انخفاض معدلات الرشوة في العراق بعد اللجوء إلى آلية «الفضح عبر الإعلام»

هيئة النزاهة: تطبعت في عقول البعض وبعضهم ميسورون

TT

إعلان أسماء وأماكن عمل المرتشين آلية جديدة لجأت إليها هيئة النزاهة العراقية، بعد أن وجدت أن مشكلة تعاطي الرشوة في هذه البلاد تتعاظم رغم التحسن الكبير الذي طرأ على المستوى المعيشي للموظف.

وعلى الرغم من أساليب الكشف عن هذه الجريمة، فإنها أصبحت وبحسب أحد قضاة هيئة النزاهة أشبه «بظاهرة تطبعت بعقل بعض أصحاب النفوس الضعيفة»، مؤكدا أنه لاحظ خلال عمله «كما هائلا من المتناقضات، من أهمها أن البعض ممن تم تشخيصهم متمكنون ماديا ولديهم عقارات وأموال وسيارات، لكنهم يتعاطون الرشوة ويتقبلون مبالغ ضخمة وحتى أرقام تافهة لا تشكل شيئا مقابل ما يملكونه. وفي المقابل، نجد موظفين حالتهم صعبة للغاية كأن يكون لديه مريض بمرض مزمن يحتاج علاجه تكاليف كثيرة أو أسباب أخرى لكنه يأبى أخذ الرشوة».

وخلال أسبوع واحد فقط، أعلنت هيئة النزاهة ضبط رئيس دائرة المهندس المقيم في مشروع استصلاح أراضي الديوانية، واثنين من الضباط بدرجة عقيد وثلاثة مفوضين في الشرطة بدائرة المرور في بغداد متلبسين بالرشوة في ثلاث عمليات منفصلة. كما تم ضبط مسّاح أقدم بمديرية الموارد المائية في محافظة واسط متلبسا بتعاطي الرشوة، وموظف في مصرف الرافدين في كركوك وثلاث موظفات في مديرية ضريبة محافظة واسط ومدير معهد إعداد المعلمين في تربية الرصافة ببغداد ومخمنه في ضريبة كركوك، وعقيد حقوقي يشغل منصب رئيس محكمة النجف العسكرية. وأضاف المسؤول أنه «إذا ما نظرنا لعمليات الضبط منذ بدء الحملة الوطنية لمكافحة الرشوة وحتى الآن، لوجدنا قائمة طويلة جدا بينهم نسبة لا بأس بها من مديرين عامين ووكلاء وزارات وضباط كبار، نزولا لموظفين صغار في دوائر في إحدى المحافظات».

«الشرق الأوسط» شهدت إحدى عمليات الضبط في دائرة مالية قبل أيام وتمكنت من الحصول على بعض المعلومات من موظفين بالدائرة نفسها، حيث وردت معلومات لدائرة النزاهة بوجود موظفة تتعاطى الرشوة، وفعلا تم ترتيب كمين لها عبر مراجع وأعطي مبلغ 150 ألف دينار وقام بتسليمها لها، وبعد دقائق تمت مداهمتها.وشكلت هيئة النزاهة فريق عمل لمتابعة حملة مكافحة الرشوة في عموم العراق، وتم طبع استمارة تحوي سؤالين تسلم للمراجعين وهي أشبه باستبانة، الأول: هل اضطررت لإعطاء الرشوة؟ والثاني: لماذا أعطيت الرشوة، هل لطلبها من قبل الموظف؟ أم لعرقلة المعاملة أو تأخيرها أو للرغبة في إنجاز المعاملة بسرعة أو لتمرير معاملة غير أصولية؟

وفي استطلاع ثانٍ، وضعت هيئة النزاهة سؤالين أيضا حول اسم الشخص الذي دفعت له الرشوة وصفته وفيما إذ كان موظفا أو وسيطا أو مواطنا عاديا.

ووزعت 83 ألف استمارة من أبريل (نيسان) عام 2009 ولغاية نهاية العام واستمرت خلال العام الحالي بالوتيرة ذاتها. وكانت النتائج أن عدد من أجاب بأنه دفع الرشوة 12129 وهم يشكلون نسبة 15% من عدد المستبيَنين، وكانت النتائج إيجابية حيث انخفضت معدلات تعاطي الرشوة في عموم العراق، مثلا في العاصمة بغداد، من نسبة 36% إلى 5%. كما اعتمدت الهيئة استبيانا يخص الوزارات وكانت أعلاها رشوة هي وزارة النقل.

أحد قضاة النزاهة بين أن «الرشوة جناية تختص بها الهيئة وقاضي التحقيق، ولكن كجريمة لا تتم إلا بعد أن تضبط بالتلبس، أما العقوبات فهي من خمس سنوات إلى عشر سنوات، وأن هناك مواد عقابية أقرت في زمن النظام السابق ما زالت نافذة حتى الآن، وأن هناك تعليمات أو أوامر لما يسمى بمجلس قيادة الثورة أيضا مستمرة المفعول ولم تلغ حتى الآن. ووفقا للقوانين تلك، يمنع إطلاق سراح المرتشين أو شمولهم بالكفالة الضامنة». وأوضح أن العقوبات وشدتها تختلف بحسب حجم الرشوة وإن كانت مؤثرة على سير القوانين مثل تمشية معاملة غير قانونية، مشيرا إلى أن المرتشي يجب عليه تسديد قيمة الرشوة، لكن بدعوى مدنية منفصلة بعد إصدار الحكم عليه.

وأكد القاضي أن من يقدم الرشوة يطبق عليه العقوبات ذاتها، ويعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا بادر بإبلاغ السلطات المختصة، ويعتبر مشتكيا بالقضية ولا يتحمل أي تبعات. وأكد أن إعلان قضايا الرشوة في وسائل الإعلام قلل من تعاطيها لأنها تعد آلية رادعة.