واشنطن تتمسك بالتعامل مع «روبن هود» أفغاني

الجنرال عبد الرازق (يسار) «روبن هود» أفغاني («واشنطن بوست»)
TT

عندما يسير عبد الرازق، الكولونيل بشرطة الحدود الأفغانية، عبر السوق شديدة الازدحام الواقعة داخل هذا المركز التجاري الواقع على الحدود مع باكستان، تحيط به حشود من الناس تناديه باحترام بلقب «جنرال رازق»، ويرغب الصبية في الاحتفاظ بصوره، بينما يعرض عليه رجال يبدو عليهم الشيب تناول قدح من الشاي. ويرفض التجار أن يبيعوه أي شيء - فمثلا، إذا رغب في زجاجة عطر، يحصل عليها من دون مقابل.

من ناحيتهم، يقول مسؤولون أميركيون إن عبد الرازق، وهو أمي لا يتجاوز عمره 32 عاما، يترأس شبكة واسعة من الفساد تستولي على عائدات جمارك وتيسر تجارة المخدرات وتهرب بضائع محظورة أخرى. إلا أنه في الوقت ذاته تمكن من تحقيق درجة من الأمن هنا عجزت القوات الأميركية من فرضها على مناطق أخرى من البلاد. وتعمد قوة الشرطة تحت قيادته والمؤلفة من 3.000 فرد، بجانب عدة آلاف من رجال الميليشيات إلى اقتفاء أثر طالبان بضراوة لدرجة جعلت من سبين بولداك أكثر مقاطعات جنوب أفغانستان أمنا ورخاء.

رغم مزاعم الفساد المحيطة به، والتي ينفيها، يمثل عبد الرازق الأمل الأكبر أمام إدارة أوباما للحفاظ على الاستقرار داخل هذا الجزء المهم من أفغانستان، خاصة أن الإبقاء على الهدوء داخل سبين بولداك، والذي يسمح بتوجيه مزيد من القوات الأميركية والأفغانية لأجزاء أخرى من البلاد، يشكل عاملا جوهريا في الوفاء بتعهد الرئيس بالبدء في سحب القوات الأميركية من أفغانستان في الصيف القادم.

في هذا الصدد، علق ميجور جنرال نيك كارتر، أحد كبار قادة حلف الناتو، بقوله: «هل هذا حل طويل الأمد؟ هذا ما على الآخرين أن يقرروه، لكنه حل براجماتي.. إنه جيد بما فيه الكفاية بالنسبة للأفغان».

في تلك الأثناء، شرع مسؤولون أميركيون وآخرون بالحلف في خطة طموحة لإصلاح عبد الرازق، آملين في إمكانية تحويله إلى شخص قوي يحظى بدرجة أكبر من الاحترام على الصعيد الأخلاقي. في الواقع، يحاول هؤلاء المسؤولون حمايته، وتقديم حوافز له بغية تحسين سلوكه، بجانب وضع قواعد جديدة لإجباره على اختلاس قدر أقل من المال لحسابه الخاص وتوجيه مزيد من المال للخزانة الوطنية. وأوضح كولونيل روبرت والتيمير، من القوات الخاصة التابعة للجيش الأميركي: «نحاول تعزيز النزاهة عبر فرض مزيد من الرقابة على أفعاله بصورة عامة، لكن لا نرغب في أن يتوقف عن جميع الإجراءات الجيدة التي يقوم بها. إننا نرغب في استغلال روح القيادة لديه». يذكر أن والتيمير يدير مركزا للتنسيق على الحدود هنا بالتعاون مع ممثلين عن قوات الأمن الأفغانية والباكستانية.

الملاحظ أن مسألة ما الذي ينبغي فعله بشأن عبد الرازق أرهقت مسؤولين أميركيين وبالناتو. فبينما اقترح البعض الإطاحة به لإظهار توجه صارم ضد الفساد، نادى آخرون بعدم المساس به لما يتمتع به من قوة، حيث يتجاوز عدد أتباعه أكثر من خمسة أضعاف حجم الوجود العسكري الأميركي هنا، والتي توفر أمنا يحمل أهمية حيوية لقوافل الإمدادات الخاصة بالناتو المتجهة صوب قندهار.

وقال ضابط بالجيش الأميركي خلال زيارة له هنا في أغسطس (آب) الماضي: «لو لم يكن موجودا، لكنا واجهنا مأزقا، ولم تكن الأوضاع لتكون بالهدوء الذي هي عليه الآن».

يذكر أن عبد الرازق، وهو رجل طويل نحيف ذو لحية، يعد زعيم قبيلة أشكازي، وهي إحدى قبيلتين رئيسيتين في هذا الجزء من جنوب أفغانستان. وكان يمكن أن يسفر موقعه كزعيم محلي قوي نمطا من الصراع حول النفوذ والموارد شبيه بما دفع الناس نحو مناصرة طالبان بمناطق أخرى. إلا أنه حتى الآن نجح عبد الرازق في توزيع الأغنام بحرص لتجنب التعرض لتمرد علني من قبل قبيلة نورازي المنافسة.

وأعرب لفتنانت كولونيل أندرو غرين، قائد كتيبة مشاه بالجيش الأميركي تتمركز في سبين بولداك، عن اعتقاده بأن عبد الرازق «أشبه بشخصية روبن هود، بمعني أنه شخص يظهر من العدم ويستولي على المال ويستغله في تلبية احتياجات الناس. بالتأكيد، هو ينتقي المقربين منه، لكنه على درجة كافية من الذكاء تمنعه من خلاق عداوات مفرطة، وهو أمر لا ينطبق على جميع أصحاب النفوذ والسطوة بأفغانستان».

من جهته، شرع عبد الرازق في محاولة توسيع دائرة نفوذه غربا باتجاه قندهار، ثاني أكبر مدينة بالبلاد وموقع عمليات عسكرية أميركية كبرى ضد طالبا». وقد شارك العشرات من رجاله في عمليات قادها الأفغان في الأسابيع الأخيرة لطرد المتمردين من ملاذات لهم بشمال وجنوب المدينة. وأشار مسؤول أفغاني إلى أن قوات عبد الرازق مفضلة من جانب الحكومة لأن أفرادها الذين يتلقون رواتب جيدة يقاتلون بكفاءة أكبر عن غالبية الجنود الأفغان.

كما أن سببا آخر وراء تفضيل عبد الرازق يتمثل في ولائه الشديد للرئيس حميد كرزاي وأخيه أحمد والي كرزاي، رئيس مجلس إقليم قندهار. المعروف أن عبد الرازق يدين بمنصبه وسيطرته على نقطة عبور الحدود للرئيس، وأشار العديد من المسؤولين الأميركيين إلى أنه يحاول رد هذا المعروف عبر تمرير أموال من أرباح نشاطات فاسدة إلى أشخاص على صلة بالأخوين كرزاي. كما أشار المسؤولون إلى أن لديهم تقارير موثوقا بها تشير لتشجيع عبد الرازق أعمال تزوير واسعة النطاق لصالح الأخوين كرزاي في الانتخابات الرئاسية العام الماضي والانتخابات البرلمانية الشهر الماضي.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»