«مركز غزة التجاري» تفتخر به حماس.. ويستغله منتقدوها

يرتاده عشرات الآلاف ويذيع موسيقى إسلامية وبه بضائع إسرائيلية

TT

تصطف أنواع العطور مثل «هوغو بوس» و«دنهيل» و«غيفنشي» على أرفف متجر مستحضرات التجميل، وتقف منيكان مرتدية قميصا ورديا مثيرا وبنطالا متدلي الوسط في نافذة عرض أحد متجري الملابس النسائية، وتعج ثلاجة السوبر ماركت بآيس كريم «نستله»، ومختلف أنواع الجبن وكميات كبيرة من مساحيق الزينة التي تستهلكها المجتمعات الغنية.

فمدينة غزة، التي طالما عرفت ببؤسها، أصبح بها الآن مركز تسوق. وافتتح هذا المركز في احتفالية ضخمة الشهر الماضي، ونقلت كاميرات التلفزيون الفلسطيني المسؤولين في حكومة حماس، وهم يتجولون بفخر بين المتاجر الجديدة اللامعة والمليئة بالسلع المستوردة.

وبالنسبة لحماس والمستثمرين المحليين الذين لهم علاقة بها والذين يقفون وراء هذا المشروع، فإن المركز التجاري، ذا الطابقين، بما فيه من تكييف مركزي وموقف للسيارات تحت الأرض، يمثل قيمة رمزية كبيرة، فهو دليل، كما يقولون، على قدرة القطاع على التطور والازدهار.

ولكن الترميز عمل محفوف بالمخاطر، فقد استغل المدافعون عن إسرائيل موضوع افتتاح المركز التجاري لأغراضهم الخاصة كذلك، فأخذوا يتساءلون وهم يرفعون صورا لامعة للمتجر الجديد: هل هذه هي أرض الحرمان التي نسمع عنها؟ كيف استطاعوا بناء هذا المركز التجاري إذا لم يكن يسمح بدخول مواد بناء إلى غزة؟ كيف يمكن لمكان توصف أوضاعه بالسيئة أن يفتتح هذا المركز التجاري بما يحتويه من مظاهر الترف؟ ثم يخلصون إلى القول بأن أساطيل المساعدات التي تستهدف غزة تبحر إلى الوجهة الخطأ.

واختار أصحاب هذا المجمع التجاري الذي يحتوي عشرة متاجر اسم «مول غزة» على أمل أن يصبح شبيها بالمجمعات الاستهلاكية الضخمة المنتشرة في مختلف أنحاء العالم المتقدم، التي تعرض عددا لا حصر له من الأسماء التجارية، وتوجد بها دور سينما متعددة الشاشات، وترتبط أدوارها المختلفة بواسطة سلالم متحركة تحيط بها نوافير مياه يصل ارتفاعها إلى طابقين، وتوفر مجموعة متنوعة من المأكولات في أماكن مخصصة للطعام.

ويسعى «مول غزة» إلى أن يتشبه بهذه الأماكن، لكنه ليس واحد منها، فالمركز التجاري المبني على مساحة 1000 متر مربع، أو ربع فدان، تمثل مساحته مساحة قطعة أرض سكنية في ضواحي الولايات المتحدة، ولا تتجاوز مساحته في مجمله ركنا من أركان أي من متاجر «جي سي بيني» الأميركية الشهيرة، وليس به سلالم متحركة، ولا تسمع فيه سوى الموسيقى الإسلامية ولا توجد به أي أجهزة منزلية أو أجهزة إلكترونية ولا شاشات عرض سينمائي، ويوجد به مطعم واحد يقدم الوجبات المقلية فقط والطابق الأول منه يشغله سوبر ماركت، وهو أمر نادر في قطاع غزة. وهذا هو ما اعترف به صلاح الدين أبو عبده، مدير مركز غزة التجاري، بشيء من الخجل قائلا: «إننا نعلم أن مركز غزة التجاري لا تتجاوز مساحته مساحة محل أميركي متوسط الحجم».

ويجب توضيح بعض النقاط للمعلقين الذين لم يزوروا المكان من قبل، ولأولئك الذين يرون أن المركز دليل على أن غزة بها مواد بناء: المبنى الذي يضم هذا المركز مبني منذ عشرين عاما، ولأولئك الذين وصفوا المركز بأنه بناء «عملاق» و«مستقبلي»: نشير إلى أنه مبنى صغير ومن الطراز القديم. وإلى داني ايلون، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، الذي كتب يقول إن هذا المركز «لا يبدو غريبا عما نراه في أي عاصمة من العواصم الأوروبية»: أعتقد أن هذا أمر صحيح.

ولكن وجهة النظر الأكبر لكثير من هؤلاء المدافعين عن إسرائيل، هي أن مسألة الفقر في قطاع غزة كثيرا ما يساء فهمها، عمدا أو عن غير قصد. فالوضع هنا ليس مثل الوضع في هايتي أو الصومال، إنه بؤس عدم الاستقلال والجمود واليأس وليس البؤس الناتج عن حاجة طاحنة. ولم يكن هدف حركة أسطول الحرية تقديم مساعدات مادية لأهل غزة بل السعي من أجل حرية الفلسطينيين وتحدي القوة الإسرائيلية، وهو ما أكده نداء وشاح (22 عاما)، طالب تكنولوجيا المعلومات، الذي كان يزور المركز التجاري مؤخرا: «غزة ليست فقيرة بالشكل الذي يظنه البعض في الخارج. لا يمكنك مقارنة الفقر في غزة بالفقر في أفريقيا».

وعلى الرغم من تواضع هذا المركز التجاري فإنه يشكل مصدر سرور وفرح لأهل غزة، ويرتاده عشرات الآلاف من الناس ليتمتعوا بتكييف الهواء والتسوق عبر النافذة، ورؤية آخر العلامات التجارية الإسرائيلية التي وصلت إلى القطاع. وامتنعت إسرائيل عن إدخال منتجاتها إلى قطاع غزة على مدى السنوات الثلاث الماضية للضغط على حكومة حماس الإسلامية التي ترفض الاعتراف بها. ولكن هذا الحظر توقف منذ شهور قليلة عندما قامت القوات الإسرائيلية بوقف أسطول مكون من ست سفن كانت تحاول تحدي الحصار المفروض على قطاع غزة وعندما واجهت القوات مقاومة قامت بقتل تسعة أشخاص على متن إحدى هذه السفن، مما تسبب في غضب دولي، وحدوث تحول في السياسة الإسرائيلية تجاه القطاع. وفي الأسابيع الأخيرة، أصبحت الكثير من السلع الإسرائيلية متاحة، وذلك على الرغم من أن الاقتصاد لا يزال مقيدا، ولا تستطيع سوى شريحة صغيرة من السكان شراء أكل الحيوانات.

ويقول أبو عبده: «هذه الأشياء للأغنياء. إن الأموال في قطاع غزة يملكها قلة قليلة من الناس».

ومع ذلك، فمن المحير بعض الشيء رؤية علب من الحمص وعسل النحل الإسرائيلي في المركز التجاري، فالحمص يتوفر في كل زاوية من زوايا قطاع غزة المشهور أيضا منذ فترة طويلة بعسل النحل الذي ينتجه. وفسر مدير السوبر ماركت هذا قائلا: إن المنتجات الإسرائيلية تحتوي على مواد حافظة مما يحافظ على بقائها حتى في ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء. أما سكان غزة أنفسهم، فإنهم يفخرون بهذا الصرح.

يقول عثمان تركمان (26 عاما)، الذي يعمل في مجال حل الصراعات والتسوق: «أنا أشعر بالتحضر هنا. إنها ليست للجميع، بطبيعة الحال. الكثير من سكان غزة فقراء في غزة ولا يستطيعون أن يستمتعوا بالمركز التجاري. ولكنهم يبيعون بنفس أسعار المحلات التجارية الأخرى وهو أمر جيد».

*خدمة: «نيويورك تايمز»