الحريري يجدد التمسك بالمحكمة كمؤسسة دولية ويرفض أي تسوية بشأنها

أكد أولوية العلاقة مع سورية وعدم العودة إلى الوراء

TT

جدد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري «التمسك بالمحكمة الدولية، وعدم القبول بأي تسوية أو تراجع بشأنها»، مذكرا بأنها «مؤسسة دولية قائمة بذاتها ولا تخضع لأي موازين سياسية»، مشددا على «عدم التخلي عن دماء الرئيس رفيق الحريري، وعدم الانزلاق إلى أي منزلق يؤدي بلبنان إلى دوامة الاضطراب».

وأبدى الحريري خلال ترؤسه أمس اجتماع المكتب السياسي لتيار المستقبل، حرصه على «أهمية الاستقرار الداخلي واعتماد المؤسسات الدستورية كحاضن وحيد لأي اختلاف أو تعارض في المواقف لتجنيب اللبنانيين أجواء التشنج واحتراما للحرص العربي على الاستقرار اللبناني».

وأكد «أولوية العلاقة مع سورية ورفض العودة بها إلى الوراء، لأن في ذلك مصلحة للبنان وسورية معا». مجددا «التمسك بالمحكمة الدولية التي توافق المجتمعون على عدم القبول بأي تسوية أو تراجع بشأنها، باعتبارها مؤسسة دولية قائمة بذاتها ولا تخضع لأي موازين سياسية». وقال «الأهم من كل ذلك أنه من غير الوارد البتة التخلي عن دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأن ذلك يكون بالصبر والصمود والثبات من دون الانجرار إلى أي منزلق يؤدي بلبنان إلى دوامة الاضطراب».

أما المكتب السياسي لتيار المستقبل، فرفض من جهته «كل تهجم على المؤسسات الدستورية، وتحديدا القضاء والجيش وقوى الأمن، ووصف إقدام بعض الأطراف السياسية على ذلك بأنه نوع من الهروب إلى الأمام لا يبعد الضوء عن أمور حقيقية وجدية يحاول تمويهها».

واعتبر الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، أن «المحكمة الدولية هي فرصة تاريخية لأنها ستكشف ولأول مرة جريمة سياسية في لبنان». وقال: «الفريق الآخر يعتبر أن لبنان يحكم من خلال وجهة نظر واحدة. ومشروع الفريق الآخر الانقلاب على الدولة نهائيا»، مشيرا إلى أن «هذا المشروع يتخطى موضوع إسقاط المحكمة، بل إذا استطاعوا ذلك سيكون هناك المزيد من الانقضاض على الدولة، وإذا سقطت المحكمة سيكون من أول نتائجها تثبيت عرف الاغتيال السياسي». وردا على سؤال حول تخيير فريق «8 آذار» رئيس الحكومة سعد الحريري بين «الحكم أو المحكمة»، أجاب أحمد الحريري: «لمرة أخيرة نقولها، دم رفيق الحريري وكافة الشهداء أغلى من أي منصب، فليفهموا ذلك، وكفى كلاما عن إما الحكم وإما المحكمة»، معتبرا أن «التشويش على المحكمة هو نهاية مشروع الدولة».

ولفت وزير التربية حسن منيمنة إلى «ضرورة أن يستمر الطرف الآخر في اعترافه بالإجماع اللبناني الذي حازته المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، سواء في هيئة الحوار الوطني أو عبر البيانات الوزارية المتتالية»، وشدد على كون «البيان الوزاري يشكل بنية متكاملة، والموافقة عليه غير قابلة للتجزئة»، داعيا من هذا المنطلق «الفريق الآخر إلى تأكيد التزامه بكافة مضامين هذا البيان التزاما كاملا».

بدوره أسف عضو تكتل المستقبل، النائب سمير الجسر لـ«التجاوز السياسي الكبير حول المحكمة الدولية»، مذكرا بأن «هذه المحكمة جرى إقرارها بالإجماع على طاولة الحوار الوطني عام 2006 وعادت وأكدتها البيانات الوزارية المتتالية، وتحديدا البيان الوزاري الأخير لحكومة الوفاق الوطني». رافضا أن «يكون كل من هو في خط سياسي مغاير لخط حزب الله عميلا». وتعليقا على كلام وزير خارجية سورية وليد المعلم بأن «المحكمة الدولية مسيسة وهناك اتهام قريب لعناصر من حزب الله»، لفت الجسر إلى أن «الموقف السوري ليس جديدا، فدمشق لم تعترف بالمحكمة منذ إنشائها وهي ستحاكم إذا ثبت الاتهام على أي شخص سوري»، ورأى أن «الجديد في موقف المعلم هو حديثه عن معلومات باتهام عناصر من حزب الله».

وحذر عضو كتلة الكتائب، النائب إيلي ماروني من «العواقب الوخيمة التي ستنجم عن الخروج عن الإجماع الدولي حول هذه المحكمة»، مشددا على أنها «لن تسقط لأنها أصبحت أمرا واقعا، حتى ولو جاء من يقول إنه لم يعترف بها، لأنه ليس من السهولة الخروج عن الإجماع الدولي». وسأل «هل يستطيع حزب الله إذا استمر هجومه على المحكمة الدولية أن يقنع الجزء الآخر من الشعب اللبناني أنه بريء؟».

إلى ذلك عبر المطارنة الموارنة في اجتماعهم الشهري الذي عقدوه أمس في بكركي برئاسة البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير، عن صدمتهم لـ«الاحتقان المتزايد بين مختلف فئات الوطن، مما يخشى من تحوله إلى صدام في الشارع». ودعوا الجميع إلى «التعقل، والالتفاف حول الدولة والمؤسسات الرسمية، والمحافظة عليها وعلى الوحدة الوطنية لتجاوز هذا الظرف الخطير». ورأوا أن «الظروف العصيبة التي تعصف بلبنان وبلدان الشرق الأوسط تستدعي الحذر ورص الصفوف وتناسي الأحقاد والخلافات بين المواطنين عامة، فيكون المسيحيون بنوع خاص، كما قيل عنهم في مطلع المسيحية: (قلبا واحدا وروحا واحدة) في سبيل الخير».

وعبرت الأمانة العامة لقوى «14 آذار» عن شعورها وعموم اللبنانيين، بـ«قلق شديد أمام التصعيد المحموم والمرفوض الذي لجأ إليه بعض قيادات حزب الله في الأيام القليلة الماضية، لجهة تهديد الشعب اللبناني بالقتل إذا ما تقبل قرار المحكمة الدولية»، معتبرة أن «دفع اللبنانيين إلى القبول بغلبة منطق القوة على منطق الحق والعدالة أمر مرفوض، لأنه يعني نهاية لبنان، كما أن دفعهم إلى مواجهة السلاح بالسلاح مرفوض أيضا لأنهم يعتبرون حمايتهم مسؤولية الدولة وحدها». ورأت أن «الاحتماء من العدالة بالفتنة هو أمر مستنكر، فالمحكمة لا تعني طائفة دون أخرى، وليس في لبنان طوائف تريد العدالة وأخرى لا تريد العدالة»، داعية اللبنانيين إلى «اعتبار ما سمعوه من تهديدات حافزا لتوحيد الصفوف والتمسك بالعيش المشترك والسلم الأهلي وحماية الدولة».

في المقابل رأت كتلة حزب الله في بيان أصدرته إثر اجتماعها الأسبوعي أمس أن «مواصلة البعض تحريض اللبنانيين والتهويل عليهم لمنع افتضاح تورطه في الكثير من التجاوزات والارتكابات، لن تجدي نفعا في تحويل الأنظار عن وجوب ملاحقة ومحاكمة (شهود الزور)، الذين ضللوا التحقيق وألحقوا ضررا بالغا بلبنان وبعلاقاته الإقليمية والدولية، ومن ثم محاكمة من صنعهم وفبركهم ولأي أهداف وغايات». واعتبرت أن «التوتر المفتعل لدى البعض الذي يرتفع منسوبه كلما طرحت ملاحظات أو أثيرت وقائع تطعن في صدقية وجدوى الرهان على المسار الذي يلتزمه تحقيقا لغاياته، لن ينفع مطلقا في صرف النظر عن لزوم متابعة التدقيق والتحقيق في المعطيات والقرائن التي تفرض فتح مسار الاتهام لإسرائيل طلبا للحقيقة المتوخاة». وحول تمويل المحكمة الدولية، رأت الكتلة أن «إثارة الضجيج حول رفض تمويل بند في الموازنة العامة، لن يغير في واقع التباين القائم بين اللبنانيين حول آليات الوصول إلى الحقيقة».

وقال عضو كتلة التحرير والتنمية، النائب هاني قبيسي في تصريح له، «يجب أن يكون هناك وعي عند الجميع للوصول إلى إنقاذ لبنان من هذه الدوامة الخطرة التي تشكل تنفيذا لسياسات غير واضحة»، مؤكدا أنه «لن يسلم أحد من الفتنة إذا وقعت في لبنان»، ورأى أن «التمسك بالمواقف المتشنجة والحادة لا يفيد أحدا، وهناك مسؤولية على الجميع للخروج مما وصلنا إليه في موضوع المحكمة».