خطوة مفاجئة من «بنك اليابان» تقلص الفائدة إلى الصفر

أنشأ صندوقا برأس مال 60 مليار دولار لشراء السندات الحكومية

محافظ بنك اليابان المركزي ماساكي شيراكاوا يغادر مؤتمرا صحافيا في طوكيو أمس (أ.ب)
TT

في خطوة مفاجئة، خفض «بنك اليابان المركزي» أمس معدل الفائدة الاسترشادي إلى مستوى يتراوح بين صفر و0.1%، في تغيير طفيف عن المستوى السابق المتمثل في 0.1%، لكنها تبقى خطوة مهمة نحو العودة إلى حقبة معدلات الفائدة الصفرية.

كما أعلن «بنك اليابان» عن إنشاء صندوق برأسمال يبلغ 5 تريليونات ين، وهو ما يعادل 60 مليار دولار، لشراء سندات حكومية يابانية وأوراق تجارية وأوراق مالية أخرى مدعومة بأصول في خضم مخاوف من ضعف نمو الاقتصاد الياباني، ثالث أكبر اقتصاد عالميا، بعد الولايات المتحدة والصين. كما أبقى «بنك اليابان» على تسهيلاته الائتمانية للمصارف عند مستوى 30 تريليون ين. مع خفض معدلات الفائدة، في محاولة لتعزيز عمليات الإقراض داخل الاقتصاد الياباني الذي يعاني الركود، يقر المصرف المركزي بذلك فعليا سياسة معدل الفائدة الصفري للمرة الأولى منذ يوليو (تموز) 2006. ويسلط هذا القرار الضوء على الخطر الذي يتعرض له تحرك الاقتصاد الياباني نحو استعادة عافيته جراء قوة الين واستمرار الانكماش.

وفي بيان صادر عنه، أكد المصرف المركزي على أنه سيبقي على «سياسة معدل الفائدة الصفري» حتى يحقق «استقرارا في الأسعار بين المدييْن المتوسط والطويل»، أو وضع نهاية للانكماش.

من ناحيته، قال هيروكاتا كوسابا، الخبير الاقتصادي لدى «معهد ميزوهو للأبحاث» في طوكيو، في مذكرة بعث بها لعملاء إن الإجراء الذي اتخذه المصرف تجاوز حدود توقعات السوق. وقال: «تثير الخطوة الأخيرة انطباعا أقوى بكثير عما كان عليه الحال في الماضي، الذي شهد اتخاذ إجراءات تدريجية أصابت السوق بالصدمة». وأضاف: «على الرغم من أنه سيدور جدال حول تأثيرات تخفيف القيود النقدية، فإنني أعتقد أن (بنك اليابان) فعل كل ما في وسعه هذه المرة. لكن هذا يعني أن المصرف استنفد الآن معظم خياراته المرتبطة بالسياسات». والمعروف أن الدولار ارتفع أمام الين لدى صدور إعلان المصرف المركزي، حيث قفز بنسبة 0.7% في لحظات بعد الإعلان إلى 83.90 ين من نحو 83.55 ين قبل إعلان القرار.

في هذا السياق، أشار ماساكي شيراكاوا، محافظ «بنك اليابان»، بعد اتخاذ القرار، إلى أنه «ساءت الصورة المستقبلية المتوقعة للاقتصاد والأسعار عما كان متوقعا بادئ الأمر». وأضاف أنه سيدرس توسيع نطاق برنامج شراء الأصول البالغة قيمته 5 تريليونات ين، بناء على مدى فعاليته.

وجاء التصويت بالإجماع على خفض معدلات الفائدة الجوهرية بعد اجتماع استمر يومين لمجلس صناع السياسات النقدية داخل المصرف المركزي والمؤلف من تسعة أعضاء. يذكر أن «بنك اليابان» تعرض لضغوط متزايدة من الحكومة لاتخاذ خطوات أكثر قوة لتعزيز الاقتصاد. وبصورة محددة، دعا رئيس الوزراء ناوتو كان، المصرف لبذل مزيد من الجهود للمساعدة في إضعاف الين القوي الذي ارتفع إلى أعلى مستوى له خلال 15 عاما أمام الدولار في الأشهر الأخيرة، مما أصاب الاقتصاد المعتمد على الصادرات بفوضى شديدة.

والمعروف أن الين القوي يضر بالمصدرين اليابانيين عبر جعل سلعهم أغلى ويقلص من قيمة عائداتهم الخارجية. وعلى الرغم من ضعف الاقتصاد الياباني، فإن الين يميل للتحلي بقوة أمام العملات الأخرى في أوقات التوترات الاقتصادية العالمية، الأمر الذي يعود في جزء منه إلى أن البلاد لا تزال تشهد فائضا في الميزان الجاري، مما يجعل من غير المحتمل التهافت على الين. كما أن قيمة الين ترتبط بالفارق بين معدلات الفائدة اليابانية ونظيراتها في دول أخرى. وتمنح معدلات الفائدة المنخفضة في اليابان المستثمرين حافزا أكبر لبيع الين لاستثماره في عملات أكثر إدرارا للعائد، مما يضعف الين. ويترك مزيد من عمليات الشراء من قبل المصرف المركزي لسندات حكومية وأصول أخرى تأثيرا مشابها.

بعد أسابيع من الأحاديث التي تعمدت تقليص قيمة الين، في ما وصفه خبراء اقتصاديون بـ«التدخل اللفظي»، تدخلت الحكومة أخيرا في 15 سبتمبر (أيلول) الماضي في أسواق العملة، وهي أول مناورة من نوعها في غضون ست سنوات، حيث أقدمت على مبيعات بقيمة نحو 2.125 تريليون ين بهدف ترويض الصعود المستمر للين. إلا أن غياب الدعم الدولي قوض الجهود اليابانية، وعاد الين لمستويات ما قبل التدخل. في تلك الأثناء، حذر بعض المستثمرين من أن دولا آسيوية أخرى ربما تحاول إضعاف عملاتها كوسيلة لتعزيز الصادرات، مما سيشعل «حرب عملات». مع التأثيرات الضئيلة للتدخل، صعد كثيرون داخل الحكومة اليابانية مطالبهم بتقليص معدلات الفائدة وشراء مزيد من السندات الحكومية، وهما خطوتان من شأنهما الحد من الضغوط على العملة. لكن شيراكاوا أبدى تردده حيال تكليف المصرف المركزي بدور في تمويل الدين الياباني العام الذي يقترب سريعا من ضعف إجمالي الناتج الداخلي. إضافة إلى ذلك، من شأن تحركات مصرف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لتخفيف حدة السياسة النقدية تقليص معدل الفائدة الفعلي بين اليابان والولايات المتحدة، مما يحد بدوره من تأثيرات إجراءات بنك اليابان.

كما عمل مصرف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على الإبقاء على معدلات الفائدة قصيرة الأجل قرب الصفر منذ ديسمبر (كانون الأول) 2008. وخلال الأسبوع الماضي، تصاعد الزخم نحو استئناف عمليات شراء ضخمة للدين الحكومي للمساعدة في تحريك الاقتصاد نحو استعادة عافيته. أيضا، تعرض المصرف المركزي الياباني لفترة طويلة لانتقادات شديدة بسبب إخفاقه في إنهاء حالة الانكماش، التي شكلت ثقلا كبيرا على كاهل الاقتصاد الياباني على مدار 12 عاما.

والمعروف أن الأسعار الاستهلاكية، التي بدت مؤشرات على استقرارها عام 2008، تراجعت منذ مطلع 2009. وقد انخفضت الأسعار الاستهلاكية بمعدل 0.9% في العام الممتد إلى أغسطس (آب)، طبقا لأحدث الإحصاءات الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. مع وقوف الاقتصاد الأميركي على شفا الانكماش، حذر بعض الخبراء الاقتصاديين من الوقوع في شرك انكماش على غرار اليابان بمقدوره تعطيل تعافي الاقتصاد من عثرته لسنوات.

وفي الواقع، تكشف تجربة اليابان أن الانكماش بإمكانه التسلل إلى داخل الاقتصاد والتحول إلى عثرة يصعب التخلص منها. وقد استغرق الأمر قرابة أربع سنوات ليصل الاقتصاد الياباني للقاع بعد فقاعة الأصول الضخمة التي انفجرت عام 1990، وأربع سنوات أخرى كي يحكم الانكماش قبضته عام 1998. وفي العام التالي، استجاب «بنك اليابان» بتقليص معدلات الفائدة إلى صفر. إلا أنه بحلول ذلك الوقت، عانى اقتصاد البلاد من ركود شديد لدرجة أنه حتى المعدلات الصفرية للفائدة عجزت عن دفع الاقتصاد نحو استعادة عافيته.

وظل الحال كذلك حتى خمسة أعوام أخرى، عام 2003، عندما زاد المصرف المركزي بصورة حادة من عمليات شرائه للأصول المالية لتوسيع دائرة إمدادات المال، مما مهد الساحة أمام استعادة الاقتصاد عافيته تدريجيا. على الرغم من استقرار النمو الاقتصادي عند معدل نحو 2.5% بين عامي 2004 و2007، فإنه لم تختف حالة الانكماش كلية.

ومع ذلك، ومع شعوره بالجرأة بتحرك الاقتصاد نحو استعادة نشاطه، زاد بنك اليابان معدل الإقراض في يوليو (تموز) 2006، حيث رفعه إلى 0.5% في مارس (آذار) التالي، في خطوة وصفها بعض الخبراء الاقتصاديين والسياسيين بأنها سابقة لأوانها.

قبل اتضاح صورة الجدال تماما، عصفت الأزمة المالية العالمية بأسواق التصدير اليابانية، لتدفع البلاد نحو أسوأ حالة ركود منذ الحرب العالمية الثانية. في ديسمبر (كانون الأول)، خفض «بنك اليابان» معدلات الفائدة إلى 0.1%.

وأثار غياب فعالية «بنك اليابان» نقاشا حول استقلاليته عن دوائر صنع القرار الحكومية، المنصوص عليها في قانون صدر عام 1998 يحمي محافظ المصرف من الفصل من جانب الحكومة ويحظر على الحكومة الإشراف على عمليات المصرف.

وجاء إقرار هذا القانون في أعقاب انتقادات واجهها المصرف بأنه، بتأثير من شعور الحكومة بالقوة في خضم فترة ثمانينات القرن الماضي المزدهرة، لم يرفع معدلات الفائدة بسرعة كافية، مما سمح لفقاعة الأصول بالتفاقم لمستويات هائلة قبل انفجارها عام 1990. وينوي «حزبكم»، وهو حزب معارض، طرح مشروع قانون قريبا على البرلمان الياباني يمنح الحكومة سلطة أكبر على المصرف المركزي. وتقدم مسؤولون حكوميون باقتراحات مشابهة.

* خدمة «نيويورك تايمز»