إيران تفتتح رسميا أول محطة نووية في تاريخها.. وتعتبرها «الأمل» لبرامج مستقبلية

واشنطن: لا مخاوف من «بوشهر».. لكن هذا لا يعفي طهران من مسؤولياتها > لندن: إيران ترفض طمأنتنا

TT

فتحت إيران صفحة نووية جديدة في تاريخها أمس عبر تزويد أول محطة للطاقة النووية «بوشهر» بالوقود النووي مما يمهد لتدشينها وتزويد المدن الإيرانية بالكهرباء في وقت قريب، وتأتي الخطوة الإيرانية، التي تمت بمعونة روسية، على الرغم من العقوبات المفروضة عليها من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ناهيك بالعقوبات الأحادية من أميركا. وفي حين أكدت طهران أن برامج إيران النووية «تتقدم إلى الأمام بسرعة»، قلل مسؤول أميركي من مخاطر استخدام المحطة لأغراض عسكرية، بينما دعت لندن الجمهورية الإسلامية إلى «طمأنة المجتمع الدولي».

وعرض التلفزيون الإيراني لقطات على الهواء مباشرة لعلي أكبر صالحي رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية ونظيره الروسي سيرغي كيريينكو وهما يتابعان إعداد مجموعة من قضبان الوقود لإدخالها في المفاعل القريب من مدينة بوشهر، جنوب غربي طهران، المطلة على الخليج.

وقال صالحي في مؤتمر صحافي إنه «على الرغم من كل الضغوط والعقوبات والصعاب التي فرضتها دول غربية، فإننا نشهد الآن بدء تشغيل أكبر رمز لأنشطة إيران النووية السلمية».

ورحب صالحي بهذا اليوم «المميز» وشكر روسيا «لمساعدتها الشعب الإيراني» في بناء المحطة.

ويقول مسؤولون إيرانيون إن المحطة ستولد ألف ميغاواط، وهي كمية ضئيلة بالمقارنة مع طلب إيران على الكهرباء الذي سجل الشهر الماضي 41 ألف ميغاواط.

واعتبر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست تدشين محطة بوشهر النووية «يمنح الأمل في أن البرامج النووية المستقبلية للأغراض السلمية ستتابع بتقدم سريع وبشمولية کاملة».

وأقامت روسيا مفاعل بوشهر الإيراني وستزوده بالوقود ثم تتسلم قضبان الوقود المستنفد التي من الممكن استخدامها في صنع البلوتونيوم الذي يستخدم بدوره في صنع أسلحة وذلك تهدئة لمخاوف لها علاقة بالانتشار النووي.

من جانبه، قال كيريينكو في المؤتمر الصحافي: «يقدم بناء المفاعل النووي في بوشهر مثالا واضحا على أن أي دولة يجب أن تحظى بفرصة الاستفادة من الاستخدام السلمي للذرة ما دامت قد التزمت بالتعهدات الدولية القائمة وكان هناك تواصل فعال ومنفتح لها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية». ونقلت وكالة أنباء «فارس» الإيرانية، شبه الرسمية، عن كيريينكو قوله: «إنه يوم تاريخي شهد إطلاق محطة بوشهر عمليا».

وذكرت وكالة أنباء «مهر» الإيرانية أن طهران وموسكو وقعتا أمس ثلاث وثائق للتعاون في مجال تشغيل محطة بوشهر النووية.

ويفترض أن يستغرق تحميل 163 من قضبان الوقود في قلب المفاعل بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، نحو أسبوعين وينتهي في نحو الخامس من سبتمبر (أيلول). ويحتاج المفاعل إلى أسبوعين بعد ذلك ليبلغ 50 في المائة من طاقته وليتم ربط المحطة بشبكة الكهرباء نهاية أكتوبر (تشرين الأول) أو مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، حسبما ذكر الناطق باسم المنظمة الإيرانية علي شيرزاديان.

وكان صالحي صرح عشية بدء عملية تزويد المحطة بالوقود أن هذا النجاح التقني والسياسي لإيران «شوكة في حلق أعدائها»، وأضاف: «كلما زادوا ضغوطهم، سرعنا وتيرة برنامجنا» النووي.

ويأتي تدشين المحطة بعد 35 عاما على بدء أعمال بنائها التي كانت تقوم بها ألمانيا في عهد الشاه وتوقفت بعد الثورة الإسلامية في 1979 ثم الحرب ضد العراق (1980 - 1988) قبل أن تتولى روسيا إنشاءها في 1995.

وتبرر طهران إنتاج اليورانيوم المخصب بحاجتها لامتلاك الوقود النووي لتشغيل مفاعلاتها المقبلة، مؤكدة أنها تريد إنتاج 20 ألف ميغاواط من الطاقة الكهربائية النووية.

لكن الغربيين يشتبهون في أن تكون إيران تسعى، على الرغم من نفيها ذلك، إلى امتلاك السلاح الذري تحت غطاء برنامج نووي مدني.

وأقنعت روسيا الأمم المتحدة بعدم إدراج «بوشهر» في الحظر الدولي على نقل أي معدات أو تكنولوجيا نووية، وذلك عبر قطعها تعهدا بتزويد المحطة بالوقود النووي وإعادته إثر استخدامه لخفض مخاطر انتشار البلوتونيوم الموجود في البقايا النووية.

وستبقى المحطة لسنوات تحت الرقابة المشتركة للتقنيين الروس والإيرانيين، وبررت موسكو هذا الوضع بضرورة تدريب مختصين إيرانيين.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد قال في وقت سابق إن محطة بوشهر «محمية تماما من أي مخاطر انتشار نووي».

وفي ردود الفعل الدولية على بدء العمل في محطة بوشهر، اعتبرت الولايات المتحدة أن بدء العمل في أول مفاعل نووي إيراني «لا يحمل مخاطر أي استخدام عسكري نووي لهذه المنشأة»، مشيرة إلى أنها ذات استخدامات مدنية، وأن عملها يقع تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية داربي هولاداي لوكالة الصحافة الفرنسية إن قيام روسيا بتسليم إيران الوقود اللازم لتشغيل هذا المفاعل «يؤكد أن إيران ليست في حاجة لامتلاك قدرات خاصة بالتخصيب لو كانت نواياها سلمية».

وتابع المتحدث الأميركي أن «مفاعل بوشهر مخصص لتوفير طاقة نووية ذات استخدام مدني ولا ننظر إليه على أنه يحمل مخاطر انتشار» للسلاح النووي لأنه «سيكون خاضعا للوكالة الدولية للطاقة الذرية ولأن روسيا هي التي تؤمن الوقود الخاص به وتستعيده بعد استخدامه».

وبعد أن ذكر أن هذا الحل هو الذي قدمته الولايات المتحدة لإيران، أوضح المسؤول الأميركي أن هذا الأمر لا يعفي النظام الإيراني من «مسؤولياته الأكبر» تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

من جانبها، دعت لندن طهران إلى تطبيق برنامج نووي «مدني بحت»، وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني أليستير بيرت: «طالما احترمنا حق إيران في تطوير برنامج للطاقة النووية السلمية، المشكلة هي استمرار رفض إيران طمأنة الوكالة والمجتمع الدولي على أن نشاطها لتخصيب اليورانيوم ومشاريع الماء الثقيل سلمي تماما».

وكان رئيس البرنامج النووي الإيراني قد قال أمس إن إيران لا تنوي مواصلة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% «إلى ما لا نهاية» ولكنها ستنتج هذه المادة «وفقا لحاجاتها».

وأكد صالحي في المؤتمر الصحافي: «لا ننوي تحويل كل اليورانيوم الذي نملكه إلى يورانيوم مخصب بنسبة 20%».

وكان مجلس الأمن الدولي قد أدان مرارا منذ 2006 طهران لرفضها تعليق تخصيب اليورانيوم. وأضاف صالحي: «لم نكن ننوي تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% لكننا لم نتلق ردا إيجابيا» من الغربيين حول الطلب الإيراني المتعلق بالوقود لمفاعل طهران في إشارة إلى فشل مفاوضات في هذا الخصوص مع الدول الكبرى في خريف 2009.

وأكد صالحي أن طهران ستواصل على الرغم من القرارات الدولية إنتاج اليورانيوم الضعيف التخصيب بنسبة 3،5% لتلبية حاجاتها من الوقود لمفاعل بوشهر ومنشآت نووية إيرانية أخرى.

وذكر بأن إيران تنوي بناء مصنع تخصيب ثالث قد «يشغل العام المقبل (بعد السنة الإيرانية الجديدة في مارس (آذار) 2011 في حال قرر الرئيس ذلك». وأضاف: «لكن ليس هناك أي قرار نهائي بعد (...) نتقدم ببطء وصبر» بشأن هذه المسألة التي تشكل إحدى نقاط الخلاف الرئيسية مع الأسرة الدولية. وأعلن صالحي لوكالة «مهر» أن إيران وقعت أمس اتفاقا مع روسيا لشراء «ما تحتاج إليه» من النظائر المشعة. وأضاف أن مفاعل طهران سينتج مثل هذه النظائر.

وتشعر دول مجاورة لإيران بالقلق من طموحات إيران النووية وتأثيرها المتنامي في المنطقة خاصة في العراق وفي لبنان الذي تدعم إيران حزب الله فيه.

وعلى الرغم من أن معظم المحللين النوويين يقولون إن «بوشهر» لا يضيف شيئا إلى مخاطر الانتشار النووي، فإن كثيرا من الدول يساورها قلق عميق بسبب تخصيب إيران لليورانيوم.

وكشفت إيران النقاب عن وجود منشأة أخرى للتخصيب تحت الإنشاء العام الماضي، وأعلنت في فبراير (شباط) أنها تخصب اليورانيوم عند مستوى 20 في المائة بعدما كان نحو 3.5 في المائة في السابق، مما يجعلها أقرب إلى المستويات التي تمكنها من صنع أسلحة لتتجاوز بكثير المستويات المطلوبة لصنع وقود محطة للطاقة النووية.