شهر القرآن (8) (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّك)

د. عائض القرني

TT

أد الرسالة كاملة كما سمعتها كاملة، بلغها تامة مثلما حملتها تامة، لا تنقص حرفا ولا تحذف كلمة، ولا تغفل جملة.

بلغ ما أنزل إليك فهي أمانة في عنقك سوف تسأل عنها، فبلغها بنصها وروحها ومضمونها.

بلغ ما أنزل إليك من الوحي العظيم، والهدي المستقيم، والشريعة المطهرة، فأنت مبلغ فحسب؛ لا تزد في الرسالة حرفا، لا تضف من عندك على المتن، لا تدخل شيئا في المضمون، لأنك مرسل فحسب، مبعوث ليس إلا، مكلف ببلاغ، مسؤول من مهمة، مثلما سمعت بلغ، ومثلما حملت فأد.

بلغ ما أنزل إليك، عرف من عرف وأنكر من أنكر، استجاب من استجاب وأعرض من أعرض، وأقبل من أقبل.

بلغ ما أنزل إليك، بلغ الكل، وادع الجميع، وانصح الكبراء والمستضعفين، السادة والعبيد، الإنس والجن، الرجال والنساء، الأغنياء والفقراء، الكبار والصغار.

بلغ ما أنزل إليك، فلا ترهب الأعداء، ولا تخف الخصوم، ولا تخش الكفار، ولا يهولنك سيف مصلت، أو رمح مشرع، أو منية كالحة، أو موت عابس، أو جيش مدجج، أو حركة حامية.

بلغ ما أنزل إليك فلا يغرك مال، ولا يعجبك منصب، ولا يزدهك جاه، ولا تغرك دنيا، ولا يخدعك متاع، ولا يردك تحرج.

وشب طفل الهدى المحبوب متشحا بالخير متزرا بالنور والنار

* في كفه شعلة تهدي وفي دمه - عقيدة تتحدى كل جبار

* وفي ملامحه وعد وفي يده - عزائم صاغها من قدرة الباري

* فهذا الإمام المعصوم صلى الله عليه وسلم معه النجاة، وسنته سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك، وهو الذي يدور معه الحق حيثما دار، وكلامه حجة على كل متكلم من البشر من بعده، وليس لأحد من الناس حجة على كلامه، وكلنا راد ومردود عليه إلا هو صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. زكى الله سمعه وبصره وقلبه، ونفى عنه الضلال وحصنه من الغي، وسلمه من الهوى، وحماه من الزيغ، وصانه من الانحراف، وعصمه من الفتنة، فكل قلب لم يبصر نوره فهو قلب مغضوب عليه، وكل أرض لم تشرق عليها شمسه فهي أرض مشؤومة، وكل نفس لم ترحب بهداه فهي نفس ملعونة، فهو المعصوم من الخطأ، المبرأ من العيب، السليم من الحيف، النقي من الدنس، المنزه عن موارد التهم. على قوله توزن الأقوال، وعلى فعله تقاس الأفعال، وعلى حاله تعرض الأحوال.