أصوات مولدات الكهرباء في العراق تذكر بالوعد الأميركي الذي لم يتحقق

بعد 7 سنوات من الغزو ما زالت أزمة الكهرباء الأكبر بعد الأمن

TT

بينما تستعد القوات الأميركية لمغادرة العراق، لا يزال العراقيون يتساءلون: «وماذا عن الكهرباء؟».

لقد استمع العراقيون إلى الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، عام 2003، وهو يعد: «إننا سوف نساعدهم على استعادة الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء»، ولكن بعد سبع سنوات من هذا الوعد، فإن عجز العراق عن إمداد منازل المواطنين بالطاقة الكهربائية لا يزال يعتبر من العلامات الأكثر وضوحا على الخلل الوظيفي الذي لا يزال قائما هنا ومصدرا لإحباط المواطنين العراقيين.

وفي ظل عدم توافر كهرباء مركزية يمكن الاعتماد عليها، فإن المولدات - بدءا من النماذج الصغيرة التي تعمل بالبنزين والتي تستخدم في المنازل إلى النماذج الكبيرة التي تعمل بالديزل وتستخدم لتوفير الكهرباء لحي بأكمله - تعمل على مدار الساعة في بغداد وجميع أنحاء البلاد، ويسمع أزيز هذه المولدات في كل مكان، ليذكر الجميع بمشكلات العراق ووعد أميركا الذي لم يتحقق.

وهذا النقص في إمدادات الكهرباء ناتج عن الفساد، والسياسات الفاشلة للتنمية، والهجمات التي يقوم بها المتمردون وتستهدف المنشآت العامة، والحكومة المكبلة بالمعارك الطائفية السياسية. وقد اضطر وزير الكهرباء العراقي إلى الاستقالة في يونيو (حزيران) الماضي بعد اندلاع احتجاجات دامية ضد نقص في الكهرباء في أنحاء مختلفة من البلاد، لكن هذه الاحتجاجات فشلت في توفير الكهرباء.

ويقول عادل البياتي، وهو تاجر مولدات: «على المواطنين العراقيين البحث عن بديل، وهذا البديل لا يعتمد على وزارة الكهرباء».

وقد وجد البياتي (50 عاما) في عجز الحكومة عن توفير الكهرباء وسيلة لتحقيق الكسب المادي. ويبيع البياتي مولدا يتم تجميعه في العراق باستخدام مكونات من مختلف أنحاء العالم، حيث أجزاء أساسية من الصين، ومحرك «كيا» مستعمل مستورد من دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد أسفرت التجربة عن تجميع البياتي لمولد يمكنه توليد كهرباء تكفي لإمداد ثلاثة منازل بحاجاتها من الطاقة.

وتبلغ تكلفة المولد الذي يقوم البياتي بتجميعه 2700 دولار، وهو مبلغ كبير في العراق، لكنه أقل من نصف سعر المولد المكافئ المستورد من الخارج. وقال البياتي إنه باع نحو 100 من هذه المولدات خلال هذا الصيف.

وتصطف المولدات الكهربائية من جميع الأحجام، والموضوعة داخل أقفاص حديدية لحمايتها من السرقة، في شوارع بغداد الراقية، أما الأسر الأقل ثراء التي ليس لديها مساحة كافية في منزلها لوضع مولد خاص، فإنها تشارك في مولد كبير يمد الحي بأكمله وتدفع كل أسرة بضعة دولارات شهريا ثمن حصولها على الكهرباء، ويأتي هذا في إطار جهود تعاونية لتوفير الكهرباء. أما أولئك الذين لا يستطيعون دفع هذه الاشتراكات، فإن عليهم أن يعيشوا على ما توفره لهم شبكة الكهرباء المركزية، الذي قد يقل عن ساعتين في اليوم.

وعلى طول شارع الجمهورية، في سوق سيد علي بن سلطان المركزية في بغداد، يعرض الباعة قطع غيار المولدات على طاولات ممتدة لمسافة نصف ميل.

وقال محمد عباس آل ضيف، وهو يهز رأسه باشمئزاز واضح وهو ينظر إلى طاولته المعروض عليها قطع غيار المولدات: «العمل يسير بشكل جيد، لكن هذه ليست طريقة للعيش. يجب على الحكومة توفير الكهرباء للمواطنين».

وقال آل ضيف (57 عاما) إنه يكسب 25000 دينار عراقي، أو 21 دولارا في اليوم، وهو مبلغ معقول بالمقاييس العراقية. لكنه قال إنه يتوق إلى حياته قبل سقوط صدام حسين، عندما كان يقوم باستيراد الأقمشة الفاخرة من سوق ويمبلي في لندن، وكان عضوا بغرفة التجارة في بغداد. ويقول آل ضيف إن مسؤولي المدينة يحاولون إيقافنا عن العمل بدلا من تقديم الخدمات للمواطنين: «بلدية بغداد تقول إننا واضعو يد».

ويقول مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة ساعدت العراق على مضاعفة كمية الكهرباء التي يقوم بتوليدها منذ عام 2005، لكن الطلب على الكهرباء تضاعف أيضا، حيث مكن ارتفاع الدخل عددا أكبر من العراقيين من شراء مكيفات هواء وأطباق فضائية وأجهزة التلفزيون والثلاجات. وقال مسؤولون إن النقص في إمدادات الطاقة يظهر بصورة أكبر في بغداد، لأنه خلال حقبة صدام حسين كانت قدرة البلاد محدودة لتوليد الكهرباء، وكانت تخصص للعاصمة ولا يتم تقسيمها بصورة عادلة بين المحافظات المختلفة، كما يحدث الآن.

ويستكمل سلاح المهندسين بالجيش الأميركي حاليا تسعة مشاريع لتوليد الكهرباء بتكلفة تصل إلى 100 مليون دولار. ولكن، وفقا لبعض المسؤولين، بعد إنفاق نحو 4.6 مليار دولار على حل مشكلة الكهرباء، فإن الولايات المتحدة توقفت عن تقديم المساعدات الخاصة بالبنية التحتية وتحولت إلى مبادرات اقتصادية أكثر تواضعا، مثل تقديم قروض متناهية الصغر للشركات الصغيرة.

ويعترف بريجدير جنرال كيندال بي كوكس، الذي يشرف على الجهود التي يقوم بها سلاح المهندسين الأميركيين في العراق قبل موعد انسحاب القوات الأميركية المتبقية هنا، 50000، في ديسمبر (كانون الأول) 2011، بمدى سوء الوضع، وكيف أنه لا يزال يتعين على وزارة الكهرباء القيام بالكثير من الجهد لحل مشكلة نقص الطاقة.

وقال كوكس إن على المواطنين العراقيين عدم توقع الحصول على طاقة كهربائية على مدار الساعة في أي وقت قريب. وقال كوكس للصحافيين الشهر الماضي: «أنا لا أريد أن أجزم بهذا، لكن ربما يكون عام 2013 أو 2014 أقرب وقت يكون العراق فيه قادرا على توليد الكهرباء.. بمعدل قريب من 24 ساعة في اليوم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»