثير من مهرجانات المغرب على دعوة نجوم الشرق والغرب، ممن ينزلون في أفخم الفنادق ويتقاضون أتعابهم بالعملة الصعبة، أبدع منظمو «مهرجان بني عمار» فكرة متجذرة في تراب الأرض، سعوا من خلالها إلى خلخلة الفكر الجاهز، واستفزاز الأحكام المسبقة عبر كرنفال يجعل الحمير نجوما في مسابقات السرعة والجمال، نجوما تقنع عند الفوز بأكياس من الشعير وتبن من النوع الجيد: «إنه كرنفال غير مسبوق، نبت في (الهامش)، أجمل ما فيه أنه يدعونا إلى التخلي عن التشبث السطحي بالمواقف والأحكام الجائرة وغير العلمية في حق الحمير»، هذا ما يقوله المنظمون في تقديمهم لفقرة «الكرنفال». هذه السنة لم ينظم مهرجان بني عمار، ولم يتم تقديم فقرة «كرنفال الحمير»، لكن مهرجان «أسبوع الجمل» بكلميم كان وفيا لجمهوره، واستطاع أن ينظم دورته الرابعة، تحت شعار «كلميم.. الذاكرة المشرقة والمستقبل الواعد»، كما كان «الفرس» نجم عدد من مواسم ومهرجانات الفروسية التقليدية، على امتداد المغرب وفصول السنة.

وتعود فنون الفروسية التقليدية، في المغرب، إلى القرن الخامس عشر الميلادي، ويطلق عليها اسم «التبوريدة»، التي ترجع إلى «البارود»، الذي تطلقه بنادق الفرسان في نهاية كل جولة من جولات الاستعراض الذي يقومون به. وتتعدد احتفالات المغاربة بفن «التبوريدة»، في المناسبات الخاصة والعامة، وترتبط، أساسا، بالأعراس والأعياد ومواسم الحصاد. ولوحظ، في السنوات الأخيرة، اهتمام متزايد بفن الفروسية التقليدية، سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، حيث صارت تعقد مسابقات، يحصل خلالها الفائزون على جوائز مهمة، تزيد صاحبها فخرا يضاف إلى الفخر الذي يشعر به وهو يمتلك فرسا بين أفراد القبيلة، كما لوحظ حرص متزايد من طرف الجنس اللطيف على تعلم «التبوريدة» وركوب الخيل، حتى صارت تخصص مسابقات للفارسات، أسوة بمسابقات الفرسان.

وفي مراكش، ينظم «مهرجان الجوز»، بإقليم الحوز، الذي وصل، هذه السنة، إلى دورته الخامسة، التي نظمت تحت شعار «حماية وتثمين شجرة الجوز في خدمة التنمية المستدامة». وفي توقيت تنظيم «مهرجان الجوز » نفسه، نظم بمدينة إيموزار إدا وتنان (شمال أغادير) مهرجان، تم خلاله الاحتفاء بالعسل والنباتات الطبية. ويتيح المهرجان تأهيل قطاع العسل وتوفير إطار للخبراء والمنتجين، للتفكير في سبل تطوير وتثمين هذا الموروث الثقافي والاقتصادي. أما مهرجان «أبزو الثقافي والسياحي»، الذي ينظم بمنطقة أزيلال (وسط المغرب)، فيرفع شعار «الجلباب البزيوي: موروث ثقافي ورافد تنموي»، ويتم خلاله التعريف بالجلباب «البزيوي»، للوقوف على تاريخ وأصل هذا الزي، الذي يعد من أرقى وأجمل وأشهر أنواع الزي التقليدي المغربي الأصيل، واطلاع عشاقه على سر تميزه كلباس مفضل لدى المغاربة، ممن يحرصون على التألق خلال المناسبات الدينية والوطنية، مع الوقوف على مراحل إنتاجه وكيفية تسويقه. أما المهرجان الدولي لفن «الراي» بوجدة، الذي وصل إلى محطته الرابعة، فيتميز بمشاركة نجوم مغاربة وأجانب، ويعتبر محطة لإبراز تطور هذا اللون الموسيقي، وفرصة للتواصل مع نجوم مغاربة، بينما يهدف مهرجان «الدقة والإيقاعات»، بتارودانت، الذي ينظم في شهر يوليو (تموز)، بمشاركة فرق شعبية، تمثل مختلف جهات المغرب، إلى دعم الجهود الرامية إلى النهوض بالقطاع السوسيوثقافي، في المدينة، من خلال منح العمل الثقافي فرصة لتثمين مؤهلات الصناعة التقليدية والسياحة، التي تزخر بها المنطقة، وكذا الحفاظ على خصوصيات «فن الدقة»، نظرا لارتباطه الوثيق بالهوية الثقافية المحلية.

من جهته، وصل المهرجان الوطني لـ«فن العيطة»، بآسفي، إلى دورته التاسعة. ويعتبر «فن العيطة»، إلى جانب بعده الموسيقي والغنائي، نصا مفتوحا يوثق لمعطيات تاريخية وإثنوغرافية لمناطق شاسعة من المغرب، وهو الشيء الذي يبرر اختيار «فن العيطة توثيق للذاكرة الشعبية»، شعارا لدورة هذه السنة.

أما مهرجان «الطقطوقة الجبلية» بطنجة، فقد وصل إلى دورته الرابعة، التي نظمت هذه السنة تحت شعار «تمازج الثقافات الموسيقية بين ضفتي المتوسط». وتسعى التظاهرة إلى المحافظة على تراث «العيطة الجبلية» من الاندثار، والرقي بالفنون المجاورة له، كرقصة «الحصادة»، وتراث «عيوع» و«بوجولد»، وغير ذلك من أشكال الفنون المنتشرة بمنطقة «جبالة»، بشمال المغرب. وفضلا عن هذه المهرجانات الاستثنائية، في توجهها وخياراتها، تبقى هناك مهرجانات ذات مواضيع تقليدية. فمع «موسم أصيلة الثقافي الدولي»، مثلا، الذي تأسس عام 1978، تحولت أصيلة، هذه المدينة الصغيرة والنائمة في هدوء، على شاطئ المحيط الأطلسي، إلى مدينة للفنون، مفتونة بانشغالات الإبداع والفن والسياسة والتنمية.

ومنذ 32 عاما، ومدينة أصيلة تتحول، مع كل موسم ثقافي، إلى مجمع للنقاش الثقافي، ومرسم كبير، ومعرض مفتوح في الهواء الطلق، أمام الزوار والسكان، شبابا وأطفالا، رجالا ونساء، حتى صارت حكاية «موسم أصيلة الثقافي الدولي»، هي نفسها حكاية الجداريات والألوان التي تراكمت على جدران دور المدينة العتيقة. وبعيدا عن الأسئلة والمحاور «الثقيلة»، التي تميز مختلف الندوات في إطار فعاليات «الموسم الثقافي الدولي لأصيلة»، التي يتبادل خلالها المشاركون وجهات النظر، بصدد قضايا تهم حاضر العالم وأزماته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، تتكفل العروض الموسيقية والغنائية بالتخفيف من صرامة النقاش وجدية محاور الندوات، الشيء الذي يضفي على ليل أصيلة الساحر بهجة وأنسا. من جهتها، تتحول مراكش، مع كل دورة من دورات «المهرجان الدولي للفيلم»، إلى مدينة تتحدث لغة الفن السابع، وتتحرك على إيقاع المشاهدة السينمائية.

ويشهد المهتمون بالسينما والمتتبعون لخريطتها عبر العالم، بتحول المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، إلى موعد سنوي يلتقي فيه المهنيون وعشاق السينما من كل بقاع العالم، حيث يستمتعون بأجمل الأفلام، ويطرحون انشغالاتهم، ويتبادلون خبراتهم وتجاربهم، ويطورون مشاريع مستقبلية مشتركة، على مستوى الإبداع والإنتاج، كما يحسبون له استقطابه لأسماء بارزة، على الصعيد السينمائي الدولي.

من جهته، يحرص مهرجان «موازين.. إيقاعات العالم»، كل سنة، على جلب أشهر مطربي العالم، الشيء الذي يمكّنه من استقطاب جمهور غفير يتجاوز، في كل حفل، مائة ألف متفرج، الشيء الذي ينعكس إيجابيا على الترويج التجاري والاقتصادي، وترسيخ صورة مدينة الرباط كمدينة منفتحة على العالم، أما «المهرجان الوطني للفنون الشعبية»، الذي تحتضنه مراكش، منذ عام 1960، فيعتبر أقدم حدث فني بالمغرب، كما يبقى المهرجان الوطني الوحيد، الذي يسلط الضوء على التراث الشعبي النابع من مختلف مناطق وجهات المملكة، فضلا عن أنه يشكل مناسبة لتثمين الموروث الثقافي المغربي، وفرصة لإنعاش القطاع السياحي بالمدينة الحمراء.

وإذا كانت الفنون الشعبية في المغرب تشكل جزءا من الحياة اليومية للمغاربة، ومرجعية للهوية الوطنية، فإن المهرجان الوطني للفنون الشعبية بمراكش ظل يشكل، بحسب عدد من المتتبعين، شهادة للوحدة في التنوع، من خلال تقديم ثقافة تتشكل من ثلاثة مكونات أساسية، عربية وأمازيغية وأفريقية، تعتني بالموروث المتوسطي والآثار الأندلسية، بينما تنفتح باستمرار على الثقافات الأخرى، من دون أن تفقد أصالتها.

وكانت «رحلة الكشف والتلقي» هي العنوان الذي اختاره «المهرجان الدولي للموسيقى العريقة»، بفاس، لدورته الـ16، التي نظمت في يونيو الماضي، حيث شدد المنظمون على أن اختيار هذا الشعار، هو «تكريم للسفر في كل أبعاده، سواء السفر الاستكشافي للإنسان داخل الذات، أو السفر الجغرافي لاستكشاف الآخر والتعرف عليه، أو السفر الروحي بحثا عن المقدس والسامي، وعن الإيمان». أما «مهرجان كناوة وموسيقى العالم»، الذي تحتضنه مدينة الصويرة، منذ عام 1998، فقد استطاع أن يصبح موعدا سنويا ببعد عالمي، بعد أن انطلق كخيار يهدف إلى تطوير المدينة عبر الثقافة. ولعل ما يميز مهرجان الصويرة أن موسيقى كناوة ليست مجرد موسيقى عادية، من جهة أنها تتميز بإيقاعات قوية، محملة بثقل الأساطير والمعتقدات الموغلة في القدم، ومشحونة بالإرث الحضاري الأفريقي والأمازيغي والعربي، تناجي الأرواح الخفية وتغازلها، وتتوسل بالإيقاعات والألوان، وخاصة اللونين الأحمر والأزرق، وإحراق البخور، وكل الوسائط الخفية الأخرى، كما تتوسل بآلات خاصة.

ويتميز مهرجان الصويرة بأن أغلب زواره من الشباب الحالم، الذي يتميز بلباسه وتسريحة شعره الخاصة، وفي أغلب الأحيان بضفائر طويلة وحقائب صغيرة كما لو أنها بيوت متنقلة، يضعونها على ظهورهم، معطين الانطباع، وهم يذرعون الأزقة والساحات، كما لو أنهم في رحلة لا تنتهي للبحث عن شيء ما في مكان ما.