نصير شمة لـ«الشرق الأوسط»: جمعت 70 عازفا عبر مؤلفات تضع موسيقانا في مقدمة الإبداع

«أوركسترا الشرق» تعيد الموسيقى إلى أصولها في حفل يقام الليلة بمسقط

أول تجربة موسيقية على الآلات الشرقية لتقديم مقطوعات من تأليف الموسيقار العراقي نصير شمة وبقيادته («الشرق الأوسط»)
TT

أكثر من سبعين عازفة وعازفا سيشرعون اليوم في أول تجربة موسيقية على الآلات الشرقية، وليقدموا مقطوعات من تأليف الموسيقار العراقي نصير شمة، وبقيادته، وذلك في حفل تنتظره الأوساط الثقافية والاجتماعية في مسقط، وبقاعة عمان بفندق البستان.

شمة جمع عازفين من جميع أنحاء العالم.. عازفين ستتناغم موسيقى آلاتهم الشرقية في هارموني واحد ومن خلال مؤلفات تبرهن أن روح الشرق واحدة وإن اختلفت الأقطار واللغات، حيث يشكلون فرقة كبيرة أطلق عليها «أوركسترا الشرق»، وهي في فكرتها وتكوينها لا تختلف كثيرا عن الفرق السيمفونية الغربية، إذ يريد هذا الموسيقار الشاب أن يقول للعالم إن هذه الموسيقى تنبعث من آلات موسيقية يتجاوز عمر بعضها الخمسة آلاف عام. الجوزة مثلا التي يعود تاريخها إلى العصر البابلي، والعود الذي ترجع أصوله إلى الأكديين في وادي الرافدين، والسيتار الذي ينتمي بقوة إلى حضارة السند الهندية، والسنطور السومري الذي وصلنا من أور ليكون الأب الحقيقي لآلة البيانو الغربية، والناي الذي كان سيد الآلات الموسيقية في العصر الفرعوني بمصر، والليرة التركية، والطنبور الذي أنعش ليالي الطرب العثمانية.

آلات موسيقية قد تبدو غريبة، لكنها تنتمي إلى عائلة الوتريات الشرقية في الغالب. تختلف مسمياتها، لكنها تبعث ذات الشجن المخزون في تكوينات متراكمة عبر قرون من التأسيس والإبداع. كانت هذه الآلات تعزف منفردة في مواطنها الأصلية وعلى أيدي أبنائها، إلا أن شمة استطاع أن يلملمها من حضارات شرقية مختلفة ويوحد أنغامها وأصواتها في مؤلفات تقترب في روحيتها من مقطوعات سيمفونية شرقية، ولتقترن هذه الانطلاقة غير المسبوقة بسلطنة عمان وعاصمتها مسقط التي رعت هذه الولادة الإبداعية في تاريخ الموسيقى.

يقول شمة لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الأفكار تراكمت عبر سنوات طويلة من التفكير والتخطيط والتأليف، ومن خلال دراسات معمقة استمرت لما يقرب من 15 عاما لكل الآلات الشرقية الموجودة في الشرق الأدنى»، مشيرا إلى أن «فكرة (أوركسترا الشرق) تتلخص في جمع أفضل عازفي الآلات الشرقية في فريق واحد، وعازفين من العراق ومصر وتركيا وسورية ولبنان والهند وباكستان واليونان وإيران وآيرلندا ونيوزيلندا، ومع اختلاف بلدانهم ولغاتهم فإنهم هنا يتحدثون بلغة واحدة، وروح واحدة، هي لغة الموسيقى وروح الشرق التي أبدعت على مدى قرون طويلة في هذا الفن الذي عرفه الغرب متأخرا بالنسبة لانطلاقة الموسيقى الشرقية، بل إن هذه الموسيقى هي التي ألهمت كبار المؤلفين الموسيقيين الكلاسيكيين بمؤلفات اشتهرت على مر العقود من غير أن تشير إلى مصادرها الأصلية، وفي مقدمتها سيمفونية شهرزاد لرمسكي كارساكوف، وغيرها من المؤلفات الشهيرة».

ويتساءل الموسيقار شمة عن «سبب شهرة وانتشار المؤلفات الموسيقية الغربية بينما مصدر الإلهام الموسيقي والإنجاز الإبداعي في هذا المجال بقي ساكنا ويتحرك ضمن مساحات ضيقة لتلبية احتيــــــاجات محدودة»، منوها بأن «هذه الفرقة ستقول للعالم نحن هنا، هذه إبداعاتنا وموسيقانا، وإذا كانت أساطيل وجيوش وطائرات الغرب تقصف هنا وتحتـــــــل هناك في بلدان الشـــــــرق، فإن ردنا وببساطة هو حضاري للغاية، نحن مصدر الإبداع الموســــيقي، والثقافات الأصيلة التي أريد تغييبها من على خارطة الإنجازات الإبداعية الكبرى، وها هم العازفون يلتقون فوق خشبة مسرح واحد ليفعموا العالم بروحهم الأصيلة عبر أوتار آلاتهم التي أريد لها أن تسمى تراثية لكنها ستبقى معاصرة على الرغم من تقادم الزمن».

آلات موسيقية عمرها آلاف السنوات لكنها معاصرة، عبر مؤلفات شمة، وعزف أكثر من سبعين موسيقيا، بل إن بعضهم أبدع في تطوير بعض هذه الآلات لتتماشى مع روح العصر، فالعود الذي كان مجرد آلة طربية تعزف على أربعة أو خمسة أوتار طوره شــــــمة ليكون آلة عالمية تعزف على ثمانية أوتار، والجــــــــوزة التي كانت عبارة عن نصف غلاف ثمــــــرة جوز الهند ومغلقـــــــــة من طرف واحد بجلد رقيق، تطــــــــورت على يد العازف نورس الفريح في أستراليا لتصنع من الخشب الرقيق وتمنح صوتا مزدوجا ما بين الجوزة البابلية والفيولا الغربية، من دون أن يعني ذلك تغــــــــييب الجوزة الأصلية التي يبدع عليها العازف أنور أبــــــو دراغ، والسنطور الأكدي تطورت أصواته من خلال إبداع الفنانين وسام أيوب وهنــــــدرين، وهذه ليست نهاية الحكايــــــة، بل مجرد أمثلة بسيطة لما يحصـــــــــل في هذه الأوركســــــــــترا التي تضم آلات موســـــــــــيقية مختلفــــــــــة الأشـــكال وعــــــــــــدد الأوتار، لكنها تبعث موسيقى أصيلة مبدعة.

ولعل أبرز ما أنتجته تجربة شمة اللقاءات المثيرة بين الموسيقيين على طاولات النقاش فيما بينهم، والحوارات التي دارت بين آلاتهم في غرفهم ليبشروا بمستقبل أكثر من واعد لموسيقى الشرق.