تحقيق أميركي موسع حول ممارسات شركات الأدوية

حول احتمالية إعطاء مدفوعات غير قانونية لأطباء ومسؤولي صحة

أوردت عدة شركات للأدوية والأدوات الطبية في الفترة الأخيرة أنها خاضعة للتحقيق بشأن انتهاكات محتملة لقانون ممارسات الفساد «نيويورك تايمز»
TT

تخضع اثنتا عشرة شركة على الأقل تقوم بتصنيع أدوات طبية وأدوية لتحقيق يجريه مدّعون فيدراليون ومنظمون ماليون في إطار تحقيق موسع حول احتمالية إعطاء الشركات مدفوعات بصورة غير قانونية إلى أطباء ومسؤولي صحة في دول أجنبية.

وفي تحقيقات سابقة اتهم مسؤولون فيدراليون بعض الشركات بتقديهم المدفوعات من هذا النوع لتشجيع الأطباء في دول أخرى على طلب أو وصف منتجات الشركات كعلاج للمرضى. وداخل الولايات المتحدة تقوم الشركات عادة بتوظيف أطباء كمستشارين لتسويق أدويتهم وأدواتهم الطبية على زملائهم وغيرهم من مسؤولي الصحة خلال المؤتمرات الطبية. وتُعد هذا التعاقدات الاستشارية قانونية داخل الولايات المتحدة ما دامت الشركات لا تدفع أموالا إلى الأطباء لوصف منتجاتهم تحديدا كعلاج للمرضى.

ولكن في الكثير من الدول الأخرى يكون الأطباء موظفين حكوميين. وحتى التعاقدات الاستشارية التي يمكن أن ينظر إليها على أنها أمر تقليدي داخل الولايات المتحدة قد تمثل انتهاكا لقانون الممارسات الفاسدة في دول أجنبية، ولا سيما إذا كانت المدفوعات كبيرة أو لم يتم الكشف عن التعاقدات للحكومة.

ومن مباعث القلق الكبيرة لدى مدعين داخل الولايات المتحدة المدفوعات الكبيرة عادة التي يتم تقديمها إلى أطباء أجانب يشرفون على العدد المتنامي من التجارب الإكلينيكية التي تجريها الشركات المصنعة للأدوات الطبية والأدوية خارج البلاد، حسب ما ذكره كيرك أوغروسكي، المدعي الفيدرالي البارز السابق الذي يمثل حاليا شركات الأدوات الطبية والأدوية في مكتب محاماة بواشنطن.

وتتضمن أكثر من 80 في المائة من الأدوية التي تم الموافقة على بيعها عام 2008 تجارب داخل دول أجنبية، ويعمل 78 في المائة من جميع الأفراد الذين شاركوا في التجارب الإكلينيكية داخل مواقع في الخارج، وذلك حسب ما أفاد به تحقيق أجراه مؤخرا دانيال ليفينسون، المفتش العام التابع لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية. ويشعر متخصصون في الأخلاقيات داخل القطاع الطبي منذ وقت طويل بالقلق من أن الكثير من هذه التجارب يجرى داخل دول نادرا ما يقوم بزيارتها مراجعون فيدراليون، وقد تكون قواعد البحث فيها قليلة جدا.

وفي الوقت الحالي يقوم مدعون بالتحقيق في ما إذا كانت المدفوعات التي أعطيت إلى أطباء يجرون هذه الدراسات في الخارج سلمية أم لا. وإذا أظهرت الأدلة أن هذه المدفوعات كان لها تأثير على بعض من نتائج التجارب الإكلينيكية، فإن المدعين سوف يفحصون التجارب بدرجة أكبر، حسب ما قاله أوغروسكي. وقد نشرت صحيفة «فايننشيال تايمز» مقالا عن التحقيق يوم الجمعة.

وفي الشهر الماضي أورد مسؤول أدوية فيدرالي أنه وجد حالات متكررة في تجربة الدواء «أفانديا»، وهو علاج للسكر مثير للجدل، بدا خلالها أن المرضى الذين يأخذون «أفانديا» يعانون من مشكلات خطيرة في القلب لم يتم ذكرها في الدراسة. وكان الكثير من مواقع التجارب المشاركة في الدراسة داخل دول أجنبية، وكانت الدراسة سببا رئيسيا وراء استمرار «أفانديا» داخل الأسواق في الولايات المتحدة. ولم يتهم مسؤولون حكوميون «غلاسكو سميث كلين»، الراعية للتجربة، بممارسة الاحتيال.

ويقول أوغروسكي: «في وزارة العدل تصعد التحقيقات التي تتضمن مزاعم بحصول ضرر للمريض مباشرة إلى القمة وتجذب اهتمام مكتب التحقيقات الفيدرالي على الفور».

وقد يكون قطاع الأدوية عرضة بدرجة أكبر إلى مثل هذه التحقيقات لأن ممثليه في الخارج يعملون بصورة يومية مع مسؤولين وأطباء تستعملهم منظومات صحة حكومية.

ويقول غاي داردن، وهو محامٍ داخل واشنطن ومدّع فيدرالي سابق متخصص في الرعاية الصحية وقضايا ممارسة الفساد في الخارج، إنه بسبب كون شركات الأدوية جزءا من «قطاع الرعاية الصحية ولأنه في الكثير من الدول الأجنبية يُنظر إلى موظفي القطاع الصحي على أنهم مسؤولون أجانب، تظهر مخاطر كبيرة». ولكنه قال إن إعلان بعض الشركات أنها تخضع للتحقيق لا يعني أنها خالفت قانون الرشى الأجنبية.

وفي الواقع، أوردت عدد من شركات الأدوية وشركات الأدوات الطبية في الفترة الأخيرة أنها خاضعة لتحقيق بشأن انتهاكات محتملة لقانون ممارسات الفساد الأجنبية.

ومطلع الشهر الحالي، على سبيل المثال، أوردت «ميرك» أنها تتعاون مع تحقيق فيدرالي يسعى إلى الحصول على معلومات عن أنشطة الشركة داخل عدد من الدول.

وقالت «جونسون آند جونسون» إنها قامت طوعا بالكشف لهيئات فيدرالية أن كيانات تابعة للشركة في الخارج ربما قدمت مدفوعات غير سلمية لها علاقة بمبيعات أدوات طبية في دولتين. وتقول «إلي ليلي» إنها تتعاون مع تحقيق فيدرالي في أنشطة كيانات تابعة لها داخل بولندا ودول أخرى.

وفي هذه الأثناء قالت شركة «ميدترونك» المصنعة للأدوات الطبية إنها تتعاون مع تحقيق فيدرالي في أنشطة الشركة داخل عدد من الدول، من بينها اليونان وبولندا وألمانيا وتركيا وإيطاليا وماليزيا. وقالت شركة الأدوات الطبية «زيمر» إنها خاضعة لتحقيق فيدرالي له علاقة بمبيعات منتجاتها في عدد من الدول الأجنبية.

وفي خطاب في نوفمبر (تشرين الثاني)، أخطرت وزارة العدل شركات أدوية بأن الهيئة سوف تركز على قطاع الأدوية.

وقال لاني برير، مساعد المحامي العام المختص بالشعبة الجنائية داخل الهيئة، خلال الخطاب: «في بعض الدول الأجنبية وتحت ظروف معينة، قد تتضمن كل إجراءات الموافقة والتصنيع والتصدير والتوريد وتحديد السعر والبيع والتسويق الخاص بمنتج دوائي (مسؤولا أجنبيا)» كما ينص قانون ممارسات الفساد في الخارج. ويضيف أن «عمق الدور الحكومي في النظم الصحية الأجنبية، مع المنافسة الحادة داخل الصناعة والطبيعة المغلقة لكثير من المنتديات العامة، يجعل من الممكن أن تؤثر مدفوعات غير سلمية على العملية».

ويأتي التحقيق الفيدرالي جزءا من إعادة تقييم أوسع للعلاقات المالية بين شركات المنتجات الطبية والأطباء، الذين يلعبون حتى داخل الولايات المتحدة دورا حكوميا في عملية الشراء عندما يطلبون أدوية أو أدوات طبية لمرضى يتم دفع تكاليف الرعاية من خلال برنامج «ميديكير» أو «ميديك آيد» أو غيرها من البرامج الصحية الحكومية.

وقريبا سيلزم قانون فيدرالي الشركات بالكشف علنا عن مدفوعات الاستشارات التي يتم دفعها إلى أطباء، وقد بدأت بعض الشركات بالفعل الكشف عن معلومات بخصوص هذه المدفوعات. وقد أصدرت بعض كليات الطب والجمعيات الطبية الحرفية مؤخرا قواعد تحظر أو تفرض قيودا على بعض من هذه الاتفاقات المالية.

وقامت نحو اثنتي عشرة شركة بتسوية تهم بتقديم رشى أجنبية مع مدعين في عدد من القضايا، بدأت عام 2002 بتسوية قامت بها شركة «سينكور». وقامت الشركة بدفع غرامة متواضعة نسبيا قيمتها 2.5 مليون دولار لإنهاء تهم جنائية تقول إن الشركة استخدمت هدايا ومدفوعات غير سليمة من أجل تشجيع أطباء في مستشفيات مملوكة للدولة في الخارج على طلب منتجات الشركة أو إرسال مرضى إلى مراكز أشعة تملكها الشركة.وفي العام الماضي وافقت الشركة الدنماركية «نوفو نورديسك» على دفع غرامة قيمتها 9 ملايين دولار من أجل تسوية تهم بأنها دفعت إلى مسؤولين حكوميين سابقين داخل العراق من أجل الحصول على تعاقدات حكومية لتوفير الأنسولين وأدوية أخرى. ودفعت «نوفو» إلى الحكومة العراقية السابقة نحو 1.4 مليون دولار من خلال زيادة سعر تعاقداتها بنسبة 10 في المائة قبل تقديمها إلى الأمم المتحدة للموافقة عليها، حسب ما أفاد به تصريح صحافي لوزارة العدل الأميركية.

وعلى ضوء الغرامات المتواضعة نسبيا حتى الآن، قد تنتهي التحقيقات الفيدرالية الحالية في احتمالية تقديم رشى في الخارج ليكون لها أثر أكبر على استراتيجيات التسويق الخاصة بشركات المنتجات الطبية.

وعلى الرغم من ذلك يقول داردن، المسؤول السابق في وزارة العدل، إن المسؤولين التنفيذيين داخل شركات الأدوية سوف يبذلون جهدا أكبر لتذكير الكيانات التابعة لها في الخارج بعدم دفع رشى إلى مسؤولين أو أطباء محليين. ويضيف: «يجب عليهم التأكيد لفريق المبيعات الدولية بالشركة أن هذا النوع من المدفوعات غير مقبول».

* خدمة «نيويورك تايمز»