زيباري: تحديد مواعيد الانسحاب الأميركي شجع دولا أخرى على محاولة سد الفراغ

«نفاد الصبر» الأميركي والجداول الزمنية يؤثران على أهداف واشنطن في العراق

TT

دارت مناقشة منذ بضعة شهور ماضية حول مفهوم الوقت، كشفت قليلا من المعلومات حول إيران، وربما بعض المعلومات عن العراق، لكن الاحتمال الأكبر أنها كشف معلومات عن الولايات المتحدة.

على هامش اجتماع للأمم المتحدة، دخل هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي، في محادثة مع محمود أحمدي نجاد، الرئيس الإيراني. في ذلك الوقت، كانت القوات الأميركية قد انسحبت من مدن عراقية، الأمر الذي اعتبره الكثيرون هنا مؤشرا إيجابيا. بحلول 31 أغسطس (آب)، كان من المفترض تقليص أعداد الجنود الأميركيين إلى 50.000 جندي. الملاحظ أن التواريخ المحددة لا ترتبط ببسالة الشرطة العراقية بمدينة الصدر بقدر ما ترتبط بأولويات أخرى، مثل تحويل الموارد باتجاه أفغانستان، والسأم من حرب مكلفة لم يتفهمها الرأي العام الأميركي قط، وانتخابات التجديد النصفي التي يصعب التكهن بنتائجها بمناطق مثل جنوب غربي بنسلفانيا.

وأشار زيباري إلى أن أحمدي نجاد أخبره أن الأميركيين غرسوا شجرة بالعراق، وذلك بنبرة تهكمية. وقد حرصوا على ري هذه الشجرة ورعايتها. وأضاف وهو يهز رأسه «اسأل أصدقاءك الأميركيين الآن لماذا يرحلون عن البلاد قبل أن تؤتي الشجرة ثمارها؟».

الواضح أن فصول القصة الدائرة بالعراق لم تنته بعد، بغض النظر عما قد تعلنه إدارة أوباما والجنرالات والدبلوماسيون المنصاعون لأوامرها. لقد بات العراق الآن دولة ليست بالمحتلة ولا بالمستقلة، وإنما في حالة أشبه بالتيه يمكن نعتها بكثير من الأوصاف، مثلما كان الحال مع ذرائع تبرير الغزو التي أطلقت شرارة بدء مشاركة أميركا هنا منذ سبع سنوات. على مدار تلك السنوات، طغت على التجربة وعود بدت في بعض الأحيان أشبه بحملة دعائية تستهدف جذب العراقيين، مثل وعود بإقرار الديمقراطية والحكم الرشيد وتحسين مستوى الحياة، لكن ربما يكون العنصر الثابت بها فقط هو «الوقت». اليوم، يعج العراق بالمواعيد النهائية الأميركية والجداول الزمنية التي ترمي لخلق واقع لم يكن موجودا من قبل قط. وترحل الإدارة عن البلاد الآن بشروطها. وربما يسفر بقاؤها عن زيادة الأوضاع المتردية بالعراق سوءا، والذي يرجع تاريخ ظهور الكثير من مظاهر الخلل الوظيفي به إلى بداية الاحتلال الأميركي والأيام الأولى منه. إلا أن طبيعة الانسحاب الأميركي - من دون تشكيل حكومة ومع وجود مؤسسة عسكرية عراقية يصعب التكهن بتصرفاتها وسخط شعبي شديد تجاه النخبة السياسية - تسلط الضوء على إحدى أبرز الخصائص المميزة للاستراتيجية الأميركية بالشرق الأوسط.

تتمثل هذه الخاصية في أن الولايات المتحدة، القوية لكن المتقلبة، لم تتفهم قط على ما يبدو مفهوم الوقت، على الأقل ليس على النحو الذي يعتقده النشطاء الإسلاميون الذين يبدون استعدادا للمكوث في السجن لعقود، والرؤساء السوريون الواثقون من أن السياسات الأميركية ستتغير في نهاية الأمر، والدول المجاورة للعراق التي تنتظر دورها في سد الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي. وربما تصوغ سياسات واشنطن - مثل دعمها لإسرائيل والحكومات العربية وغزوها العراق وحربها بأفغانستان - المشاعر حيالها، لكن الوقت، بالمفهوم الأميركي، غالبا ما يصوغ أسلوب تصرفها.

في هذا الصدد، قال ريان سي كروكر، السفير السابق لدى العراق والدبلوماسي البارز في العالم العربي «من المؤكد أن السبب وراء ذلك هو السياسات الأميركية والثقافة الأميركية، والشعور بأننا أناس يفتقرون إلى الصبر. نحن نرغب في حدوث الأشياء غدا أو بعد غد، على أقصى تقدير، وإذا لم يحدث ذلك، سنمضي قدما ونترك الأمر».

المعروف أن الاحتلال انتهى، على الأقل رسميا، في صيف 2004، قبل انتخابات التجديد النصفي بالعراق. ومضت الانتخابات قدما، بغض النظر عما إذا كان العراق مستعدا لها أم لا، الأمر الذي ساعد في بعض الأحيان في تفاقم الاختلافات القائمة، بدلا من تسويتها. وربما يعكس الانسحاب الأميركي واقعا جديدا، لكن توقيته جرى تحديده مسبقا بغض النظر عن حجم التقدم السياسي الذي تم إحرازه.

من جهته، قال زيباري «دائما ما كانت واشنطن مفتقرة إلى الصبر». وأضاف «لقد جرى تحديد موعد فك الارتباط الأميركي، الأمر الذي شجع الدول المجاورة على محاولة سد الفراغ بالعراق. هذا هو ما يحدث الآن. وقد سمعت ذلك منهم. إنهم منتظرون وليسوا في عجلة من أمرهم. إنهم جيراننا إلى الأبد». الملاحظ أن وجهة نظر المسؤولين الأميركيين تجاه الانسحاب عادة ما تملي أسلوب نظرتهم لمفهوم الوقت، خاصة ما إذا كانت المواعيد الزمنية النهائية تعكس الواقع المبهم القائم بالبلاد حاليا. وتصف المؤسسة العسكرية التوقيت الذي جرى تحديده بأنه صائب، وكذلك الكثير من الدبلوماسيين، رغم اعترافهم بتأثير الاعتبارات السياسية الداخلية الأميركية على تحديد هذه المواعيد. عن ذلك، قال كريستوفر آر هيل، السفير المنتهية فترة عمله الذي تمثلت مهمته في إعادة صياغة الدور الأميركي في العراق بحلول موعد زمني معين «عندما تنفق عدة تريليونات من الدولارات داخل دولة ما، تمتد تداعيات بعض القضايا السياسية المرتبطة بك إلى هذه الدولة - هذا هو الواقع». إلا أنه أضاف أن «فكرة أن هذه البلاد رهنت على مصالحنا السياسية غير دقيقة».

* خدمة «نيويورك تايمز»