المفتي العام في صربيا لـ «الشرق الأوسط»: رمضان فرصة لمضاعفة الدعوة إلى الله

رمضان في غرب البلقان.. يحول المساجد إلى خلايا نحل

جميع المسلمين في البلقان يعيشون حياة رمضانية خلال الشهر الفضيل («الشرق الأوسط»)
TT

غالبا ما ينظر إلى الشعوب من خارجها، وما يلاحظها الراصدون من الداخل، أو العابرون، ممن تستهويهم بعض المظاهر، لكن ماذا يقول المسلمون في غرب البلقان، ولا سيما البوسنة، عن رمضان، ونشاطهم وحياتهم في الشهر الفضيل؟

يقول كبير مؤذني مسجد الغازي خسرف بك، وأحد الأئمة الذين يتناوبون على الإمامة فيه الشيخ وهبي تشاشيروفيتش لـ«الشرق الأوسط»: «المسلمون في العالم، ومنهم المسلمون في البوسنة يرحبون بالضيف الكريم، شهر رمضان المبجل، ويعظمون هذه الشعيرة العزيزة على القلوب فهو يحررنا من متطلبات الجسد، ويشفي الكثير من أمراضنا، ويهذب أخلاقنا». ويتابع: «رمضان حياة جديدة يحياها المسلمون، ففي هذا الشهر يختلف كل شيء، حتى الطعام يصبح له مذاق آخر». ويشرح ذلك: «أطعمة رمضان مختلفة النكهة، ونلمس ذلك حتى من رائحة الصومون (خبز يشبه العيش في السعودية ومصر، والخبز الريفي في المغرب الكبير)، والأنوار مختلفة في رمضان، حتى المساجد تختلف فيها الحركة، فالمنارات مضيئة على الدوام، والمصليات مملوءة، وحلقات القرآن منتشرة في كل مكان». ويذكر الشيخ وهبي عادات رمضانية تقام بالمساجد وهي «قيام الحفاظ بتلاوة القرآن قبل الظهر وبين العصر والمغرب وبعد التراويح وحتى الفجر، بشكل يومي طيلة رمضان المبارك».

ويقول رئيس المشيخة الإسلامية والمفتي العام في صربيا الشيخ معمر زوكارليتش: «مظاهر رمضان المبارك في أوساط المسلمين في صربيا عامة، والسنجق خاصة، بارزة جدا حيث إن كل المسلمين أو أغلبهم يتمسكون بالصيام، ويغيرون نظام حياتهم وفق متطلبات الشهر الفضيل، ويرتادون المساجد ويتمسكون بها، ويحافظون على صلاة التراويح منذ بداية شهر رمضان وحتى نهايته، ويقبلون على قراءة القرآن الكريم». ويتابع: «هذا الجو الروحي يلاحظه المرء في الشوارع، فهناك روح جماعية وهي إيجابية جدا، تلاحظ فيها بصمات رمضان المبارك فمثلا في عاصمة السنجق، نوفي بازار، وعند صلاة المغرب لا تكاد تجد أحدا في الشارع. ونشاط المسلمين مرتبط ومتأثر برمضان، فكل الناس يكونون في بيوتهم ساعة الإفطار، أو في ضيافة بمناسبة رمضان. فجميع المسلمين يعيشون حياة رمضانية، وينعمون بلذة الجلوس للإفطار».

وعن نشاطا في المشيخة الإسلامية في صربيا قال: «المشيخة الإسلامية تدرك أن شهر رمضان الفضيل فرصة لمضاعفة جهود الدعوة إلى الله تعالى، وعلى كل المستويات. وعندنا يتم التحضير لرمضان قبل عدة أسابيع من حلوله المبارك، فجميع مؤسسات المشيخة الإسلامية تستعد بعلمائها وأئمتها وناشطيها وأساتذتها لهذه الفرصة السنوية الفريدة، للتزود بالطاقة الروحية المضاعفة، فيزداد عدد الدروس والمحاضرات عن سالف عهدها في الشهور الأخرى، وينشط أساتذة المدارس الإسلامية الثلاث وأساتذة الكلية الإسلامية وأئمة المساجد أكثر من ذي قبل، وتتسع دائرة الاهتمام الدعوي في مناطق السنجق وصربيا لإلقاء الدروس والمحاضرات، حيث تمتلئ المساجد بما لم يسبق له مثيل». وعلى المستوى الإعلامي أو الدعوة من خلال وسائل الإعلام، أفاد: «لدينا طاقم إعلامي يعد البرامج الخاصة برمضان لبثها عبر المحطات التلفزيونية والإذاعية الخاصة. وترسل المدارس الإسلامية الثلاث وكلية الدراسات الإسلامية طلبتها لإمامة الناس في صلاة التراويح في القرى النائية داخل المنازل، حيث لا توجد مساجد في كثير من المناطق، والأمور تسير كما نرغب بتوفيق الله تعالى».

أما مفتي مقدونيا الشيخ سليمان رجبي، فيعتبر شهر رمضان المبارك من الأشهر المهمة في النشاط الإسلامي للرئاسة الإسلامية العليا في جمهورية مقدونيا، «يستقبل المسلمون هذا الشهر الكريم بشوق وفرحة وتعظيم، ويستعدون له على خلاف أشهر السنة بالتعبد وقراءة القرآن الكريم، وبشوق وبفرحة تشاهدها على وجوه المسلمين، بمحافظتهم على المشاركة اليومية طوال شهر رمضان المبارك لصلاة التراويح».

ويمضي قائلا: «في الأحياء التي يقطنها المسلمون، تشعر بأن هناك اختلافا بينها وبين أشهر السنة في تزاور المسلمين بعضهم بعضا لساعات متأخرة من الليل، فشهر الرحمة على المسلمين يظهر في تراحم المسلمين وتوادهم وتشعر بالسلام وبالمحبة بين المسلمين، خاصة خلال شرائهم حاجاتهم من الأسواق بتجاذب أطراف الحديث بعضهم مع بعض».

وتقوم الرئاسة الإسلامية العليا للاتحاد الإسلامي في جمهورية مقدونيا، وهي المؤسسة القانونية طبقا لدستور جمهورية مقدونيا، بالإعداد والإشراف على نشاطات رمضان «تقوم بالاستعداد والتحضير للشهر الفضيل قبل شهرين، ونبدأ بوضع برنامج مكثف خلال اجتماع أعضاء الرئاسة الإسلامية العليا في جلسة خاصة، تناقش فيها الأمور المستجدة ومحاولة التجديد والتنسيق الكامل بين إدارات إفتاء جمهورية مقدونيا الـ13 في المدن والتي تقوم بإحياء الشعائر الإسلامية والأعياد وإقامة الصلاة في المساجد ورعايتها الكاملة». وخلال الجلسة الخاصة للتحضير لشهر رمضان الكريم «يتم وضع برنامج كامل ويعين مسؤولون يقومون بمشاركة مسلمي جميع إدارات الإفتاء في مقدونيا، ويشارك في هذه الزيارات التي يحدد فيها يوم كامل لكل إدارة إفتاء، بزيارة يقوم بها مسؤولو الرئاسة الإسلامية مع أعضاء من المسؤولين الذين يحضرون طعام الإفطار في مدينة الإفتاء». ويكون هذا في جميع مساجد إدارة الإفتاء، كما «يشارك مسلمو المدينة في طعام الإفطار مع مسؤولي الرئاسة الإسلامية العليا. وتقام بجميع مدن جمهورية مقدونيا الإفطارات الجماعية التي يشارك فيها المسلمون، ويكون هناك إعلان خاص بذلك وفي أماكن معينة للإفطار الجماعي، وهذا ليس فقط في العاصمة سكوبيا بل على مستوى إدارات إفتاء جمهورية مقدونيا ويكون الإفطار في مطاعم خاصة للمسلمين».

«وبعد الإفطار، ينطلق أعضاء بعثة الرئاسة العليا للمسلمين لمساجد الإدارة في المدينة، وقبل صلاة العشاء يلقون على المسلمين درسا بمناسبة شهر رمضان المبارك ويشارك المسلمون بطرح الأسئلة على المحاضر الذي يقوم بدوره بالإجابة عنها. وبعد ذلك، يؤدون صلاة التراويح 20 ركعة».

نشاط الرئاسة الإسلامية العليا والمشيخات الإسلامية في البلقان لا يقتصر فقط على زيارات المدن لإدارات الإفتاء لمساجد المسلمين، بل هناك نشاط خارج جمهورية مقدونيا للمراكز الإسلامية في مدن أوروبا، حيث يعين مسؤولون من الرئاسة الإسلامية ويسافرون لدول أوروبا لمشاركة المراكز الإسلامية في ألمانيا وسويسرا، والنمسا، ودول أوروبا الأخرى. وتقوم بعثات الرئاسة الإسلامية بمشاركة المسلمين طعام الإفطار كما تقوم بإلقاء المحاضرات وتفقد أحوال المسلمين الذين يعيشون في دول أوروبا.

أما مفتي كرواتيا الشيخ شوقي عمر باشيتش، فيقول: «نركز أهميتنا على الأنشطة الرمضانية ونحاول وضع البرامج الدينية التي تناسب هذا الشهر الفضيل وتنظيم الاحتفالات في المناسبات الدينية الخاصة في هذا الشهر المبارك، وكل هذا بنية الاستفادة من قدسية شهر رمضان المبارك، ونركز جهدنا في تعليم قراءة العربية كي نعلم أكبر عدد من المسلمين لأجل تمكينهم من قراءة القرآن الكريم». ويضيف: «كما تعلمون أن المشكلة الكبرى للمسلمين من غير العرب هو عدم معرفتهم كتابة وقراءة العربية، وكما يوجد هناك الأنشطة الأخرى مثل تنظيم المحاضرات الدينية وتنظيم المسابقات الثقافية والرياضية للشباب وعمل المسرحيات وغير ذلك». كما تتابع وسائل الإعلام الكرواتية نشاطات الجمعية الإسلامية وتنشر أخبار النشاطات الرمضانية. «وعلى الرغم من حرارة الأجواء، فإن المساجد مليئة بالمصلين وخصوصا الشباب وهذا يسعدنا بوجه خاص، مما يدل على الصحوة الإسلامية بين المسلمين، ومن ضمن الأنشطة الدينية قراءة جزء يوميا وذلك بعد صلاة الصبح وكذلك بعد صلاة العصر بحيث يحضر المسلمون إلى المساجد، وأكثر الناس إتقانا يشاركون في القراءة، وباقي المسلمين الحاضرين يستمعون ويتابعون القراءة بالمصاحف. كما يوجد يوميا قبل صلاة التراويح برنامج الإجابة عن أسئلة المسلمين الدينية المتعلقة بشهر رمضان المبارك وغيره من الأسئلة الدينية، كما نقوم بتنظيم الإفطار للمحتاجين من المسلمين، وتنظيم الإفطار الجماعي».