بين المتنبي والقصيبي

TT

يجمع بينهما الطموح العالي.. وكلاهما توفيا في رمضان > ينسج الوزير غازي القصيبي كلماته الشعرية على منوال أستاذه الشاعر أبي الطيب المتنبي، لكنه يتقمص روح المتنبي المتمردة والطموحة والناقدة التي تطل على فضاء اللغة بكثير من الاعتزاز والفخامة. وظل القصيبي يستعير روح المغامرة من المتنبي. ويلتحم به حد التوحد، إلى أن استعار منه صفة لازمته أينما رحل، وهي: «مالئ الدنيا وشاغل الناس». فلا يكاد القصيبي - كما المتنبي - يفرغ من كتاب أو قصيدة، أو خطة إدارية أو وزارية حتى يشتعل حولها الجدل والسجال والنقاش. وينقسم الناس بين مؤيد ومعارض.

غازي القصيبي، كما المتنبي، لا يعيش من دون معارك، ولا يجد مكانا في الظل حتى وهو يزحف نحو السبعين، (ولد في الأحساء السعودية سنة (1940. وكعادة المتنبي، فإن القصيبي، يجد في الشعر، والأدب ضالته، تارة لينتقم، ولو بصورة رمزية، من حالات الإحباط التي تلاحقه، أو ليرسم أشباحا ويهزمها، كتعويض عن الإخفاقات من حوله.

يقول القصيبي لـ«الشرق الأوسط»: «المتنبي ينتقم مني كل لحظة، ويتشفى بانتقامه. عندما كنت شابا في مقتبل العمر (في العشرين أو نحوها) كنت أكره المتنبي. كنت أرى فيه شخصية سوداوية مليئة بالكراهية والتشاؤم والغضب العبثي. كنت أقول كيف يمكن لشاعر أن يقول:

ومن عرف الأيام معرفتي بها وبالناس... روى رمحه غير راحم؟

وكنت أقول: أي شاعر هذا الذي يستطيع أن يقول:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة.. فلعله لا يظلم؟

ويقول: كنت أردد أبياتا كثيرة له من هذا الطراز، ثم - عندما أزمع ركب العمر رحلة نحو المغاني الأخر - كما يقول (إبراهيم) ناجي - بدأت أكتشف أن ما قاله الأستاذ، لا ما كنت أحلم به في صباي، يمثل، للأسف الشديد، التشخيص الأدق للطبيعة البشرية.

ويؤكد «حسنا! المتنبي في داخلي لا ينام يرقبني ويرقب الأحداث».

أخيرا، جمع الموت في رمضان بين المتنبي وتلميذه غازي القصيبي، فكلاهما توفي في شهر الصوم، حيث كان مقتل المتنبي في النعمانية في 28 رمضان (وقيل 24) من عام 354هـ الموافق 27 سبتمبر (أيلول) 965م.

وماذا عن الأعياد؟* العيد كان فرحة الأفراح. كان يأتي بثوب جديد، وأحيانا بثوبين. وبحذاء جديد. كانت فرحتك بالحذاء لا توصف. ذات ليلة، أخذت الحذاء الجديد معك إلى الفراش وضممته حتى الصباح. ظل أخوك نبيل يعيرك بهذه الحادثة حتى بلغتما مبلغ الرجال. أيامها، لم يكن الفارق بين الأغنياء والفقراء هوة مخيفة تتسع كل لحظة، كما هو الوضع اليوم. كانت العائلة، حسب التصنيف الشائع وقتها، من العائلات الغنية. ومع ذلك كنت تفرح بالثوب الجديد. والحذاء الجديد. ولم يكن في أسلوب حياتك ما يجعلك تحس أنك مختلف عن الآخرين.

ذات يوم سألتَ والدكَ: «أبي! هل نحن فقراء؟» وضحك وقال: «نحن، بحمد الله بخير، لماذا تسأل؟» وقلتَ: «انظر إلى البيت الذي نسكنه!».

وضحك، ولم يقل شيئا. الآن، تعرف أن أباك كان يحرص على تنشئتك وإخوانك بلا ملاعق ذهبية أو فضية. ونجح إلى حد كبير. أما اليوم فالأمور مختلفة تماما؟. عالم الأغنياء يختلف عن عالم الفقراء، جملة وتفصيلا. لا يفرح طفل اليوم المدلل بسيارة جديدة، فهل سيفرح بحذاء؟! والثراء في «موسم الوفرة وعن الثراء في موسم البطر. ذات يوم، في الرياض، كان الأطفال يعيرون ابنك سهيل لأنه كان يجيء إلى المدرسة في سيارة شيفروليه (سيارة الفقراء!) وكان السائق الذي يقود السيارة التي تقل زوجتك يتلقى تعليقات لاذعة من زملائه، تعليقات تهزأ من السيارة (الشيفروليه ذاتها)!. الأمور نسبية على أي حال. وأيامها، كان الحذاء مصدر متعة كبرى».

* مقطع من كتاب «المواسم» للراحل الدكتور غازي القصيبي

* رحلة بين المناصب

* أستاذ مساعد في كلية التجارة بجامعة الملك سعود في الرياض 1965 / 1385هـ * مستشار قانوني في مكاتب استشارية في وزارة الدفاع والطيران ووزارة المالية ومعهد الإدارة العامة.

* عميد كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود 1971 / 1391 هـ.

* مدير المؤسسة العامة للسكك الحديدية 1973 / 1393 هـ.

* وزير الصناعة والكهرباء 1976 / 1396 هـ.

* وزير الصحة 1982 / 1402هـ.

* سفير السعودية لدى البحرين 1984 / 1404 هـ.

* سفير السعودية لدى بريطانيا 1992 / 1412هـ.

* وزير المياه والكهرباء 2003 / 1423 هـ.

* وزير العمل 2005 / 1425هـ حتى وفاته الأحد 15 - 8 - 2010.