بنسالم حميش: موقف الجزائر من الصحراء يطرح مشكلة حقيقية.. ولا وجود لحروب بين الدولة والمثقفين

وزير الثقافة المغربي لـ«الشرق الأوسط»: لا يمكن أن نؤسس لثقافة مغاربية بلغة الآخر

بنسالم حميش (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

عبر بنسالم حميش، وزير الثقافة المغربي، عن اعتقاده بأن التعاون الثقافي بين دول المغرب العربي، يشكل الورقة الرابحة التي يمكن أن تصمد أمام الخلافات السياسية القائمة بينها.

وقال حميش في معرض حديثه حول مسألة لها حساسية خاصة في المغرب والمنطقة، وهي مسألة هيمنة اللغة الفرنسية: «لا يجب أن ينسينا تملكنا لغات أخرى لغتنا الأساسية».

وأشار حميش، في حديث خص به «الشرق الأوسط»، إلى أن هذه هي المعادلة التي لا بد من رصدها، مشددا على ضرورة أن يتجنب المثقفون حرب الخنادق. وزاد قائلا: «لا يمكن أن نؤسس لثقافة مغاربية بلغة الآخر».

ولا يعتقد حميش، وهو كاتب روائي وشاعر، بوجود حروب بين الدولة والمثقفين، بل يعتقد أن هناك «حرب خنادق».

وتحدث حميش حول دلالة ورمزية تحويل بعض المعتقلات السياسية أيام ما كان يعرف في المغرب بـ«سنوات الرصاص»، إلى «فضاءات ثقافية»، وقال إن الأمر يتعلق بالحرص على «فضاء الذاكرة»، وأن هناك حرصا شديدا على ألا يتكرر مطلقا ما حدث في الماضي، وفيما يلي نص الحديث.

* قررت تحويل بعض المعتقلات السياسية السابقة إلى مرافق ثقافية ما هي رمزية هذا القرار ودلالاتها؟

- لست أنا الذي قررت ذلك، بل جاء الأمر في إطار اتفاقية، وقعتها بصفتي وزيرا للثقافة مع أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. هذه المعتقلات مثل معتقل «تازمامارت» (اعتقل فيه عسكريون عدة سنوات) أو «قلعة مكونة» أو «درب مولاي علي الشريف»، كان يجب أن تظل قائمة للذكرى وفضاءات لحفظ الذاكرة، وحاولنا أن نعطيها طابعا ثقافيا، ليس بمعنى أنها ستصبح دارا للثقافة، كما لا يمكنها أن تصبح أمكنة للسكن، لأن بعضها يقع في مناطق نائية، أو ذات طابع صحراوي، وفي منطقة «تازمامارت» لا توجد مشكلة سكن. ما نعنيه هنا بالثقافة هو أن تظل هذه الفضاءات تحمل ذكرى ماضيها الذي نسعى بكل قوة، وبتوجيه من الملك محمد السادس، من أجل ألا يتكرر أبدا ما حدث في تلك المعتقلات. لذلك فإن هذه الفضاءات تحيل على الماضي الذي لا نريد عودته من جهة، وكذا الإشارة إلى أننا نعيش في ظل عهد جديد يقوم على أسس الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والأصالة والحداثة من جهة أخرى، وهو المغرب الذي نريده ملكا وحكومة وشعبا.

ونحن في وزارة الثقافة نسعى إلى تحويل هذه الفضاءات إلى متاحف، إذا زرناها نتذكر وظائفها في الماضي، ولكن كذلك للقول إنها الآن أسندت لها وظائف أخرى ذات طابع ثقافي، وبالتالي سيتم إصلاحها وترميمها حتى يتسنى لزوارها أن يروها في شكل مغاير لما كانت عليه في الماضي.

* قلت مرة إن الثقافة يمكن أن تلعب دورا في توحيد دول المغرب العربي، الفكرة تحتاج إلى توضيح؟

- نحن الآن دخلنا في هذا السياق، ونعتبر أن البوابة ما زالت مفتوحة أمام كل شعوب المغرب العربي، سواء في موريتانيا أو ليبيا أو المغرب أو الجزائر أو تونس، ودائما أقول مشاكسا لإخوتنا المصريين، انظروا إلى الخريطة وستجدون أنفسكم جزءا لا يتجزأ من شمال أفريقيا. شخصيا أؤمن بأن الثقافة صلة وصل قوية بين بلدان المغرب العربي. وآخر تجلّ لهذا التعاون الثقافي هو المهرجان المغاربي للحكايات الشعبية، الذي نظم أخيرا في مدينة تمارة المغربية، وعرف مساهمة ومشاركة قوية من جميع بلدان المغرب العربي، حيث أدلى كل بلد بدلوه في مجال الحكي والأدب الشفوي، أو ما نسميه «الثقافة اللامادية»، وزينوا ونوروا ليالي المهرجان. بالإضافة إلى ذلك، هناك لقاءات؛ إما ثنائية بيننا وبين تونس أو الجزائر وكذا باقي بلدان المغرب العربي في شكل ندوات أو محاضرات أو أنشطة متنوعة، وسنستقبل بالمغرب مؤتمر وزراء الثقافة لاتحاد المغرب العربي، الذي انعقدت دورته السابقة بالعاصمة الليبية طرابلس، وستنعقد دورته المقبلة بالرباط.

إنني أعتبر أن الثقافة هي ما يبقى ويصمد أمام الزمان، وأمام النزاعات والصراعات والسياسة في آخر المطاف، وهذا يعلمنا إياه التاريخ وبالضرورة بعدما يصاب الفرقاء بنوع من الإعياء، تنتهي حول طاولات الحوار أو موائد المفاوضات، لأن الحروب لا يمكن أن تحل الأزمات. فهي لا تحل إلا بتوخي سياسة السلام وبناء ثقافة السلام، التي احتفلنا في 21 سبتمبر (أيلول) بيومها العالمي الذي تشرف عليه الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو. بالنسبة لموضوع المغرب العربي، أقولها بكل صراحة، الموقف الجزائري هو الذي يطرح مشكلة حقيقية، والمغرب في هذا المجال ذهب إلى أبعد ما يمكن أن يصل إليه ويقدمه، وهو مشروع الحكم الذاتي الموسع في الصحراء، وبالتالي نحن نترك للوقت أن يفعل فعله، ونراهن على أن الثقافة ستلعب دورا أولا في تقريب النخب المثقفة، وجعلها، ليس فقط رافعة لآلية السلام، ولكن فاعلة من أجل حث السياسيين على ما هو مطلوب، وهو الاتحاد وليس الفرقة. حتى الاتحاد الأوروبي صار يطلب منا أن نحاوره كاتحاد وليس أن يخاطبه كل بلد على حدة، لأنه إذا فعلنا ذلك، كما ظهر في مؤتمر برشلونة، حيث كان كل بلد يغني على ليلاه، والنتيجة طبعا لم تكن في المستوى المنشود. الآن مطلب توحيد المغرب العربي صار كذلك مطلبا أوروبيا.

* كيف ترى آراء ومواقف مثقفي بلدان المغرب العربي بخصوص الاتحاد؟

- زرت جميع بلدان المغرب العربي، ولم أجد أحدا يتبنى موقف السلطة الجزائرية، حتى الشعب الجزائري لا يوافق على موقف السلطة الجزائرية، لأنه لا يعقل أن نضيف كيانا جديدا في المنطقة، ولا بد له من أن يكون في آخر المطاف تحت رعاية البلد الذي وفر له شروط الوجود. وبالتالي إذا كنا نتوخى الوحدة أو الاتحاد فلا يلزم أن نكثر من الكيانات المهزوزة المصطنعة، لا سيما أننا، على الأقل بالنسبة للمغرب، توجهنا لسياسة الجهوية الموسعة، وهذه المنطقة كلها مثل المناطق الأخرى، تبقى السيادة فيها للمغرب، وهذا طبعا أمر لا تنازل عنه، لكن تدبير الشأن الإداري والشأن الاقتصادي والمالي، كل هذه المهام ستلقى على عاتق السكان ونخبهم في الصحراء. أعتقد أن هذا الخطاب وهذا الاختيار الذي يسهر عليه ملك المغرب وتعمل الحكومة على تنفيذه وتطبيقه، لا تجد عاقلا على امتداد المغرب العربي يعارضه أو ينتقده بشكل أو بآخر، وفي أحاديثي ورسائلي مع المثقفين والإخوة الذين أعرفهم، جميعهم يتفقون على أن هذه الشوكة لا بد أن تزول من قدم المغرب العربي، وهم يعتقدون أن رأس الرمح يجب أن يتمثل في المثقفين. وعندما نلتقي يكون لقاؤنا دائما حول مواضيع مشتركة، لأن لغتنا واحدة، ولأن لنا تراثا مشتركا، ونحن نبدع بهذه اللغة، ونكتب بها، ويقرأ بعضنا لبعض، وهذه نعمة حقيقة لا تتوفر في مناطق أخرى من العالم، وبالتالي لا بد أن يحدونا الأمل في أن ننهي هذه القضية، وعندها سنحقق أكثر فأكثر الوحدة التي نحن مطالبون بها جميعا، والتعاون الاقتصادي والتجاري بين كل هذه البلدان، وبالأساس بين المغرب والجزائر، لأن الجزائر غنية بنفطها وبغازها، والمغرب كذلك غني بزراعته وفوسفاته وموارده البشرية. وإذن عندنا كل المواد والخيرات لنقوي المغرب العربي، بحيث يكون عندما يحاور الاتحاد الأوروبي في موقع قوة، وليس في موقع ضعف.

* أنت كاتب ومثقف ووزير. بعد أكثر من سنة من ممارسة المسؤوليات الحكومية، كيف تنظر إلى واقع ووضعية الثقافة في العالم العربي؟

- من الصعب إصدار حكم عام، هكذا على امتداد العالم العربي من المحيط إلى الخليج، أعتقد أن هناك تفاوتا في مجال الثقافة، طبعا هناك بلد مثل مصر كان سباقا إلى ممارسة الكثير من الفنون والآداب؛ سواء في مجال المسرح والسينما والكتابة الأدبية والفكرية، لكن مضى على هذا ما يربو على ستين سنة تقريبا، وهناك كذلك بلاد الشام، ونعني بها سورية وفلسطين، ونضيف كذلك الأردن. هذه البلدان تعرف حقيقة، ولا أقول هذا من باب المجاملة، انتعاشا ثقافيا ملحوظا ويشهد على ذلك الإصدارات والندوات والمهرجانات التي تقيمها هذه البلدان. فيما يخص بلدان المغرب العربي الخمسة، أعتقد أنها يمكن أن تعطي أكثر مما تعطيه، ولكن الثنائية اللغوية صارت تطرح مشكلة حقيقية، الآن نعتبر ما يكتب بالفرنسية جزءا لا يتجزأ من ثقافتنا المغاربية.

هذا سؤال أتركه مفتوحا بحكم أني أكتب باللغتين، اللغة التي أعتبرها أساسية هي لغة الدار التي لها عمق تاريخي، وهو شيء لا يمكن أن يختلف حوله عاقلان لكن قل ربي زدني لغة، وبالتالي عندما أكتب بالفرنسية، فإن ذلك معناه انفتاحي على اللغة التي درست بها وعلمتني الشيء الكثير. وأنا لا أدعو المثقفين بالمناسبة أن يخوضوا في حروب لغوية لا طائل ولا فائدة منها.

إن الثقافة في هذه الحالة تخسر الشيء الكثير، لأن من يكتب باللغة الفرنسية لا يطالع لمن يكتب باللغة العربية، والعكس صحيح، وللأسف هذه مأساة حقيقية، ولا نقول إنه لا يقرأ، بل لا يسمع حتى بصدور هذا الكتاب أو ذاك، فبالأحرى أن يطلع عليه، هناك فئات من الناس صارت أحادية اللغة، وفي عصرنا هذا من هو أحادي اللغة مثل المعطوب أو المعوق جسديا، وبالتالي فإن انفتاحنا يجب أن يكون حقيقيا. أولا، أن ننفتح على لغتنا الأساسية (العربية)، وهذا شيء فرض عين كما يقول الفقهاء، ولكن أن ننفتح كذلك على لغة أخرى ونملكها، ولكن لا يجب أن ينسينا تملكنا لغات أخرى لغتنا الأساسية، هذه هي المعادلة التي لا بد من رصدها، وأن يتجنب المثقفون حرب الخنادق. نحن لا يمكن أن نؤسس لثقافة مغاربية بلغة الآخر. الثقافة المغاربية تعتمد على لغة الضاد، هناك تراكمات مهمة، وأكيد من الكم يفرز النوع والكيف. وأعتقد على الصعيد المغاربي أن هناك أعمالا حقيقة تشرف، ولكن المشكلة في الغبن الذي يصيبها إعلاميا، عندما نتذكر محمد زفزاف ومحمد شكري وأحمد عبد السلام البقالي وأحمد المجاطي، لا بد من أن نعود إلى هؤلاء الراحلين الكبار وإلى آخرين مثل عبد الهادي بوطالب كي نعيد لهم الاعتبار، وأن نجعلهم جزءا لا يتجزأ من المنظومة التعليمية، وأن تكون نصوصهم معروضة ومفسرة للتلاميذ والطلبة. وأعتقد أن مستقبل الثقافة هو أمامها، لأننا مطالبون كمغاربة أن نبذل قصارى جهودنا لتقوية الثقافة وتلميعها ضد الاستلاب والتبعية، وهما داءان مستشريان في بلداننا للأسف الشديد، لهذا أملي كبير إن شاء الله أننا سنفعل أكثر مما فعلناه في الماضي القريب.

* هل تعتقد بوجود «أزمة بين المثقفين والدولة» في العالم العربي، باعتبارك مثقفا أولا، والآن أنت في موقع السلطة؟

- هناك حرب خنادق بين المثقفين، ولا أرى وجود حرب بين الدولة والمثقفين. الدولة أو السلطة هي حالة بحالة، إذا كانت استبدادية قمعية والعالم كله يشهد عليها بذلك، فهذا وضع يستلزم أو يوجب على المثقفين أن يقفوا ضد هذا النظام بالمرصاد وأن يناضلوا ضده وما إلى ذلك. لكن عندما تتغير الأمور جذريا وتتجه الدول نحو الديمقراطية، على أساس أنها خيار لا رجعة فيه، وتنفتح الدولة على الفعاليات الثقافية، ويصل المثقفون إلى تحمل أعباء المسؤوليات في الدولة، يختلف الوضع. بالنسبة للمغرب، وبشهادة كل الدول، فإنه قطع أشواطا متقدمة، وعرف تغييرا جذريا وتقدما ملموسا، على الأقل منذ إحدى عشرة سنة، أي منذ تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم، وأصبح يتبنى الديمقراطية والحداثة، ويحاول أن يرسخ هذه القيم ويجعلها فاعلة منتجة، ومعارضة كل هذا ستكون عبارة عن عبث ليس إلا. والحكم الاستبدادي يجب أن يُحارَب، ليس فقط من طرف المثقفين، بل من طرف الشعب والمجتمع المدني.

* ما مدى صحة ما يقال بشأن وجود فتور بين وزارة الثقافة والمثقفين المغاربة؟

- شخصيا لا أرى مثل هذا الفتور، ففي مكتبي لا يمر يوم أو أسبوع على أكبر تقدير، دون أن أستقبل مثقفين من جميع الاهتمامات، ويتكلف بعضهم بمجلة «الثقافة المغربية» وآخرون بمجلة «المناهل»، وآخرون بالسهر على تنظيم الندوات، ونحن على كل حال ما زلنا في بداية المشوار، مرت فقط سنة وقليل، وبالتالي أي حساب ليس هذا وقته.

وإذا كان القصد ما حدث في معرض الكتاب الدولي بالدار البيضاء السابق، في دورته السادسة عشرة، أردت فقط أن أحفظ ماء وجه المثقفين عندما طلبنا من الكتاب الذين يشاركون في إدارة الندوات أو تقديم مداخلات في ندوات معرض الكتاب، تسليم الوزارة أرقام حساباتهم المصرفية، ونحول إلى حساباتهم تعويضاتهم، وهي في كل الأحوال تعويضات هزيلة قيمتها في حدود ألف درهم (120 دولارا)، وذلك بدلا من أن يذهبوا إلى الموظف المكلف صرف التعويضات، ويدلوا ببطاقات الهوية، ويوقعوا على وثائق إدارية، وما إلى ذلك من إجراءات غير لائقة. شخصيا، وقبل أن أصبح وزيرا، كنت أتخلى عن هذه التعويضات بسبب هزالة قيمتها، بعض الكتاب المغاربة لم يفهموا هذا الأمر، وهم في حدود عشرين شخصا، وقرروا عدم المشاركة في أنشطة المعرض، لكن ذلك لم يؤثر على نجاح المعرض الدولي للكتاب والنشر، حيث يشهد الجميع بأن دورته الأخيرة التي نظمت في فبراير الماضي (شباط)، كانت من أنجح الدورات في تاريخ معارض الكتاب في المغرب، لا من حيث أهمية الشخصيات الوازنة التي حضرت، أو المواضيع والندوات والموائد المستديرة.

* هل هناك تواصل مستمر بين الوزارة ومثقفيها؟

- الوزارة إطار عام مفتوح للجميع، والوزير نفسه لا حق له في أن يحتكرها أو يصرفها طبقا لأهوائه الشخصية، لأن هناك من يحاسبه ويتابع ما يفعله، وبالتالي تحاول الوزارة أن تلم شمل المثقفين وتجعلهم على الأقل يتواصلون، لأنه عندما يدير كل مثقف ظهره لمثقف آخر، تنشأ عداوة، وحتى عندما يلتقون يكون هناك عدم تواصل.

وظيفة الوزارة هي لمّ الشمل، واتخاذ مبادرات تتيح للمثقفين العمل، لكن لا بد أن نقول إن الوزارة لا تصنع الثقافة ولا تبدعها؛ من يفعل ذلك هم المثقفون، لكن وظيفتها هي التسهيل، فمن أراد أن نيسر له أمره على جميع المستويات، عيب علينا إن لم نفعل ذلك.

* اختيار المفكر الجزائري أركون أن يدفن في المغرب أثار الكثير من الدهشة، ما هي الدلالات السياسية والثقافية لهذا الاختيار؟

- ترك المفكر محمد أركون وصية واشتملت على رغبته الأخيرة، قبل أن يودع هذا العالم بأن يدفن في الدار البيضاء حيث كان يعيش مع زوجته المغربية، إذن، مارس حريته فقط لأسباب عاطفية، لأنه كان يحب المغرب فاختاره ليكون مثواه الأخير. نحن في المغرب نعتبر كل مغاربي مغربيا، وكنت من بين المشاركين في مراسم تشييعه، وحضرت كذلك اليوم الثالث من العزاء تكريما له واعترافا له بالجميل الذي أسداه للفكر المغاربي. ويبقى فقط أن نهتم بالفكر الذي تركه، ونعيد تحسين ترجمة مؤلفاته الموجودة، التي تحتاج إلى تنقيحات وتحسينات حتى يطلع عليها من لا يقرأ إلا بالعربية، وحتى نعيدها إلى أصلها، لأننا نتكلم عن مفكر عربي أو مغاربي. وكان يكتب في مجال الأبحاث، سواء بالإنجليزية أو الفرنسية. وكان أركون أستاذي لأكثر من ست سنوات في باريس بفرنسا، كان فيلسوفا وباحثا قويا في عدة ميادين، وأعماله تشكل مرجعا ثقافيا كبيرا.

* بالنسبة لزيارات وفود من المثقفين العراقيين إلى المغرب، هل اختار المغرب التطبيع مع العراق من خلال الثقافة؟ وما هي برامج التعاون في هذا المجال؟

- نحن لم نقطع أبدا العلاقات مع العراق، وهناك على كل حال حكومة في العراق، طبعا هناك صعوبات وعراقيل في ربط ومواصلة هذه العلاقات، كان لهم قائم بالأعمال، والآن لهم سفير في الرباط، وبالتالي ستكون هناك علاقات طبيعية بين البلدين، العراق بلد عربي مهم، ونحن نرحب بالتعاون مع كل بلد عربي. بالنسبة لبرامج التعاون الثقافي؛ فالأمور في بدايتها، والأكيد أن وزير الثقافة العراقي سيزورنا على غرار باقي المجالات، حيث ستكون هناك زيارات متبادلة، بما أن الأمن أصبح يستتب، على الرغم من التفجيرات التي تحدث بين الفينة والأخرى، لكن الأمور تسير في طريق التحسن، ونتمنى للشعب العراقي أن يطوي صفحة هذه التراجيدية، أملنا كبير في أن يعود العراق إلى امتلاك زمام أمره، واستعادة سيادته كاملة على ثروته النفطية وثرواته الأخرى، حتى يسهم ويعطي الشيء الكثير عربيا.

* أين وصلت أشغال مؤسسة المتاحف التي أقر قانونها البرلمان المغربي؟

- قدمنا مشروع قانون «المؤسسة الوطنية للمتاحف» للبرلمان، وتمت المصادقة في الغرفتين، كان هناك نقاشات وخلافات، لكن الأمور حسمت في نهاية الأمر. والآن نحن ننتظر اكتمال أشغال إنجاز المتاحف في كل أنحاء المغرب، من بينها «متحف الفنون المعاصرة» بالرباط، الذي سيكون جاهزا مع نهاية السنة المقبلة، بعد أن توقفت فيه الأشغال عقب نزاع مع أحد المقاولين الفرنسيين حسم لصالح الوزارة عن طريق القضاء، وكذلك المتحف الذي أطلق عليه اسم «متحف المغرب»، على ضفة نهر «أبي رقراق»، بالإضافة إلى متاحف أخرى صغيرة بنواحي العاصمة، وهناك أيضا متاحف بمدن أخرى. وستقوم «مؤسسة المتاحف» بالإشراف على كل هذه المتاحف، من حيث الإدارة بالاشتراك مع جهات أخرى، والتعاقدات مع متاحف أوروبية وعربية وأجنبية. ونحن في إطار بناء متاحف جديدة، على الرغم من بعض الصعوبات التي أخرت ذلك، وعرقلت إنشاءها لأسباب يطول شرحها، لكننا، ولله الحمد، تغلبنا عليها، واستؤنفت الأعمال بوتيرة قوية وجدية.

* هناك شائعات كثيرة حول مسرح محمد الخامس، واحتمال تغيير الدور المنوط به؟

- المسرح سيبقى دائما مسرحا. فقط سنعيد ترميم واجهته بشكل أفضل مما هو عليه الآن، والمتمثل في الواجهة الزجاجية الحالية، وسيظل قائما بدوره، مع العلم أنه ستسند له مهام أخرى، وبرامج من ابتكارنا، ووضعنا ليس فقط «برامج احتضان» كما أسميها، وبالتالي فهو ذاكرة، باعتباره أول مسرح مغربي، ويحمل اسم الملك محمد الخامس، رحمه الله. نحن فقط سنغني وظائفه، وسيبقى حاملا لاسمه وموقعه، وفي القريب العاجل سنصدر مطوية تحتوي على كل البرامج التي تنظمها الوزارة، سواء في المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، أو في مسرح محمد الخامس، أو في مرافق أخرى تابعة للوزارة. هناك كذلك مجلة «الثقافة المغربية»، هناك عددان ماثلان للنشر، وسيكونان موجودين، حتى قبل الدورة السابعة عشرة لمعرض الكتاب، ما بين 10 و20 فبراير (شباط) المقبل، وهناك كذلك مشروع المجلة الإلكترونية والموقع الإلكتروني والمتحف الذي كان في حالة جمود، والآن استؤنفت أعماله، وكذلك مجلة «المناهل»، التي ستبقى مجلة ورقية، نظرا لرمزيتها وتاريخها، لكن، كما قلت، فإن هذه المطوية الشهرية ستغطي كل الأنشطة التي تشرف عليها الوزارة، وستوزع على نطاق واسع، حتى يختار كل شخص النشاط الذي يستهويه، حتى يحضره في كل فضاءاتنا، مثل مدرج المكتبة الوطنية، وقاعة «باحنيني» التي سنرممها كذلك، ومسرح محمد الخامس. هذا فقط بالنسبة للرباط، ونحن لدينا مديريات إقليمية في جميع أنحاء المغرب. بالنسبة لإدارة مسرح محمد الخامس أكيد سيعين مدير عام في أجل قريب، رشحنا ثلاثة أسماء، والملك هو الذي سيختار واحدا من بينهم كما تقتضي الإجراءات المعمول بها.