ممثل للأقلية المسلمة يكافح ضد التمييز العنصري في الصين

يدافع عن حقوق الأويغور ويرفض الخضوع لتهديدات السلطة ولا يفكر في العيش في المنفى

الأستاذ الجامعي توتي يتحدث إلى طلابه في بكين (نيويورك تايمز)
TT

نادرا ما يبدي إلهام توتي قلقا إزاء أمنه الشخصي هنا، وربما يعود السبب في ذلك إلى كونه أستاذا جامعيا في الاقتصاد ومتحدثا غير رسمي لأقلية الأويغور المظلومة، ومن ثم فهو عادة يخضع لرقابة من الشرطة. ويقول توتي (41 عاما) الذي تنم ابتسامته الدائمة عن حزن أكثر مما تنم عن سعادة: «ربما لا ألاحظهم، خاصة عندما أخرج مع الأصدقاء، لكنهم موجدون».

وخلال المقابلة معه في شقته في بكين دق جرس الهاتف، فنظر إلى الأرقام على الشاشة ووضع إصبعه على شفتيه وهمس لنا «إنه الأمن الداخلي». وبعد محادثة قصيرة أغلق توتي الهاتف وأشعل لفافة تبغ أخرى، وقال: «إنهم غاضبون مني، لقد قالوا صراحة إنني في خطر كبير». هذه أوقات محفوفة بالمخاطر بالنسبة لتوتي، الذي أدى دفاعه عن المسلمين الأويغور الناطقين باللغة التركية إلى وضعه على لائحة الحكومة للمواطنين الذين يخضعون لمراقبة شبه دائمة.

بعد الاشتباكات العرقية في أقصى غرب إقليم شينغيانغ التي راح ضحيتها 197 شخصا في يوليو (تموز) من العام الماضي، ظهر حاكم الإقليم على شاشة التلفزيون ليوجه الاتهام ربيعة قدير، زعيمة الأويغور المنفية، بإثارة الاضطرابات، التي قام خلالها العامة من الأويغور بضرب المهاجرين من عرقية الهان في أورومتشي، عاصمة الإقليم. ثم ألقى بعد ذلك اللوم على موقع توتي على الإنترنت، وهو عبارة عن منتدى نقاشي حي (تقول الحكومة إنه يروج للشائعات) قبل أن يغلق من قبل الرقابة.

في اليوم التالي اقتاده عناصر الأمن إلى ما سموه «عطلة» لمدة ثلاثة أسابيع قاموا خلالها باستجوابه لفترات مطولة وحذروه من الاستمرار في الانتقاد العلني لسياسات وممارسات الحكومة في شينغيانغ. ثم انتقل المحققون بعد ذلك إلى غرفة معيشته. وعلى الرغم من رفض توتي الحديث عما دار خشية إثارة غضبهم، قال: «أحيانا كانوا لطيفين معي، لكنهم في أحيان أخرى كانوا يقولون لي يمكننا سحقك مثل نملة».

لم يتضح بعد السر في عدم سحقهم له إلى الآن. فمنذ اندلاع أعمال العنف الصيف الماضي لم تبد الحكومة أسفا كبيرا على اعتقال العشرات من الأويغور الذين لا يزال مكانهم لغزا إلى الآن. وخلال الأسابيع الأخيرة تم الحكم على العشرات بمدد سجن طويلة وبينهم 3 من خبراء الإنترنت وصحافي أدينوا بتهديد أمن الدولة الصينية. كانت أطول مدد السجن، 15 عاما، قد صدرت بحق الكاتب غيريت نياز (51 عاما) الذي عمل في موقع توتي. ويقول المدعون العامون إن أسوأ جرائم نياز كانت الحديث إلى مجلة في هونغ كونغ. ألقى مصير نياز بظلاله بشدة على توتي وزاد من مستويات خطورة أحاديثه. وقال: «قالوا إنني أضخم من قضيته وإن علي التوقف عن الحديث إلى وسائل الإعلام، لكني لا أستطيع التوقف».

ونظرا لكونه أحد مشاهير مثقفي الأويغور القلائل يرى توتي أنه لا يملك خيارا سوى مهاجمة التفرقة العنصرية والتمييز الاقتصادي الذي يغذي الشعور بالسخط لدى الأويغور والذي انصب بدوره على عرقية الهان الذين تم تشجيعهم على الانتقال إلى الغرب بالملايين، حيث يشكل الهان بحسب تعداد سكان عام 2000 نسبة 40% من عدد سكان شينغيانغ مقارنة بأقل من 5% عام 1949 عندما تولى الحزب الشيوعي السلطة.

ويرى توتي أنه على الرغم من تعهد الحكومة المركزية باستثمار المليارات في إقليم شينغيانغ، فإن أي مبالغ من المال لا يمكنها أن تخفف من الشعور المنتشر بأن ثقافة ولغة 10 ملايين أويغوري تتعرض لتهديد كبير عبر التداخل الاجتماعي. ولن يفلح أن تذهب غالبية المناصب الحكومية والوظائف في صناعات النفط والغاز في الإقليم إلى أبناء عرقية الهان. وانتقد توتي بحدة القادة الصينيين الذين تشدقوا بالحكم الذاتي وفق القانون الصيني، وقال: «أنا قلق من أن يدفع ذلك بالكثيرين إلى التطرف». وربما يقف هذا التطرف خلف التفجير الذي وقع الأسبوع الماضي والذي أدى إلى مقتل 7 أشخاص في أكسو، المدينة التي تقطنها أغلبية أويغورية والتي لا تبعد كثيرا عن موطن توتي. يعرف توتي أن كلماته الجريئة ستكون لها عواقب وخيمة على المقربين إليه، فانتهى زواجه الأول بالطلاق بعد أن أصيبت زوجته بالفزع من صافرات إنذار سيارات الشرطة وطرقهم على الباب، وعادت إلى شينغيانغ مع ابنها. وخلال العام الماضي فرت زوجته الثانية من بكين وبعد فترة وجيزة وضعت مولودهما الثاني. ويعترف أن السكتة الدماغية التي أوشكت على قتل والدته قبل فترة وجيزة ربما يكون سببها خوفها الشديد عليه، وقال: «قالت لي إنها ما كانت لتسمح لي بالذهاب إلى المدرسة لو كانت تعلم أنني سأصير إلى ما صرت إليه الآن».

لتوتي أكثر من 10 أقرباء في شينغيانغ، يعملون في وظائف الأمن العام بينهم أخوان له قاما بزيارات متعددة لبكين في محاولة لإقناع أخيهم بخفض نبرته انتقاداته وربما تخفيف الضغط الذي يواجهونه من رؤسائهم. وليس من الواضح تماما ما إذا كانت شهرته حتى الآن هي التي أنقذته من مصير أسوأ. ويرى وانغ لليشيونغ، وهو كاتب معروف، أن الشهرة نادرا ما تحفظ المعارضين البارزين. ويقول وانغ: «ربما يكون سبب بقائه هو القوى والمصالح المختلفة داخل الحكومة الصينية التي تتجادل بشأن كيفية التعامل معه، لكن عند نقطة ما ربما تقرر سلطة أعلى التحرك والقيام بأمر ما».

ولد توتي في أتوش، الواقعة على الفرع الشمالي لطريق الحرير، ويقول عن نفسه إنه كان مثابرا، إن لم يكن مشتت الفكر نوعا ما. توفي والده الذي تلقى تعليمه في «جامعة بكين نورمال»، عندما بلغ توتي عامين في ظروف لا يعلمها بعد. وقال: «أخشى أن أسأل والدتي لأن الأمر مؤلم للغاية لكلينا».

عندما كان توتي في الصف السادس الابتدائي كان يدرك تماما أن الأويغور والهان يعيشون بصورة مختلفة تماما. وكان صيف 1980 بداية الاضطرابات عندما حاول جمع من الأطفال الأويغور الدخول عنوة إلى دار عرض سينمائي مخصصة للهان. وخلال معركة مع الجنود الصينيين أصيب صبي من عرقية الأويغور إصابة بالغة وفي العراك الذي تبع ذلك انضم توتي إلى الجموع الغاضبة التي حطمت مصابيح الكهرباء وكل نافذة زجاجية في المكان.

وعندما سئل عن السبب في استهداف مصابيح الكهرباء والنوافذ، قال: «لأن تلك كانت أشياء مخصصة للهان لا للأويغور، فقد كنت أقطن في مسكن بدائي، وأعتقد أن ذلك هو الوقت الذي بدأ فيه الأويغور في الانتباه إلى ما يجري حولهم».

حتى الآن، لا يزال توتي يحتفظ بوظيفته كأستاذ في جامعة منزيو، حيث تشتهر محاضراته بين الطلاب الأويغور. وليس من المدهش أن تكون محاضراته ذات طابع ناري. وتحولت إلى تذكارات شهيرة تمرر خلسة بين الأويغور وفي البلاد.

لا يمثل الطلاب المناصرين الوحيدين له، فقد لاحظ منذ وقت قريب كاميرا مراقبة معلقة في سقف قاعة المحاضرات. وسرعان ما أدرك بعد أن قام بتغيير قاعة المحاضرات أن الكاميرات تتبعه، وعلق على ذلك بنوع من الغضب: «ربما يكون ذلك نوعا من المصادفة». ربما يستطيع توتي مغادرة البلاد ويتحول إلى المنفى لكنه يرفض مثل هذه الفكرة. ويرى أنه من خلال المكوث في الصين يمكنه مساعدة نياز والمعتقلين الأويغور الآخرين. كما أنه يشعر بالالتزام تجاه طلابه الذين لا يزال الكثير منهم عاطلين عن العمل رغم سنوات التخرج. ويقول: «كأستاذ جامعي أشعر أنني خذلتهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»