مخاوف من عودة ركود تاريخي أصاب أسواق الذهب السعودية قبل 5 عقود

مستثمرون لـ «الشرق الأوسط»: انخفاض المبيعات أجبر التجّار على التخلي عن المهنة وإغلاق المصانع

عامل في متجر لبيع الذهب في أحد أسواق السعودية يزن قطعة مشغولة من الذهب الذي يعاني حاليا شحا في المبيعات («الشرق الأوسط»)
TT

أبدت في السعودية مصادر مستثمرة عن مخاوف في أوساط تجار قطاع الذهب والمجوهرات من عودة ركود عظيم في المبيعات وحجم استهلاك أسواق التجزئة، مشابهة لما حصل قبل 50 عاما في المملكة.

وأفصح لـ«الشرق الأوسط» مستثمرون عاملون ببروز بوادر ملامح توحي بظهور بعض المؤشرات عن مرحلة جديدة تعيشها أسواق الذهب والمجوهرات في المملكة، أهمها تراجع بارز للمبيعات وانخفاض الاستهلاك وظهور تفضيلات جديدة.

وكشف سامي المهنا، مستثمر سعودي ومحلل دولي معتمد في أسواق الذهب، أن الأسواق المحلية تشتكي حاليا ضعفا ملموسا في المبيعات يصل إلى 80 في المائة، على الرغم من وجود محفزات الموسم الحالي من موسم الزيجات ورمضان وبعدها عيد الفطر المبارك.

وأفاد المهنا بأن هناك عدم الثقة في الشراء لدى المستهلك، رغم أن بداية الإجازة والأعراس شهدت حركة طفيفة جدا فيما أن الاستعداد لاستقبال رمضان جار، إلا أن هناك مؤشرات عدم استقرار وربكة للمستهلك أو المستثمر للتوجه للذهب.

وأوضح المهنا، الذي ينتمي إلى الجيل الخامس من عائلة عاملة في مجال الذهب من العام 1741، وحاصل على مؤهلات علمية من جامعات ومعاهد معتمدة، أن ارتفاع السعر ينضم إلى وضع الركود الملموس في مبيعات الأسواق المحلية في المملكة، وكذلك انخفاض العائد على المستثمرين.

بحسب المهنا فإن العوائد باتت غير مجدية للمستثمرين والتجار حيث لا يتجاوز 3 في المائة فقط، موضحا أن أعدادا كبيرة من مصانع الذهب المحلية خرجت من السوق إذ دخلت دائرة المخاطرة وتحتاج لنوع من القوة ورأس المال للصمود في وجه الاعتبارات الحالية.

ويضيف المهنا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن هناك توجهات استثمارية تبزغ حاليا أمام المستثمرين التجاريين أو المستثمرين الماليين للاستفادة من الفرص المتاحة محليا وخارجيا في الأسواق المالية والبورصات العالمية مع انخفاض أسعار الأسهم ووجود فرص استفادة من انعدام استقرار بعض العملات الرئيسية، وهو ما يفسر ضعف حركة الاستثمار في الذهب لا سيما بعد تسجيله لمستويات سعرية تاريخية باتت تقلل من تقديرات توقع تحقيق الأرباح.

وذكر المهنا، الذي يمتلك مصنع الجزيرة لصياغة الذهب، بأن أسعار الكيلو صعدت بشكل مضاعف ليبلغ سعره 170 ألف ريال (45.3 ألف دولار) للكيلو غرام الواحد، مرتفعا من 65 ألف ريال (17.3 ألف دولار).

ومعلوم أن السعودية تمثل سوقا عملاقة لاستهلاك الذهب على المستوى العالمي، حتى صنفت كثالث أكبر المستهلكين للأفراد عالميا، فيما قدرت معلومات غير رسمية حجم سوق الذهب المحلية في المملكة بقرابة 30 مليار ريال (8 مليارات دولار) بكمية مبيعات سنوية تقدر بنحو 400 طن سنويا تقريبا.

وأبان المهنا أن هناك مخاوف فعلية من عودة سلوك سوق الذهب والمجوهرات إلى ما كان عليه وضع الاستثمار والاتجار في قطاع الذهب والمجوهرات في الخمسينات الميلادية بالمملكة، حيث ركود عظيم في المبيعات وتراجع الاستهلاك وعدم وجود الرغبة لدى المستهلكين.

وقال المهنا إن هناك مؤشرات لذلك السلوك بينها وصول الذهب المستورد لتغطية السوق المحلية بنسبة 80 في المائة، وهو ما بدأ يجد طلبا محليا مع انخفاض أسعاره.

وأبان المهنا أن هناك دولا تجد دعما حكوميا كماليزيا كأكبر منتج للذهب للاستهلاك الجمالي في جنوب شرقي آسيا، وكذلك الهند لديها إنتاج متنام وسط دعم حكومي متمثل في مزايا منها الرسوم والاستثناءات والإعفاءات وتسهيل الإجراءات للتحفيز على إنتاج وصياغة الذهب، إضافة إلى تكثيفها للمعارض وتسويق الذهب واستغلال الأسواق غير القادرة على الاستمرار.

وأوضح الخبير المهنا بأن المملكة نجحت خلال العقدين الماضيين في الدخول إلى صناعة الذهب وصياغته وتسويقه بأعلى جودة وأفضل خامات ممكنة، تصدرت بها الطلب على المستوى الإقليمي والمنطقة العربية، مفيدا أن صناعة الذهب في المملكة ولدت علامات تجارية عالمية ونافست دولا متقدمة كبلجيكا وإيطاليا وفرنسا.

وقال المهنا إن قطاع الذهب والمجوهرات يحتاج إلى جملة من المحفزات في هذه المرحلة لكي يتم استنهاض الصناعة مجددا وإنعاشها، أهمها التشجيع الحكومي والحفاظ على الخبرات الموجود لا سيما أن المملكة أكبر سوق ذهب في الشرق الأوسط وسوق واعدة مدعومة باقتصاد عملاق، مشيرا إلى ضرورة الرجوع إلى أصحاب المنشآت للاستفادة من خبراتهم في وضع حلول للمرحلة.

ودعا المهنا إلى أهمية تخفيض وتخفيف المتطلبات والإجراءات لتعزيز وضع الصناعة، بينها رفع الرسوم والتأشيرات عن مصانع الذهب المحلية، وكذلك رفع القيود على بعض المواد الكيميائية المهمة في صناعة الذهب كالألوان والتحكم فيها وغيرها من المواد لتضفي ميزات صناعية جديدة على المنتج المحلي.

ويرى المهنا ضرورة تشجيع السلطات المعنية لدعم المعارض المحلية والإقليمية لتسويق الشركات لمنتجاتها محليا وإقليميا ودوليا، مضيفا أهمية مراقبة الأسواق لا سيما المناطق القاطنة على الحدود شبه المهملة لضمان مستوى وسلوك تجارة منضبط.

إلى ذلك، كشف مستثمر سعودي في قطاع الذهب والمجوهرات عن أن الارتفاع العالمي في أسعار الذهب بشكل عام، خفض مبيعات المعدن الثمين في السعودية إلى 70 في المائة، مبينا أن سعر «الأونصة» عالميا نحو 1300 دولار.

وقال غسان النمر رئيس مجموعة غسان النمر للذهب والمجوهرات، إن الارتفاعات السعرية للذهب انعكست سلبا على قطاع التصنيع والتسويق وتأثيره على دورة رأس المال في البلاد، مشيرا إلى أن السلعة أو القطعة التي كان سعرها يقدر بـ3 آلاف ريال (800 دولار) عندما كان سعر الأونصة يتراوح بين 600 دولار أو 750 دولارا، أصبح الآن سعرها مضاعفا، وبالتالي تراجع حجم المبيعات بنسبة كبيرة، واتجه الكثير من المستهلكين لشراء الإكسسوارات وفقا لميزانياتهم المقدرة لشراء الكماليات والتي لا تفي بشراء الذهب مقارنة بسعره الباهظ.

وقلل النمر من تأثير تلك الارتفاعات بشكل كبير على السوق المحلية أو الاعتقاد بأن يتكبد تجار الذهب خسائر فادحة جراء ذلك، وقال «السعودية من الدول الكبرى في استهلاك المعدن النفيس وارتفاع السعر أثر على المبيعات بشكل ملموس جدا، ولكن هذا لا يعني وجود خسائر مباشرة أو كبيرة لأنه مع ارتفاع الأونصة عالميا تزيد القيمة السوقية لمخزون تجار الذهب». وتابع «المهم هو دورة المبيعات وحجم الاستثمارات التي تدور في السوق، ومن الممكن القول إن هذا حد من الربحية دون أن نتحدث عن خسائر على اعتبار أن نسبة الأرباح من حجم المبيعات في السابق تقدر بنحو 20 إلى 25 في المائة أما الآن فانخفضت النسبة إلى 5 في المائة و7 في المائة تقريبا.

وبين النمر، الذي يتحدر من عائلة تتاجر في الذهب من نحو مائة عام ونيف تقريبا، أنه في حالة استمرار ارتفاع السعر عالميا ستكون له تأثيرات أكبر دون شك، مشيرا إلى أن آلية التسويق ستختلف عما كانت عليه لأن تجار الذهب سيضطرون لتغيير آليتهم في العرض والتسويق وذلك بنقل الفكر التسويقي المعمول به في أوروبا وشرق آسيا والذي يعتمد على ابتكار أفضل وسائل للعرض والبيع بالقطعة لا بالوزن مع الاهتمام بالكيفية وليس الكمية.

وأكد أنه ذلك من شأنه أن ينعكس أيضا على نوعية المنتج والجودة العالية مقابل أن ترتفع كلفته، وفي هذه الحالة لا يمك التاجر البيع إلا بالقطعة لأن القيمة بالوزن لا تفي بالتكلفة الحقيقية للمنتج، وهذه الآلية ستؤثر أيضا على المخزون في المعارض والتي ستتراوح ما بين 7 إلى 15 كيلوغراما كمخزون في المعرض مقارنة بمخزون تراوح من 20 كيلوغراما إلى 50 كيلوغراما عندما كان سعر الذهب متدنيا.

إلى ذلك، فتح يوسف المسعري المالك لمؤسسة ثين للمجوهرات والأحجار الكريمة ملف البدائل التي تتجه إليها المرأة السعودية، مؤكدا أن أبرز التوجهات مرتكزة على مشغولات الفضة المعالجة بـ«روديوم» لتعطي لون الذهب الأبيض، لكنه أكد أن هذا النوع كذلك شهد ارتفاعا في أسعاره بمستويات عالية جدا وباتت كأسعار الذهب المباعة قبل 3 سنوات.

وقال المسعري: «النساء في المملكة اتجهن نحو الفضة المصنعة كذلك إلى أحجار تقليدية وسط نمو في الطلب بواقع 70 في المائة على هذه الأنواع»، مفيدا في الوقت ذاته إلى التوجه نحو الإكسسوارات الرخيصة وأنها لا تزال تواجه بحملات عنيفة للتوعية بالعامل الصحي لا سيما الأمراض الجلدية.

وعرج المسعري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن الأحجار الكريمة دخلت حيز الطلب حاليا مع فارق التكلفة على المستهلك مقارنة بالذهب والألماس، بيد أن الصناعات تشهد مشغولات جديدة وإضافات إبداعية تمكن من استخدام نسبة بسيطة من الذهب، موضحا أن الألماس كذلك يمضي في الإطار ذاته باستخداماته في تزيين الساعات.