شجرة العديسة تتحول إلى رمز لبناني.. والأهالي غاضبون من «اليونيفيل»

مصلحة الأحراج اللبنانية تحرر مخالفة في حق «جيش العدو الصهيوني»

جندي إسرائيلي على رافعة تمده داخل الأراضي اللبنانية لقطع شجرة سرو أول من أمس (أ.ب)
TT

حافظ الوضع الميداني عند الحدود اللبنانية أمس على الهدوء الحذر الذي استقرت عليه الأوضاع بعد الاشتباكات التي حدثت قرب بلدة العديسة بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي على خلفية قطع شجرة قالت قوة الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان أمس إنها تقع «في الجانب الإسرائيلي من السياج»، غير أن مصادر لبنانية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه المنطقة من المناطق التي تحفظ عليها لبنان لدى ترسيم الأمم المتحدة لـ(الخط الأزرق) الذي يختلف عن الحدود الفعلية»، مشيرة إلى أن لبنان أبلغ الأمم المتحدة تحفظه هذا منذ عام 2006 وأنه لن يقبل بتغيير معالمها الجغرافية أو تهويدها.

وفي جولة ميدانية لـ«الشرق الأوسط» بالمنطقة الحدودية، تبين أن الحياة الطبيعية بدأت تعود إلى الجانب اللبناني بعد حالة النزوح التي سجلت أول من أمس خلال الاشتباكات، وقد كثف الجيش اللبناني وجوده في المنطقة وسير دورياته على طول الخط الحدودي والمناطق اللبنانية المحاذية وسط استنفار شديد، في حين عاد بعض السكان إلى ممارسة حياتهم اليومية المعتادة على بعد أمتار من السياج الحدودي حيث كانت في الجهة المقابلة دوريات إسرائيلية تجوب المنطقة ويسمع صوت محركاتها بوضوح داخل البلدة التي قال بعض سكانها لـ«الشرق الأوسط» إن القوات الإسرائيلية قامت بـ«استفزاز» الجيش اللبناني أمس حيث أقدمت جرافة إسرائيلية على اقتلاع ثلاث شجرات سرو مقابل بلدة العديسة وألقتها داخل الأراضي اللبنانية، وأتبعتها باقتلاع رابعة بعد الظهر في حين كان جنود الجيش الإسرائيلي يتخذون مواقع قتالية. كما عملت الجرافة على تقليم الأشجار المزروعة على طول طريق مستعمرتي مسكافعام والمطلة، وقد أصيبت الجرافة بعطل نتيجة انفجار «هيدروليك» الزيت مما استدعى إحضار فرقة صيانة لإصلاح العطل.

وقد أقدم مركز أحراج النبطية في وزارة الزراعة اللبنانية على تحرير محضر ضبط للنائب العام الاستئنافي في النبطية في حق «جيش العدو الصهيوني»، وذلك لـ«مخالفته قانون الغابات». وجاء في المحضر: «في الساعة العاشرة والدقيقة الخامسة من يوم الأربعاء الموافق 4/8/2010 من شهر آب (أغسطس) عام 2010، نحن مركز أحراج النبطية بينما كنا في الخدمة في محلة العديسة شاهدنا 3 أشجار حرجية مقطوعة، وقد قام جيش العدو الصهيوني بقطعها وقدرت الكمية بطنين من الحطب الأخضر، ويعتبر المحضر محضر ضبط غيابيا وقد وقع من قبل مفتش الأحراج زهير نحلة ومراقب الأحراج حسين جابر».

وقد أكد متحدث باسم قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) أن «الأشجار» التي تسببت في الاشتباكات الدامية بين لبنان وإسرائيل تقع على الجانب الإسرائيلي من الخط الأزرق. وأشار المتحدث في بيان أصدره أن «(اليونيفيل) تأكدت من أن الأشجار التي يقطعها الجيش الإسرائيلي تقع جنوب الخط الأزرق في الجانب الإسرائيلي»، موضحا أنه «كان للحكومة اللبنانية تحفظات في هذا الموقع في ما يتعلق بحدود الخط الأزرق الذي يمر فيه، مثلما كانت هناك تحفظات للحكومة الإسرائيلية في بعض المواقع الأخرى»، مشيرا إلى أن «الجانبين اللبناني والإسرائيلي أكدا للأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) أنه على الرغم من تحفظاتهما، فإن تعريف الخط الأزرق مسؤولية الأمم المتحدة وحدها وأنهما سيحترمان الخط». غير أن وزير الخارجية اللبناني علي الشامي أكد أن «موضوع المنطقة التي يدعى أنها منطقة متنازع عليها ما بين الخط الأزرق والتقني، قابل للنقاش، لكن إسرائيل تخطت الخط التقني داخل منطقة بالنسبة لها هي ملك للبنان، وإذا كانت منطقة متنازعا عليها فلا يحق لإسرائيل أن تدخل إليها إلا بإذن من القوات الدولية»، مشددا على «أهمية التعاون والتنسيق الدائم مع القوات الدولية التي طلبت من الجيش اللبناني وقف إطلاق النار واستجاب، بينما إسرائيل واصلت عدوانها».

وكان واضحا استياء الأهالي في العديسة من القوة الدولية «التي لم تقدم على حمايتنا»، كما قال أحد الرجال في ساحة بلدة العديسة، مشيرا إلى أن عناصر القوة الدولية «هربوا قبل أن ينزح بعض الأهالي، بينما نحن صمدنا». وقال علي قشمر إن «القوة الدولية تعمل فقط كمخبر لدى الإسرائيليين، وعندما يحين دورها لحمايتنا تنسحب وترفع الأعلام البيضاء». موضحا أن بعض الأهالي ساعدوا جنود الكتيبة الإندونيسية الذين كانوا يرتعدون خوفا وأمنوا انتقالهم إلى مركز وحدتهم بعد أن علقوا وسط الاشتباكات خلال جولة تسوق.

أما الشجرة التي اندلعت الاشتباكات بسببها، فقد كانت موضع تندر لافت بين الأهالي، فيشير حسين رمال، 30 عاما، ساخرا إلى أنه «من حظ الإسرائيليين أنهم قطعوا شجرة سرو غير مثمرة، فلو كانت من الأشجار المثمرة لقتلنا أكثر من ضابط»، في حين حمل بعضهم الآخر رسما كاريكاتوريا من إحدى الصحف يظهر اليد الإسرائيلية وهي تحاول أن تقطع قسما من شجرة الأرز عن العلم الوطني اللبناني ويد الجيش تضربها.

وقد جال قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي أمس على طول خط الحدود، وتوقف في بلدة العديسة حيث جرى الاشتباك، مؤكدا أن «مسؤولية حصول الاشتباك تقع على عاتق العدو الإسرائيلي بحيث أقدمت دورية تابعة له على دخول أرض متحفظ عنها لبنانيا، متجاهلة اعتراض الجيش واليونيفيل، ومتجاوزة القرار 1701 الذي ينص على وجوب إشراف القوات الدولية على أعمال كهذه».

وتفقد قهوجي وحدات الجيش المنتشرة في منطقة العديسة والمناطق الجنوبية التي شهدت الاشتباكات وقال للجنود: «إن وقفتكم الشجاعة في وجه العدو، وبالإمكانات المتاحة لديكم، قد أثبتت لهذا العدو الغادر أن أي تطاول على شعبنا وأرضنا لن يمر من دون ثمن، وأن أي اعتداء على أي شبر من تراب الوطن يعادل في عقيدتنا ومبادئنا اعتداء على الوطن بأسره، فنحن أبناء الأرض، وأصحاب الحق، ويخطئ العدو بظنه أن استهداف الجيش بالأمر السهل، فإلى جانب ما نمتلك من إيمان وإرادة وعزم على مواجهته، لدينا كذلك الكثير من أساليب القتال والطاقات الوطنية الكفيلة بردع اعتداءاته ومخططاته الإجرامية».