الهند تطلق مشروعا ضخما لإصدار «بطاقات بيومترية» لمواطنيها

الخطة تهدف أساسا للوصول إلى 300 مليون «مهمش» لا يملكون أي هوية

TT

أصبحت الهند واحدة من أولى الدول التي تطلق أرقام هوية فريدة من نوعها لمواطنيها بالاعتماد على البيانات «البيومترية». وستقوم بإعداد «أرقام هوية بيومترية» لجميع مواطنيها البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة تظهر بصمات الأصابع وقزحية العين ومعلومات شخصية وبطاقة ذكية للمسح السريع.

ويعد مشروع أرقام الهوية من أكثر المبادرات الذكية تقنيا، ويطلق عليه محليا اسم «مؤسسة»، ومن المفترض إصدار هذه الأرقام لكل الهنود من أجل إعطائهم وثيقة هوية واحدة يمكن استخدامها على المستوى الوطني وقليلة التكلفة، وذلك من خلال هيئة معينة لتكون العملية شفافة.

وأصدر رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، مؤخرا أول مجموعة من الأرقام لقبائل في ولاية ماهاراشترا الهندية. وقال سينغ أثناء تدشين المشروع الذي يتكلف عدة مليارات في قرية قبيلة تيمبهلي التي تقطنها 1500 نسمة ليجعلها مركز جذب في الساحة العالمية للحوكمة الإلكترونية: «لا يوجد مكان في العالم استخدمت فيه التقنية بهذه الطريقة الكبيرة. وآمل أن يحصل كل المواطنين على هذه الأرقام في القريب العاجل». وأضاف أن استخدام هذه الأرقام الفريدة رمز للدولة الهندية العصرية الجديدة. وقال: «نتحرك سريعا في مجال التقنية».

وتحت قيادة هيئة حكومية جديدة تدعى «الهيئة الهندية للهويات الاستثنائية»، يقف ناندان نيلكاني، الذي شارك في تأسيس ثاني أكبر مجموعة تقنية في الهند (أنفوسيس)، وراء هذه الخطة الطموح. وقد اختاره رئيس الوزراء بصورة شخصية، وأعطاه سلطات وزارية وميزانية كبيرة (يقال إنها تبلغ 33.5 مليار دولار أو تزيد) من أجل تنفيذ الخطة الواسعة.

ولدى الحكومة الهندية خطة طموح لإصدار 100 مليون بطاقة بحلول مارس (آذار) 2011 و600 مليون بطاقة بحلول 2014. وستجعل هذه المبادرة الهند في ناد يضم أكثر من 50 دولة لديها شكل معين من بطاقة الهوية القومية. وتتضمن هذه القائمة معظم دول القارة الأوروبية (عدا بريطانيا)، والصين، والبرازيل، واليابان، وإسرائيل، وإندونيسيا. وسيتم تخزين الرقم في قاعدة بيانات مركزية ويربط بمعلومات «بيومترية» وجغرافية أساسية وبصمات الأصابع الـ10 وقزحية العين. وسيكون الرقم أمرا فريدا، ويمكن التأكد منه عبر شبكة الإنترنت ومن دونها، وبهذه الطريقة يستبعد احتمال الازدواج أو وجود هويات مزورة من الحكومة وقواعد البيانات الخاصة المتعددة.

وقال الرئيس التنفيذي السابق لـ«أنفوسيس تكنولوجي»، نيلكاني، إنه يجري إعداد برنامج من أجل التثبت الفوري عبر الإنترنت من صحة الرقم. وسيرتبط البرنامج بقاعدة بيانات مركزية تساعد على التأكد ما إذا كان الرقم حقيقيا أم لا. وسيجري تسجيل اسم الفرد وعنوانه وتاريخ ميلاده ونوعه وأسماء الآباء والأزواج أو الزوجات وبصمات الأصابع الـ10 وقزحية العين، مما يعني أن الحكومة سيكون لديها بصمات كل البالغين في ملف.

ومن خلال وضع رسوم على خدمات التأكد من الهوية من مختلف المستخدمين، يتوقع أن يدر البرنامج في النهاية نحو 60 مليون دولار في صورة عوائد سنوية. ويأمل أن يساعد على تسهيل خدمات هامة مثل «المدفوعات المصغرة» التي تسمح للهنود الفقراء الذين تبلغ قيمة معاملاتهم المعتادة سنتات قليلة للوصول إلى حسابات مصرفية وتأمين وقروض.

ويقول نيلكاني: «هذا هو السبب في تأسيسنا تحالفا كبيرا. لقد اشتركنا مع حكومات الولايات كافة، ومع 10 مصارف، ومع الهيئة الهندية للتأمين على الحياة، ومع 3 شركات نفط، والكثير من الوزارات. وتتمثل الفكرة في عمل ائتلاف كبير من شركاء كي يثمر ذلك».

ومن التحديات الهامة التي يواجهها الناس في الهند، الصعوبة في تحديد الهوية، إذ يحمل المواطنون الآن الكثير من وثائق الهوية، وكل منها له أغراض محددة. وهناك أهمية خاصة لهذه البطاقة الجديدة في كونها عالمية.

وقد اتجهت الحكومة الهندية إلى هذا المشروع لسببين اثنين. أولا: أن هناك عددا كبيرا من الهنود، خصوصا المهاجرين الحضريين والفقراء من الريف الذين لا يملكون أي صورة من وثائق هوية تعترف بها الدولة، ولذا يواجهون خطر التعرض لمضايقات. كما لا يمكنهم الحصول على خدمات عامة. ويقول خبراء إنه بالنسبة لكل روبية تنفق على خطط الخدمات الاجتماعية التابعة للحكومة، يؤدي غياب وثائق تظهر هوية الهنود الفقراء إلى وصول 15 بيزا فقط لهم. يشار إلى أن الروبية تساوي 100 بيزا.

ويقول نيلكاني: «إن أحد الأهداف الرئيسية لهذا البرنامج يتمثل في جعل الحياة أسهل بالنسبة لملايين الفقراء والمهاجرين والمهمشين (الذين يتوقع أنه يبلغون أكثر من 300 مليون). ويهدف ذلك إلى دمجهم في المجتمع». ويشير إلى أن السبب الثاني هو جعل خطة الخدمات الاجتماعية أكثر كفاءة من خلال ضمان أنها تصل إلى «كل فقير يستحقها».

ولن تتدخل أي هيئة حكومية في التخطيط والتنفيذ. وسيقوم مكتب رئيس الوزراء بالمتابعة بالإشراف على التقدم في المشروع، ولا توجد أي قيود على التمويل. ويعد ذلك كله مؤشرا واضحا على جدية الحكومة في تعاملها مع المشروع.

لكن المشروع يواجه معارضة كبيرة من قبل منظمات الدفاع عن الحريات المدنية ونشطاء يدافعون عن الخصوصية. ويتركز الانتقاد الرئيسي لهذه البطاقات على مخاوف مرتبطة بالخصوصية. وينتقد المشروع لأنه، على عكس الحال في الدول الغربية، لا تعرف الهند قوانين حماية البيانات الصارمة، وتخشى المنظمات المعارضة من سرقة البيانات أو بيع المعلومات الهامة لطرف آخر عبر مسؤولين فاسدين. كما أن المعارضة القوية للمشروع سببها أنه يهدف إلى عمل قاعدة بيانات رقمية ضخمة تضم معلومات شخصية حساسة في مكان مركزي واحد. ويقول المنتقدون إن هذه مخاطرة أمنية لها أبعاد هائلة.

وقال جين دريز، وهو اقتصادي تنمية ساعد على صياغة القانون الوطني لضمان العمل في الريف، في حديث مع صحيفة محلية إن لديه مخاوف بشأن الهدف الرئيسي من هذه البطاقات. وقال دريز لـ«بيزنس ستاندارد»: «أعارض هذا المشروع لأسباب تتعلق بالحريات المدنية. لا يجب أن نتصرف بسذاجة، فهذه ليست مبادرة اجتماعية ولكنه مشروع أمن قومي».

ويرد نيلكاني على هذه الانتقادات قائلا إن الهيئة الهندية المعنية ستستخدم «أفضل الخبراء من أجل المحافظة على الجوانب الأمنية، ولدينا سياسة تعتمد على إصدار تقرير استراتيجية وتقارير لجان على موقعنا أيضا».

ويعترف نيلكاني أن الهند في حاجة إلى قانون أوسع عن الخصوصية، ولكنه يشير إلى أن التشريع الجديد أعد لضمان أمن المعلومات. ويشترط مشروع القانون الجديد الذي ينتظر موافقة البرلمان على الحكومة ضمان «أمن وحماية المعلومات التي يتم تجميعها من خلال هذه الخطة ضد الضياع أو الدخول غير المسموح به». كما أنه يحدد عقوبات جادة لهؤلاء الذين يتعدون على قاعدة البيانات.

ويعد هذا تحديا كبيرا، ولكن إذا تمكنت الهند من تنفيذ هذه الخطة بالصورة الصحيحة، فإنه يمكن أن يأتي كرد على تلميحات أخيرة بشأن قدرتها على إدارة وتسليم مشاريع ضخمة.