باراك يقرر تعيين «الحطاب» غالانت رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي

يعتبر من أكثر القادة العسكريين الحاليين تجربة في قمع الفلسطينيين

TT

في قرار متسرع استهدف وضع حد لحرب الجنرالات في قمة الهرم العسكري الإسرائيلي، أعلن وزير الدفاع إيهود باراك، تعيين قائد اللواء الجنوبي، الجنرال يوآف غالانت، رئيسا لأركان الجيش. ولقي التعيين ترحيبا فوريا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والرئيس شيمعون بيريس، اللذين أعربا عن القناعة بأن هذا هو الرجل الذي سيعيد الانضباط إلى صفوف الجيش بعد أن «خرج الغسيل المتسخ» إلى الإعلام، وتبين أن هذا الجيش الذي يعتبر «بقرة مقدسة»، مشبع بالعفن والفساد.

والجنرال غالانت في الثانية والخمسين من العمر. ولد وترعرع في يافا، لعائلة أشكنازية قدمت من أوروبا. انتسب إلى الجيش سنة 1977 وانضم إلى وحدة «الدورية 13» التابعة للكوماندوز البحري، المعروفة بعملياتها العسكرية خارج الحدود. بعد خمس سنوات من الخدمة، ترك الجيش وسافر إلى ألاسكا في الولايات المتحدة، وعمل حطاب خشب. وخطط لأن يصبح تاجرا كبيرا في هذا الفرع، يستورد الخشب إلى إسرائيل، ولكنه لم يفلح في ذلك وعاد إلى إسرائيل وإلى الجيش بعد سنتين.

وفي سنة 1986 أصبح قائدا لوحدة المقاتلين في الكوماندوز البحري برتبة مقدم. وبعد سنتين، في أعقاب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الشعبية الأولى، نقل إلى جنين، في إطار قرار قيادة الجيش يومها بتعيين محاربين ذوي تجربة كقادة عسكريين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وارتقى غالانت في سلم قيادة الجيش في الضفة الغربية وظل فيها حتى سنة 1994، إذ كان واحدا من القادة العسكريين الذين رتبوا الأوضاع الميدانية تمهيدا لدخول ياسر عرفات أول مرة الوطن، بعد سنة 1967.

في سنة 1994 أعيد غالانت إلى الكوماندوز البحري، ليكون قائدا أول له، واستمر فيه حتى وقوع «الكارثة» الشهيرة في هذه الوحدة المختارة، إذ فقدت 12 محاربا في كمين نصبه مقاتلو حزب الله في الأنصارية في لبنان؛ حيث داهمت القوات الإسرائيلية ليلا، البلدة اللبنانية الساحلية لتنفيذ إحدى المهمات السرية فيها، ففاجأتها قوات حزب الله بذلك الكمين وتمكنت من تصفية القوة بالكامل تقريبا. ولم يعد منها سوى ثلاثة محاربين، أحدهم كان جريحا. فدخلت هذه الوحدة إلى حالة إحباط وأرسل غالانت إلى قطاع غزة، قائدا عسكريا للمنطقة.

وبعد سنتين، أدخل غالانت في مسار القيادات العليا للجيش، حيث أرسل إلى سلاح المدرعات، أحد الأسلحة التي تعتبر الخدمة فيه ضرورية لكل من يرشح لرئاسة الأركان. ومن هناك عين قائدا للقوات البرية. وخلال مسيرته في السنوات التي سبقت هذه المرحلة، كان غالانت على اتصال مع آرييل شارون، القائد العسكري المعروف بتمرده الذي بنى لنفسه مجدا منذ تمكنه من اجتياز قناة السويس إلى الضفة الشرقية في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وأصبح كل القادة المتذمرين يتجمعون لديه ويتعاملون معه كمختار لهم. وعليه، عندما انتخب شارون رئيسا للوزراء سنة 2001، قرب غالانت منه، وبعد أقل من سنة اختاره ليكون سكرتيره العسكري. وهذا منصب كبير في إسرائيل، لأن صاحبه يكون مطلعا على أدق الأسرار في الدولة، بل هو الذي يقرر أية معلومات عسكرية أو استخبارية ينقلها لرئيس الوزراء وأية أمور يحجبها عنه. وهو منصب آخر من المناصب التي تعتبر في إسرائيل «خشبة قفز» إلى مقعد رئيس أركان الجيش، حيث يتعرف من خلاله على السياسيين وعلى الألاعيب السياسية. وقد منحه شارون قوة أكبر، حيث رفعه إلى درجة لواء.

في سنة 2005، عاد غالانت من جديد إلى غزة، وهذه المرة كقائد للواء الجنوبي للجيش الإسرائيلي. وأراده شارون أن يواجه آثار «خطة الفصل»، أي الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة. واشتهر يومها بتصريحاته حول ضرورة اجتياح قطاع غزة واحتلالها من جديد، ردا على الصواريخ التي أطلقتها حماس. وفي حينه وقع الجندي جلعاد شاليط أسيرا لدى حماس وخاضت إسرائيل حربا مليئة بالإخفاقات في الشمال، وعلا اسم غالانت كمرشح لقيادة اللواء الشمالي للجيش. لكن رئيس الأركان يومها، دان حالوتس، رفض. وبقي غالانت في الجنوب، واشتهر يومها بإجراءاته المشددة ضد قطاع غزة لدرجة أنه اختلف مع وزير الدفاع الجديد، ايهود باراك. ففرض غالانت سياسة الرد الفوري والقاسي والهجومي على القطاع ردا على كل صاروخ، بينما كان باراك يحبذ الرد المراقب. بيد أن العلاقات بينهما صلحت، وخصوصا بعد الحرب العدوانية على القطاع في أواخر 2008 ومطلع 2009. فقد اعتبرت هذه الحرب ناجحة، حيث قتل فيها 1100 عنصر من حماس (لا تشمل المدنيين)، مقابل عشرة جنود إسرائيليين (ثلاثة مدنيين). وعلى الرغم من تقرير لجنة غولدستون، الذي أدان إسرائيل بارتكاب جرائم حرب يتحمل غالانت مسؤولية أساسية عنها، فقد ظلت أسهمه ترتفع في إسرائيل. وأصبح غالانت مقربا من باراك بشكل خاص، لدرجة أن هذه العلاقة أصبحت على حساب رئيس الأركان، غابي أشكنازي. وفي المقابل، شاب العلاقات بين غالانت وقائده المباشر أشكنازي كثير من الخلافات بلغت حد النفور. ورفض أشكنازي طلب باراك تعيين غالانت نائبا لرئيس الأركان، قبل نحو السنتين، مما زاد في هذا النفور، وفتح هوة في العلاقات بين أشكنازي وباراك. وتركت هذه العلاقات أثرا في رئاسة أركان الجيش، فأقيمت معسكرات متصارعة فيما بينها. ودارت «حرب» شخصية بين الجنرالات، وصفها المتابعون بأنها قذرة ومشينة. وفي هذه الأثناء، كشف عن وثيقة يشتبه بأن عقيدا في جيش الاحتياط، يدعى بوعز هرباز سربها، لكي يمس بقدرات غالانت على تولي المنصب ويتاح تمديد مهام أشكنازي سنة أخرى. ولكن كشف هذه الفضيحة، دفع باراك إلى التعجيل بتعيين مرشحه ومرشح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أي يوآف غالانت رئيسا للأركان. وحسب مصادر عليمة في الشؤون العسكرية الإسرائيلية، فإن غالانت يلائم نفسه لسياسة باراك، أيضا في القضايا الكبرى، مثل تأييد حرب على إيران.