واشنطن: رجال بن لادن في أفغانستان أقل من 100 فرد لا يملكون قدرة على شن هجمات

مقاتلو «القاعدة» يتولون أدوارا محدودة في الحرب الأفغانية

TT

أدت الغارة التي شنتها الطائرات الأميركية في الـ14من أغسطس (آب) في إقليم قندز شمال أفغانستان إلى مقتل أبو باقر، أحد قادة حركة طالبان. لكن هذا الحادث، في دولة يقتل فيها المتمردون كل يوم يحمل أهمية خاصة، فأبو باقر، بحسب تصريحات الجيش، كان عضوا في «القاعدة».

دأب المسؤولون الأميركيون على التصريح بأن «القاعدة» تلعب دورا هامشيا في الحرب الأفغانية، وهو ما كشف عنه تحليل ما يقرب من 76.000 تقرير عسكري أميركي سري نشر على موقع «ويكيليكس» يؤكد محدودية دور أسامة بن لادن وشبكته بعد الحرب. فتذكر التقارير التي تغطي فترة تصاعد التمرد بين عامي 2004 و2009 «القاعدة» عشرات المرات القليلة أو حتى بصورة عابرة. أغلب هذه الحالات تتضمن إشارات مبهمة إلى أفراد لا يرتبطون بصلات محددة مع «القاعدة».

نادرا ما يأتي ذكر بن لادن، الذي يعتقد أنه يختبئ في منطقة الحدود الباكستانية، في التقارير. وتتحدث بعض الروايات عن وجود صورته على جدران بعض المنازل بالقرب من خوست في شرق أفغانستان عام 2004.

وبعد عام، شاهدت القوات الأميركية صورته في ملصق دعائي بالقرب من الحدود الباكستانية. وفي عام 2007، قام حاكم مقاطعة في إقليم نانغارهار بإعلام المسؤولين الأميركيين أن الصحيفة المحلية ستنشر أسماء الذين يعملون لصالح بن لادن.

نادرا ما يأتي ذكر أسماء قادة «القاعدة» الآخرين، في التقارير أيضا، فيذكر تقرير مؤرخ في يونيو (حزيران) 2007 محاولة أسر أو قتل أبو ليث الليبي، القائد البارز في صفوف «القاعدة»، لكن القوات الخاصة الأميركية أخطأت الهدف فقتلت سبعة أطفال في مدرسة دينية في إقليم باكتيكا.

وحملت التقارير أيضا بعض الإشارات العابرة إلى أبو إخلاص المصري، اسم مستعار لأحد قادة مقاتلي «القاعدة» في إقليم كونار. حيث أكد مسؤول محلي أفغاني للقوات الأميركية في عام 2008 أنه سمع شائعة بأن أبو إخلاص يعاني التواء كاحله، لكن شيئا من ذلك لم يثبت، على الأقل في تقارير «ويكيليكس»، ولا يزال مصير المصري مجهولا.

وفي يونيو (حزيران)، أشار ليون بانيتا، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى وجود ما بين 50 إلى 100 عضو من «القاعدة» في أفغانستان. وهو ما تردد في التقارير التي قدمها مسؤولون أميركيون بارزون. ففي أكتوبر (تشرين الأول)، قال جيمس ليون مستشار الأمن القومي إن التقديرات القصوى للحكومة الأميركية تشير إلى أن أعضاء «القاعدة» في أفغانستان أقل من 100 فرد لا يملكون قاعدة أو قدرة على شن هجمات سواء على الولايات المتحدة أو حلفائها.

ومنذ الغزو الأميركي لأفغانستان في عام 2001، سعى قادة «القاعدة» ومقاتلوها إلى اللجوء لمناطق الحدود الباكستانية، حيث تعرضوا لهجمات الطائرات من دون طيار خلال محاولتهم الابتعاد عن نطاق القوات الأميركية.

عمليات الفرار هذه تشير إلى تخلي مقاتلي «القاعدة» عن نهجهم في النزاعات السابقة. فقد قام بن لادن وقادة الجهاد الآخرون بتجنيد آلاف من العرب والمقاتلين الأجانب الآخرين لقتال السوفيات في أفغانستان في الثمانينات. كما أقنعت «القاعدة» المئات، بل الآلاف بالسفر إلى العراق في أعقاب الغزو الأميركي عام 2003، حيث لعبوا دورا بارزا في تغذية التمرد والعنف الطائفي.

ويرى المحللون والمسؤولون العسكريون أن «القاعدة» لجأت إلى تغيير استراتيجيتها، عبر تحجيم دورها على الأغلب في التمرد الذي تقوده طالبان عبر المساعدة في التدريب وجمع المعلومات الاستخباراتية والدعاية.

ويقول بروس هوفمان، خبير الإرهاب والأستاذ في جامعة جورج تاون: «أعداد أفراد (القاعدة) في أفغانستان ليست بالكبيرة، لكن قدرتهم على مساعدة القوات المحلية تفوق أعدادهم بكثير، فقد تعلموا من خبراتهم السابقة عندما كان مقاتلوهم الأجانب السابقون يقودون التمرد».

وأشار أن قادة «القاعدة» في العراق الذين قدموا من أماكن أخرى أثاروا غضب العراقيين عبر محاولة خطف ذلك التمرد.

ويرى مسؤولون أميركيون أن «القاعدة» تدرك تلك المجازفة في أفغانستان، وأن قادة طالبان غالبا ما يرون حليفهم السابق «القاعدة»، عقبة، بحسب التقرير السري الذي قدمه الميجور جنرال مايكل فلين الضابط البارز في الاستخبارات العسكرية الأميركية في أفغانستان.

على الرغم من رغبة طالبان في الحصول على دعم «القاعدة» والجهاديين حول العالم، فإنهم يشعرون بحساسية تجاه فكرة أن يعتبر الأفغان ذلك تدخلا خارجيا.

هذا العمل المتوازن نتج عنه تدفق محدود للمقاتلين الأجانب، غالبيتهم من الأوزبك والشيشانيين الذين انضموا إلى الشبكات المرتبطة مع «القاعدة»، مع انخفاض أعداد العرب والأوروبيين الذين يلبون نداء «القاعدة» بالانضمام إلى الجهاد في أفغانستان.

أحد المؤشرات على وجود المقاتلين الأجانب يمكن ملاحظته في سجن بروان العسكري الأميركي الجديد في قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان.

ويقول نائب الأدميرال روبرت هوارد قائد عمليات الاعتقال في أفغانستان، إن عدد المعتقلين الأجانب بين نزلاء السجن الـ950 أقل من 50 فردا جاءوا من خارج أفغانستان، ثلاثة أرباعهم باكستانيون، وأشار إلى أن ندرة وجود مقاتلين من وسط آسيا قائلا: «هذا قتال محلي».

وتشير مراجعة التقارير التي تم تسريبها إلى أن المقاتلين العرب - المرتبطين بـ«القاعدة» - يقصرون نشاطهم على الأغلب في الشرق في عدد محدود من الأقاليم على الحدود الباكستانية. وعندما يعبرون الحدود عادة ما يقومون بذلك في مجموعات صغيرة وضمن مجموعة كبيرة من مقاتلي طالبان.

في يونيو من عام 2007 على سبيل المثال، أبلغت فرقة مقاتلة أميركية عن تلقيها معلومات تفيد باجتماع ما يقرب من 60 مقاتلا من قوات طالبان بينهم ستة عرب وإيرانيان على قمة جبل في إقليم خوست. خلال الشهر ذاته، قتل في إقليم باكتيكا عربي ومقاتلون باكستانيون بعد أن هاجمت مجموعة كبيرة من مقاتلي طالبان موقعا أميركيا في مقاطعة بيرمال.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2009، أبلغت دورية للقوات والشرطة الأفغانية تقودها القوات الأميركية عن وجود كمين في إقليم كونار، حيث زرعت مجموعة من المتمردين قنبلة على جانب الطريق وهاجموا الدورية بالبنادق. لم تصب الدورية بخسائر في تبادل إطلاق النار، لكنهم قتلوا واحدا من الأعداء وحصلوا على هاتفه الجوال. أوضحت الدورية في تقريرها أن المترجم المرافق لها فحص الهاتف ووجد أن كل البيانات الموجودة داخله مكتوبة باللغة العربية.

وأشار محللون آخرون إلى وجود أدلة مؤكدة على وجود «القاعدة» شرق أفغانستان عبر الحدود، حيث توجد قيادة «القاعدة» في منطقة القبائل الباكستانية. وتقدم بعض التقارير لمحات حول الحملة السرية الأميركية لقتل قادة التمرد في أفغانستان، فتكشف السجلات عن وجود وحدة «قوة العمل 373» التي تسعى وراء الأفراد على قائمة «القتل أو الأسر» الأميركية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»