موقع إلكتروني متخصص في تقديم استشارات الموضة لسكان واشنطن

العاصمة الأميركية تحصل مؤخرا على فرصتها مع الأناقة

TT

إذا كنت تظن أنك تعرف الفارق بين لوني الفيروز والياقوت الأزرق (أو السافير)، فهذا يعني أنك لست على اطلاع كاف بالفارق بينهما. وما لم تكن من ذلك النوع من الناس، الذي يحتفظ بمخطط ألوان بانتون في غرفة تغيير ملابسه، بل ما لم تكن حقا من ذلك النوع الذي سمع عن شركة استشارات الألوان المفضلة للموضة.. فهناك فرصة كبيرة في أنك لن تعرف كيف يمكن للونين تابعين لفصيلة اللون الأزرق أن ينتجا تابعين لفصيلة اللون الأحمر.

هذا الأمر غاية في الأهمية. فلو أن لون بشرتك ضارب إلى الحمرة، فإن قميصا بلون الياقوت الأزرق قد يكون الشيء الذي يلطف من اللون القرنفلي في وجنتيك. لكن إذا كانت بشرتك «تبنية» اللون، أي أميل إلى الصفرة الباهتة، فإن اللون الفيروزي سيكون خيارا سيئا.. لأنه يمكن أن يجعلك تبدو أكثر شحوبا أو حتى «صفراوي» البشرة.

ربما تبدو مثل هذه الاعتبارات تافهة بصورة عامة، لكن عندما يتعلق الأمر بحياتنا اليومية، مثل أن تكون حريصا على ترك انطباع جيد خلال لقاء عمل، فهذا النوع من المعلومات يمكن أن يكون مفيدا.

ولسوء الحظ، فهذا النوع من المعرفة لا يمكن للإنسان أن يكتسبه في المرحلة الثانوية أو الجامعية، وهو لا يأتي مفصلا في مجلات كـ«فوغ» أو «هاربرز بازار»، حيث تقدم للقارئ إطلالة على توجهات الموسم، وبالتالي، فإن مستشاري الأزياء - أولئك الجنود المتخفون خلال كبرى المهرجانات السينمائية - هم حراس أسرار كهذه.

لكن كيف يمكن لأمثالنا اكتشاف هؤلاء الموهوبين؟

من أجل هذه الفكرة أسست وكالة «ستايل فور هاير» (أي «أناقة للإيجار») على الإنترنت لتوفي فرصة الاكتشاف. وستكون واشنطن المحطة التجريبية الأولى لسوق الشركة.

عندما ينطلق الموقع الإلكتروني للوكالة يوم 13 سبتمبر (أيلول)، سيتمكن العملاء من البحث في قاعدة بيانات مستشاري الموضة، الذين أقرتهم الوكالة في منطقة واشنطن العاصمة. أما مؤسسو الموقع فهم: ستايسي لوندون، ذات الخصلات الرمادية في شعرها الأسود الفاحم، المعروفة من برنامج «وات نوت تو وير» المذاع على القناة التعليمية، وسيندي مكلوخلين، المديرة التنفيذية السابقة في صناعة الموضة، وهما اللتان ستتوليان التدريب والفحص.

كانت البداية خلال إحدى العطلات الأسبوعية في شهر يوليو (تموز)، حين تجمع أكثر من عشرين رجلا وامرأة يتطلعون للعمل كمستشاري موضة مع الوكالة الجديدة، في مبنى «هاوس أوف سويدن» بمنطقة جورج تاون في ضواحي العاصمة الأميركية. ودارت المناقشات حول مواضيع شتى، شملت التحليل الدقيق لمخطط ألوان بانتون، ثم مداولات حول الملابس الأساسية والنسب، وصورة معقدة لحساب تكلفة الملابس التي تستخدم من الجبر والإبهام ما يولد الاعتزاز في أفئدة القائمين على مكتب المحاسبة الحكومية.

مكلوخلين (40 سنة) تقول شارحة: «نحن نحاول الخروج بنظام موضوعي». ولكن كيف يمكن أن تحدد بصورة موضوعية العين الخبيرة وتنتهج الأسلوب الأنسب مع العملاء؟

من أجل توفير الطمأنينة وهدوء البال يعرض الموقع ضمانا برد المال إلى العميل أو العميلة خلال فترة 30 يوما، إذا لم يقتنع بالمشورة. وتكمن مهارة مستشار الموضة في معرفة حالات من نوعية ما إذا كان على العميلة ارتداء تنورة واسعة أم تنورة ضيقة، أو رفع قيمة الزي العادي بإضافة قلادة جانبية أو حزام. وهم الرواة الذين يجعلون من نقص الانسجام في زي ما مسألة كارثية. ثم إن مستشاري الموضة، هم أولئك الذين يستطيعون صنع أيقونة موضة من ممثلة سينمائية صاعدة في العشرينات، أو من زوجة رئيس في الأربعينات من العمر لا تحمل الكثير من مقاييس الموضة. وهم لا يساعدون على التسوق ولا يخبرون العميلة بما ينبغي عليها لبسه، لكن أفضل ما يقدمونه مساعدة العميلة في «صنع» إطلالة براقة، ولكن بصورة مقنعة، و«خلق» شخصية مميزة من ملابسها.

لوندون تجنبت في تدريبها القيود العاطفية القوية التي تنتهجها في برنامج «وات نون تو وير». فمستشارو الأناقة في الوكالة لن يدفعوا عميلاتهم إلى غرف فيها مرايا من كل الجهات ويجبروهن على مواجهة أخطائهن في ارتداء سراويل القماش وقمصان ذات اللبادات. كما لا تؤمن لوندون بـ«طريقة هوليوود» التي تنتهي بها العميلات أحيانا كمستنسخات عن مستشاريهن، وهي ترى أن على خبراء الموضة في واشنطن أن يكونوا مزيجا من مشجع وطبيب سريري وطبيب نفسي.

وتقول لوندون (41 سنة): «أنت بذلك تسير في المنطقة الخطرة لأن المظهر مهم جدا في تقييم الذات». وتضيف «وهنا عليك ألا تسقط ضحية الوهم.. فالهدف هو إظهار العميلة في أفضل صورة، وليس تدليلهن. وبصرف النظر عن كل هذه الأمور العاطفية فإن النساء لا يحسن ارتداء الملابس».

ولكن، مع هذا، فلا بد أن تكون الدبلوماسية عاملا مصاحبا لهذه الوظيفة، فقد طلب بعض زبائن مستشارة الموضة بولا أونيل التحدث برفق مع بنتيها البالغتين من العمر 13 سنة. وقالت بولا: «أبدي رغبة في أن أخرج مع ابنتاي في سن مبكرة لكي أعلمهما طرق التعبير عن نفسيهما، في حين أن البنتين كانتا لا تزالان تتعلمان المواءمة بين الملابس».

وترى أونيل أن الكثير من المراهقات يلبسن لكي يبرزن.. بل إنهن يرغبن فقط في النجاح في المدرسة. ويمكن أن يقال السبب ذاته عن النسوة البالغات».

وبالمناسبة، فمن المفيد أن يعلم المرء أن مستشاري الموضة لا يرتدون على الدوام ملابس فاخرة، فلوندون ومكلوخلين سيدتان عصريتان أنيقتان، لكن خبيرة ملابس مشاهير السينما جيسيكا باستر، مثلا، كانت تبدو في بعض الأحيان سيئة الهندام، حتى إن البعض كان يظن أنها مجرد مساعدة لواحدة من نجمات السينما. ثم إن كثيرا من كبار خبراء اليوم يرتدون أو ترتدين سراويل جينز عملية، بدلا من ابتكارات دور عريقة كبالمان أو بوتشي. ولعل الهدف من ذلك هو تحاشي الدخول في منافسة مع العميلة.

طاقم العمل الذي اجتمع في جورج تاون ارتدى مزيجا من الأثواب القطنية غير الثمينة والكعوب الطويلة التي تلائم الجينز، إلى جانب أساسيات الأسود والأبيض. وبعض الموجودين كانوا أصحاب باع طويل في المهنة، مثل كارا آلن، التي تعمل في مجال استشارة الأزياء منذ ثماني سنوات، أما الآخرون فكانوا هواة يقدمون النصيحة بشأن الموضة لأصدقائهم. ومن بين هؤلاء شاب يرتدي سروالا جينز أبيض، وحذاء شاموا ويعمل في وزارة الأمن الداخلي ورفض ذكر اسمه، خشية سماع تعليق ساخر من زملائه الذين ارتدوا ملابس تفتقر إلى الهندام، علامة على العبقرية.

وقدم أحد المعلمين لهم بعض الحقائق الأساسية عن الحجم المثالي للمرأة (البعض كان يعمل في استشارات الرجال، لكن التدريب كان منصبا على المرأة)، فالطول المثالي هو 4 إلى 5 أقدام، أما الوزن المثالي فهو 163 رطلا، أما المقياس المثالي للمرأة فهو 8.

وتولت لوندون، كبيرة مسؤولي الموضة في المؤسسة، التي مقرها نيويورك، تدريب الموجودين على كيفية إجراء مقابلة مع عميل جديد أو عميلة جديدة لاستنباط معلومات حول أذواقهم من دون إهانتهم، ومن دون إبداء أحكام! فقد كانوا يتحدثون عن المال في مجال ما ميزانية مشترياتك؟ وللعلم، يعترف غالبية مستشاري الموضة بأنهم لم يسألوا على الإطلاق هذا السؤال بصورة مباشرة، لكنه غالبا ما يطرح بصورة مباشرة مثل «من أين تفضل التبضع؟ هل ترغب في التسوق من وول مارت أو من بلومينغديلز؟ هل من بارنيز نيويورك أو من مايسيز؟».

وبحسب لوندون: «ليست هناك ميزانية صغيرة للغاية، فإذا كان لدى العميل أو العميلة 100 دولار فسنعمل على زيادة عدد المشتريات، وإن كنت أعتقد أن 100 دولار لن تستطيع شراء الكثير. فمثلا سافرت آلن إلى ميامي مؤخرا لمساعدة امرأة على تحديث خزانة ملابسها، وأنفقت العميلة 20.000 دولار لكنها، كما تقسم آلن، بدت في غاية الروعة.

التحدي الأخير بالنسبة لعطلة نهاية الأسبوع يتطلب من مستشاري الأزياء أن يظهروا مهاراتهم عبر مشاهدة الأحداث الخاصة ومحاولة تفسيرها، فلا يسمح لهم بالقول: «لأنها تبدو جميلة». وقد أتت مكلوخلين بخزانة ملابسها لتحليلها، وتلعب دور شخص لا يعرف الموضة.

كانت هناك قطعتان من الملابس ظهرتا منثورتين عمدا لترى ما إذا كان لدى أي مستشار أناقة الجرأة الكافية - أو الحماقة الكافية - لاستخدامهما. كانت إحداهما سترة ذات لون أشهب (بيج) مخططة بخطوط عريضة وتنورة قصيرة ذات لون أخضر فاتح.

ابتلعت إحدى مستشارات الموضة الطعم.. وقالت «بالنسبة لحفل عيد ميلاد بعد الظهيرة تكون السترة المخططة مناسبة بشكل أفضل مع سروال ذي أرجل فضفاضة ولون كاكي». لكن لوندون رفضت مثل هذا الاقتراح.

وفي اختبار آخر: طلبت مكلوخلين من أحد المتدربين اختيار زي لها من أجل اجتماع عمل رسمي في الشتاء. واختار لها أحد المتدربين فستانا أخضر اللون وزوجا من الأحذية البنية، لكن لوندون رفضت ذلك رفضا قاطعا، قائلة: إن ذلك «ليس رسميا على الإطلاق».

ولكن ماذا يحدث إذا قالت عميلة إنها لا تعتقد أن قطعتي ثياب متماشيتان؟

تقول لوندون: «لا تناقش العميلة على أساس الذوق وحده.. فهذا وضع يدفع مستشار الموضة للوقوع في الخطأ، لكننا نحاول مناقشة العميلة من الناحية التقنية. حاول أن تكون صاحب نقد بناء، وهو ما يعني تقديم البديل. الذي قد يعني قول شيء مثل: إن التنورة المكشكشة تبدو ضخمة للغاية وتجعلك أضخم من النصف الأسفل أكثر مما أنت عليه، والتنورة الواسعة ستعطي التأثير نفسه من دون قماش إضافي. لا تقل للعميلة إن التنورة المكشكشة لا تلائمك، أو إن التنورة المكشكشة تجعلك ضخمة للغاية. فالأمر يتعلق باحترامها، ويجب ألا ترغم العميلة على القبول بخيار ما.. بل إنها تقبل عبر الإقناع».

من ناحية أخرى، ثمة من يسأل عن السبب وراء إطلاق موقع «ستايل فور هاير» في العاصمة الأميركية، وهي مكان غير معروف بجريه وراء الموضة. مطلقو الموقع يقولون إن القرار بني على اقتناع، فضلا عن الاعتراف بالعلاقة المعقدة لهذه المدينة مع الموضة. إذ تعيش مكلوخلين، التي تعمل مديرا تنفيذيا لـ«ستايل فور هاير»، وتدير العمليات اليومية من واشنطن، وقد أقامت في واشنطن قبل سنة، عندما حصل زوجها أندرو على وظيفة في البيت الأبيض. وقالت عن علاقتها بلوندون، التي هي رئيس فريق مستشاري الموضة، التي تمتد لست سنوات خلت: «أنا مثل العميلة في هذه المعادلة. أنا لم أحصل على هذه الخبرة في مجال الموضة بسهولة».

على أي حال ترى السيدتان، العاصمة أرضا خصبة لأن المنطقة مليئة بالأثرياء الذين يملكون من المال أكثر مما لديهم من الوقت. إنها مأهولة بأفراد ذواقة ومقتدرين، لكن لا يتاح لهم الوصول بيسر إلى هذه الخدمات. وعلى الرغم من أن منطقة العاصمة الأميركية معروفة بقلة اكتراثها بالموضة، فإن سياسييها وشخصياتها يشتهرون بهوسهم بالمظهر الجيد.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»