أطفال الشوارع في مدغشقر يستغلون «خبرتهم الميدانية» كمرشدين سياحيين

يتحدثون الفرنسية والألمانية ويعرفون التاريخ والثقافة والهندسة المعمارية

أطفال مشردون في جنوب أفريقيا (أ.ب)
TT

من خرق بالية إلى ملابس جديدة، ربما لا تدل على الثراء، ولكن على الأقل الفرق بينهما شديد الوضوح.. هذه هي مكافأة مجموعة من أطفال الشوارع في جزيرة مدغشقر الفقيرة في المحيط الهندي الذين يستغلون «خبرتهم الميدانية» للعمل كمرشدين سياحيين صغار.

وتنشط مؤسسة خيرية ألمانية تدعى «زازا فالي»، وتعني «الطفل السعيد» باللغة المحلية، في مدغشقر منذ 15 عاما وتتعامل مع الأطفال المشردين.

وأطلقت المؤسسة برنامجا يحمل اسم «ماندا» يوفر المأوى لـ20 طفلا ويساعدهم على استكمال دراستهم، وفي الوقت نفسه الحصول على مصدر رزق.

وقبل عدة أعوام، طرأت الفكرة لمتطوعين اثنين من أوروبا، وهي عبارة عن دورة في التدريب السياحي تستمر عامين للأطفال الأكبر سنا.

وقال هايكو يونجنيتس، رئيس المؤسسة، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): «كنا متحمسين جدا للفكرة منذ البداية. ويتميز هذا البرنامج عن كل أنشطتنا الأخرى بأنه طريقة مبتكرة جدا لمساعدة الأطفال الذين يعيشون في الشوارع».

وتخرجت أول «دفعة» وتضم 14 طفلا قبل شهرين، إلا أن خمسة منهم فقط تم توظيفهم في مجال السياحة، وهو رقم ليس بالسيئ في دولة تصل معدلات البطالة فيها إلى 50%.

ويقول ريتشارد راندريامانانتينا، 20 عاما، الذي أسس «مشروعا» صغيرا مع ستة أطفال آخرين: «من البداية ونحن نتساءل ماذا سنفعل في نهاية البرنامج. كنا نأمل أن نتحكم في مستقبلنا ونكسب المال».

وقضى ريتشارد أربعة أعوام في الملجأ، وقبل ذلك كان يعيش مع أسرته المكونة من تسعة أفراد في غرفة واحدة وكان يكسب المال من الشحاذة.

ويقول سولو، وهو مؤسس آخر للمشروع، إنه غادر منزل أسرته عندما كان في الحادية عشرة من عمره بعد مشاجرات مع زوج أمه، وقال: «فضلت الحياة في الشوارع، واتخذت من مبنى إحدى الأسواق بيتا لي.. فبالنهار كنت أساعد التجار في حمل البضائع وأنام ليلا في المبنى أيضا».

ويقوم ريتشارد وسولو وزميلة سابقة، تدعى إليزيه، بإعداد وترتيب جولات ثقافية شهريا لنحو 20 سائحا.

وخلال الجولات يتحدث المرشد باللغة الفرنسية لأنها لغة أكثر زائري المستعمرة الفرنسية السابقة، وخلال الدورة يصل الطلاب إلى إجادتها، كما يدرسون اللغة الألمانية والتاريخ والثقافة والهندسة المعمارية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وترتيب الرحلات بما يتناسب مع أذواق الأجانب.

ويقول ريتشارد: «لا نشعر بالخجل حتى إذا كان كثير من السائحين يعرفون أكثر منا، فنحن نتميز بأننا نعرف اللغة المحلية ونستطيع أن نتواصل مع الناس في حياتهم اليومية». وبعد كل زيارة يوزع المرشدون استبيانات على السائحين لمعرفة انطباعاتهم. ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) فإن عاصمة مدغشقر فيها أربعة آلاف طفل شوارع، وإن هذه الأرقام في ازدياد. ويسقط معظم هؤلاء الأطفال في شرك الجريمة والبغاء.

وحسب تقرير اللجنة المستقلة للقضايا الإنسانية الدولية عن أطفال الشوارع، يشهد العالم الآن مشكلة كبيرة ذات عواقب مأساوية؛ فهناك ملايين من أطفال الشوارع يعيشون منعزلين، ويعانون من سوء التغذية منذ ولادتهم، ويفتقدون العطف والتعليم والمساعدة.

أطفال يعيشون على السرقة والعنف، أطفال لا يبتسم لهم أحد، ولا يخفف آلامهم أحد.

يقدَّر عدد أطفال الشوارع في العالم بين 100 مليون و150 مليون طفل، والرقم في ازدياد مستمر. وثمة ما نسبته 5 - 10% من هؤلاء الأطفال هربوا من بيوت عائلاتهم أو هجرتهم عائلاتهم، حسب تقرير منظمة العفو الدولية.

ومع نمو المدن الكبيرة يتكاثر عدد أطفال الشوارع كما يكبر الحرمان الذي يولِّد الإحباط والعنف. وكلا البلدان المتقدمة والنامية، تواجه هذه المشكلة، من دون التصدي لها بشكل كاف.

إن الشارع هو الإرث العام للملايين من البشر، حتى قبل أن تلوثهم سموم المخدرات والدعارة والجريمة. وللأسف، فإن أحدث التقديرات تفيد أن هناك أكثر من ثلاثين مليونا من أطفال الشوارع. ويعتبر تقرير اللجنة المستقلة للقضايا الإنسانية الدولية عن أطفال الشوارع أول دراسة استقصائية شاملة عن الأطفال الذين يفتقرون إلى حماية في شوارع المدن.

وتزداد الصدمة حين نجد أن أكثر الأطفال تشردا وضياعا هم أطفال المسلمين، وتشير الإحصاءات أن عدد المشردين في العالم العربي أكثر من 10 ملايين طفل، منهم مليونا طفل في مصر وحدها! هذا وفق الإحصاءات الرسمية، أما ما عدا الإحصاءات الرسمية فالمختصون يحذرون من ظهور مجتمع آخر مواز للمجتمع الرسمي بلا هوية، حيث ظهر جيل ثان من الأطفال لآباء وأمهات كانوا من أطفال الشوارع، ولو طال الصمت على هذه الظاهرة التي بدأت تطال بلدانا عربية أخرى كالسودان، واليمن، والمغرب، ولبنان، وموريتانيا وغيرها؛ فسنجد أنفسنا أمام مجتمعين مختلفين، لكل مجتمع قيمه وأخلاقياته، وحينها يحدث انفصام وهوة واسعة؛ سيكون من الصعب السيطرة عليها في مدى قصير.

ففي هذا العالم المضطرب يضيع الأطفال الضعفاء في الزحام، ولا يجدون من يلتفت إليهم، لا سيما الأطفال المشردين الذين ينظر إليهم البعض على أنهم أوبئة يجب التخلص منها، ربما نسوا أنهم كانوا سببا أساسيا في أزمتهم حين حرموهم المساعدة؛ للحصول على فرصتهم في الحياة لإثبات ذاتهم بتوفير البيئة المناسبة.

ولو كان لهؤلاء ذاكرة إنسانية لتذكروا حادثة الطفل المشرد الذي لقي حتفه تحت عجلات جرافة جمع القمامة وهو يغط في نوم عميق بين الأنقاض، ولم يوقظه هدير الجرافة أو لسعات برد الليل.