مع تراجع الدور الأميركي.. العراق يمر بمرحلة عصيبة مع استمرار الهجمات والأزمة السياسية

زيباري: الوضع لا يطاق.. فهناك غياب رغبة لتقديم تنازلات في العراق

TT

بعد انسحاب آخر كتيبة مقاتلة للقوات الأميركية الأسبوع الماضي وسط أفراح واحتفالات، لا يزال العراقيون يخوضون معركة الاستقرار. ويعلق فلاح النقيب، عضو البرلمان العراقي عن القائمة العراقية العلمانية، على انسحاب القوات الأميركية قائلا: «يغادر الأميركيون العراق من دون حل مشكلاته. حتى الآن، لقد فشلوا وتركوا العراق لدول أخرى».

ولا يزال يوجد نحو 52000 جندي أميركي في العراق، أي أقل بكثير من عدد هذه القوات خلال ذروة فترة الزيادة عندما بلغ أكثر من 165000 جندي. وبحلول أول سبتمبر (أيلول) سينخفض هذا العدد إلى 50 ألفا فقط، وسيكون دورهم الرئيسي هو التوجيه. ولكن هذا الخفض لعدد القوات، الذي تم تنفيذه بشكل تدريجي على مدى السنة الماضية، يأتي في وقت تشهد فيه البلاد حالة عدم استقرار، فبعد أكثر من خمسة أشهر من الانتخابات غير الحاسمة التي جرت في 7 مارس (آذار)، لا تزال حالة الجمود السياسي تعرقل جهود تشكيل حكومة جديدة، كما أن عمليات الاغتيال آخذة في الارتفاع، فالهجمات لا تزال تحدث بوتيرة يومية، والغضب العام يغلي في حرارة صيف العراق.

وفي هذا السياق، يقول وزير الخارجية هوشيار زيباري: «لقد قلت لهم في واشنطن: إنه سيكون من المحرج أن تغادروا العراق قبل أن يتم تشكيل حكومة. ولا يزال لدى الولايات المتحدة قوة كبيرة هنا، لكنها تحتاج إلى استخدامها لتحقيق نتائج.. والزعماء العراقيون وصلوا إلى طريق مسدود، ونحن في حاجة إلى مساعدة من أصدقائنا الأميركيين».

ويبدأ كل سؤال الآن بـ«ماذا لو؟» ماذا لو تسبب الفراغ السياسي في فقدان المكاسب الأمنية التي حققناها بشق الأنفس؟ ماذا لو حاولت البلدان المجاورة ملء الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة وراءها في العراق؟ ماذا لو لم تشكل حكومة جديدة في هذه الديمقراطية الوليدة؟

ويقول جوست هيلترمان، الخبير في شؤون العراق في مجموعة الأزمات الدولية، «إنها فترة عصيبة. نقول دائما إن تزامن الفراغ السياسي والأمني سيجعل الوضع خطيرا وهذا ما نحن عليه الآن. وإذا استمر العنف ووجد المسلحون الفرصة، ماذا يمكن أن يفعل الأميركيون مع محدودية الموارد التي لديهم؟».

وسيمثل واحد سبتمبر بداية تغير مهمة القوات الأميركية، حيث ستصبح مهمة الست كتائب المقاتلة المتبقية «تقديم المشورة والمساعدة»، وستقوم هذه القوات بالإضافة إلى نحو 4500 من أفراد القوات الخاصة بالتركيز على تدريب قوات الأمن العراقية. وكان من المفترض أن يتزامن توقيت هذا التغيير مع الموعد الأصلي للانتخابات العراقية في يناير (كانون الثاني) 2010، ولكن تم تأجيل الانتخابات حتى 7 مارس، لكن مع اقتراب الموعد النهائي لسحب القوات لا يزال السياسيون العراقيون يتفاوضون حول المناصب العليا في الحكومة الجديدة. وفي الوقت نفسه، تقوم الولايات المتحدة والقيادة العسكرية بتنفيذ عملية الانتقال. وسوف يسلم قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال راي أوديرنو مسؤوليته إلى قائد جديد في غضون أسبوعين. وقد وصل السفير الأميركي الجديد لدى العراق الأسبوع الماضي وبمجرد هبوطه من الطائرة في بغداد تقدم بأوراق اعتماده إلى وزير الخارجية هوشيار زيباري والرئيس جلال طالباني. وقد تم الترحيب بجيمس جيفري، الذي كان سفير الولايات المتحدة لدى تركيا والنائب السابق لرئيس البعثة الأميركية والقائم بالأعمال في بغداد ووصف بأنه أفضل من سلفه كريستوفر هيل الذي لديه خبرة 33 عاما من العمل الدبلوماسي، لكنه تعرض للانتقاد من جانب بعض الساسة العراقيين بسبب افتقاره للخبرة بالمنطقة. وقد كشف زيباري عن أنه قال لجيفري مازحا: «نحن كنا نخطط لأن تبدأ عملك فورا. فهذا بلد رائع وقواتكم تغادره لكن توجد مشكلة صغيرة وهي تشكيل الحكومة».

وبدأ الكثير من العراقيين يتساءلون لماذا ذهبوا إلى صناديق الاقتراع، فالخدمات تزداد سوءا ولا يزال العنف مستمرا والسياسيون يتفاوضون على تشكيل الحكومة ببطء شديد.

وقد علق زيباري على ذلك قائلا: «الوضع لا يطاق وغير مقبول. إنه لأمر محبط للناخبين والرأي العام.. فهناك غياب رغبة لتقديم تنازلات في العراق يقابله نفاد صبر في واشنطن».

ويقول إيهاب عبد الرحمن (29 عاما)، مهندس كومبيوتر، من سكان وسط بغداد، إنه لا يريد بقاء الأميركيين إلى الأبد، ولكن في الوقت الراهن، ومع انخفاض عدد القوات الأميركية فإن المستقبل مخيف وغير واضح. ويقول عبد الرحمن: «إنه لأمر سيئ. أنا قلق، ليس فقط على نفسي ولكن على بلدي وشعبي».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»