إذا تلقيت دعوة لتناول طعام الإفطار في شهر رمضان المبارك وكتب على بطاقة الدعوة أن مكان الإفطار هو برج خليفة، أعلى ناطحة سحاب في العالم، فإن أول ما سيخطر ببالك هو.. مكان فخم باذخ.. طاولات مستديرة بأغطيتها البيضاء الحريرية وموائد مفتوحة بأطباق مما لذ وطاب من المأكولات الشرقية والغربية.. طبعا هذا إن لم يكن طعام الإفطار في فندق «أرماني» الذي يطفح بالبذخ والفخامة في كل تفاصيله، ولا تنس أنك ستأكل بملاعق فضية نقش عليها «أرماني».
لكن برج خليفة سيخالف التوقعات هذه المرة.. فما رأيك في أن البرج الذي يعتبر أعلى ناطحة سحاب في العالم سيقدم فرصة لتناول طعام الإفطار في أعلى قمة من صنع الإنسان على هذا الكوكب وبالمجان، أما الطعام فهو ماء وتمر، على وقع أذان المغرب وفي أجواء تحاول أن تستدعي روحانية الضيوف وتبتعد بهم عن المادية لاستشعار معاني الشهر والتفكر في ما وصل إليه الإنسان من تطور وعمران وفقا للقائمين على البرج. البرج يحاول أن يؤكد أن كل تعقيدات المدينة لم تلغ الجانب الروحاني لشهر رمضان، في محاولة للوصول إلى قمة الروحانية في قمة أعلى برج في العالم.
ويقول القائمون على قمة البرج، برج خليفة، إنهم سيوفرون للزوار خلال شهر رمضان المبارك، الذي يجسد قيم الكرم والإحسان والتكافل والرحمة، فرصة فريدة للتفكر في معاني هذا الشهر الفضيل، والتمتع بروعة الطبيعة الساحرة، والاعتزاز بما حققته البشرية من إنجازات، وذلك من أعلى منصة مراقبة في العالم تضم شرفة مفتوحة في الهواء الطلق.
وتحتفل «قمة البرج، برج خليفة»، الواقعة في الطابق الـ124 من أعلى برج في العالم، بشهر رمضان المبارك خلال هذا العام بطريقة خاصة، حيث ستضاء القمة وستوفر للزوار فرصة لم يسبق لها مثيل للاستمتاع بفترة الإفطار في موقع باهر.
فإذا كانت مرتك الأولى التي تزور فيها البرج فإنك بعد الخروج من المصعد الذي يقلك إلى هناك في أقل من دقيقة، ستتلهف نفسك للاقتراب من النوافذ البانورامية للمنصة لتبدأ بمراقبة كل شيء من فوق. حقيقة المشهد من الطابق الـ124 لا يختلف كثيرا عن المشهد من طائرة في مرحلة الهبوط قبالة مطار دبي.. يكفي أن تتخيل.. وأن تعلم أنك في أعلى ناطحة سحاب على كوكب الأرض.
وفي الحقيقة لا بد أنها تجربة فريدة.. فأنت تجلس في قمة برج خليفة الأعلى في العالم، في فترة غروب الشمس لتراقبها وهي تغوص رويدا رويدا في مياه الخليج العربي الممتد، بينما تتطاول أبراج شارع الشيخ زايد بأعناقها دون جدوى أمام ارتفاع قمة برج خليفة لتراها صغيرة متواضعة على عكس ما اعتدت أن تراها من الأرض، من فوق لن تبهرك ضخامة برج العرب ولن تشعر بارتفاع برجي التجارة العالميين، ستشعر ببساطة أبراج شارع الشيخ زايد، وسترى كل ما صمم له أن يشاهد من الأعلى كجزيرة العالم الصناعية وجزيرتي النخلة، بينما ستصدح أصوات الابتهالات ويرفع أذان المغرب مع مدفع الإفطار، على وقع صفير الرياح التي تهب في زاوية القمة المرتفعة، ليكون بانتظارك تمرة وقارورة ماء، ستفطر عليها.
زوار هذا العام، كما تقول إدارة البرج، سيعيشون أجمل الأجواء الرمضانية المفعمة بالقيم الروحية، وسيتمتعون بمشاهدة غروب الشمس في الأفق الخلاب للخليج العربي، والإفطار على التمر، الذي توفره مجانا شركة «لا روندا» للتمر، والماء الذي توفره أيضا مجانا شركة «مسافي للمياه المعدنية»، وعلى ارتفاع مئات الأمتار التي شيدها الإنسان.
لكنك إذا قمت بزيارة البرج تذكر أن تكف ولو للحظة عن النظر إلى الأسفل وتنظر إلى أعلى لتعلم أن فوقك 36 طابقا، لن تستطيع الوصول إليها كزائر عادي، فهي عبارة عن مكاتب يصلها أصحابها فقط.
هي فعلا فرصة تتضافر فيها الأجواء المحيطة لتؤمن طقسا رائعا للتأمل، ولكن كما يقولون لا شيء مجانيا في هذه الأيام، حتى التأمل والروحانية، فلكي تحظى بكل ما سبق لا بد لك أن تدفع مائة درهم للوصول إلى القمة، وطبعا هذا لن يتم حالا، فلا بد لك أن تحجز تذكرة للدخول عبر الموقع الإلكتروني للبرج، وقد تنتظر يومين أو ثلاثة وربما أكثر، أما إذا كنت من ميسوري الحال فلا تؤجل ذلك، ستدفع 400 درهم مقابل الدخول الفوري إلى البرج. وتتم عملية إصدار التذاكر كل 30 دقيقة بغرض تنظيم تدفق الحضور.
وللعلم فقط، فمنصة المراقبة هي ليست أعلى قمة في البرج، والمنصة التي تقول «إعمار» إنها أعلى منصة مفتوحة في العالم ليست أعلى نقطة يصل إليها الزائر في البرج المؤلف من 160 طابقا، حيث تقع في الطابق الـ124 وافتتحت أمام الزوار في الرابع من يناير (كانون الثاني) تزامنا مع افتتاح برج خليفة، الذي يبلغ ارتفاعه 828 مترا.
ويعتبر برج خليفة أعلى بناء شيده الإنسان وأطول برج في العالم، حيث بدأ بناؤه في إمارة دبي في 21 سبتمبر (أيلول) 2004 وتم الانتهاء من الهيكلة الخارجية في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2009، وتم افتتاحه رسميا في 4 يناير 2010، ليصبح البناء الأعلى في العالم حالا محل برج «تايبيه 101» في تايوان، وعلى الرغم من افتتاح البرج، يشار إلى أن الشقق والمكاتب المباعة بكاملها تقريبا لم تسلم بعد إلى أصحابها، وتقول «إعمار» إن ذلك سيتم خلال الأشهر القليلة المقبلة.