الزراعة في مصر تعاني نقص المياه وتزايد السكان

خبراء يؤكدون أن إنتاجية أراضيها الأفضل على مستوى العالم

تتجه مصر حاليا إلى حث القطاع الخاص للاستثمار الزراعي خارج أراضيها («الشرق الأوسط»)
TT

من يصدق أن مصر هبة النيل، التي عرفت بالوادي الخصيب، يصبح أهلها يعانون نقصا في الغذاء وارتفاعا في أسعاره.. فبعد موجة حارة عصفت بالمحاصيل الزراعية، بدأت الشكوك تراود المصريين عن مستقبل أمنهم الغذائي.

مشاكل الزراعة في مصر كثيرة، فمنها نقص المياه، واستخدام طرق ري تقليدية، ومحدودية الأراضي الزراعية، ولكن أضيف لها مشكلة التغيرات المناخية التي جعلت المصريين حتى الآن يعيشون أكثر من شهر، في ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة وفي أسعار المحاصيل الزراعية الرئيسية.

فشهر أكتوبر (تشرين الثاني)، عادة ما ترتفع فيه أسعار المحاصيل الزراعية، وذلك بسبب نقص المعروض منها، بسبب تعرض أغلب المحاصيل للتلف نتيجة التقلبات في درجات الحرارة، وأكد الخبراء أن تلك المشكلة موجودة في مصر منذ عشرات السنين، ولا توجد لها حلول حتى الآن، فهناك دراسات منشورة منذ عام 1982 تشير إلى تلك الظواهر وأسبابها إلا أنهم يقولون أيضا إن الحكومة لم تأخذ احتياطها، بزيادة المعروض من السلع الغذائية سواء عن طريق الاستيراد، في محاولة لضبط الأسعار بالأسواق.

أما المشكلة الأكبر فهي تزايد أعداد السكان التي جعلت الفجوة الزراعية في البلاد تقدر بنحو 40%، والتي من المتوقع أن تزداد مع الارتفاع المستمر في تعداد السكان الذي من المتوقع أن يصل إلى 122 مليون نسمة عام 2025.

وتنقسم الزراعة في مصر إلى ثلاثة مواسم زراعية، هي: الموسم الشتوي والموسم الصيفي والموسم النيلي، بالإضافة إلى الزراعات المستديمة أو السنوية التي يمتد موسم إنتاجها إلى سنة زراعية كاملة أو عدة سنوات مثل محصول قصب السكر ومحاصيل الفاكهة والأشجار الخشبية.

وتبلغ مساحة الرقعة الزراعية في مصر 8.5 مليون فدان أي نحو 3.5% من إجمالي مساحة مصر، ووصلت إنتاجيتها في عام 2007 إلى 15.2 مليون فدان.

وقال الدكتور أيمن أبو الحديد رئيس مركز البحوث الزراعية لـ«الشرق الأوسط» إن المشاكل التي تعرضت لها الزراعة، لا تقتصر على مصر فقط، فهناك دول مجاورة مثل الأردن تتعرض لنفس المشكلة.

وأضاف أبو الحديد: «دائما المحاصيل التي تزرع بين فصلي الصيف والشتاء، تكون ناقصة، لما تتعرض له من تلف جراء ارتفاع درجات الحرارة، وهذا لا يحدث فقط في مصر، فالأردن مثلا تمر بهذه الأزمة، ولكن تلك المشكلة الموسمية لا توجد لها حلول، وستتكرر كل عام».

وأشار أبو الحديد إلى أن المشكلة الزراعية في مصر لا تتعلق بالأراضي الزراعية وإنتاجيتها، ولكن سببها تزايد أعداد السكان، التي لا تستطيع الأراضي المزروعة حاليا أن تفي بطلباتهم، فمعدلات نمو القطاع الزراعي بمصر يعتبر الأعلى مقارنة بنظائره في العالم، كما استطاع مركز البحوث الزراعية استنباط بذور جديدة من القمح والذرة والأرز، تعطي معدلات إنتاج أعلى من مثيلاتها في الدول الأخرى.

أما المشكلة الثانية التي يراها أبو الحديد فهي مشكلة المياه، ويقول: «المنطقة التي تقع بها مصر هي منطقة شحيحة الأمطار، وبالتالي فإن الاعتماد الأساسي يكون على مياه النيل التي يصلنا منها نحو 55 مليار متر مكعب، تستهلك الزراعة منها 80 في المائة، وهي تكفي لزراعة جميع الأراضي الزراعية بمصر التي تقدر بنحو 8.5 مليون فدان».

وأضاف أن قطاع الزراعة في مصر يحافظ على معدلات إنتاجية جيدة، فعام 1980 كان نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح 25 في المائة فقط، أما الآن فمعدل الاكتفاء الذاتي 56 في المائة.

ولفت أبو الحديد إلى أن مصر تتبنى حاليا استراتيجية لتحسين أداء القطاع الزراعي، وتتمثل في ثلاثة محاور هي: تطوير الأصناف، وتحسين كفاءة استخدام المياه، وتحسين معاملات ما بعد الحصاد.. «فبالنسبة لتطوير الأصناف والتقاوي، فتقوم مصر حاليا بتحسين الأصناف الموجودة، فهي الآن تعتمد على الطرق التقليدية، ونسعى دائما إلى استنباط أنواع جديدة من خلال تقنيات تتيحها الهندسة الوراثة»، وقال: «نمتلك مركزا يقوم بتطوير بذور التقاوي باستخدام تقنيات الهندسة الوراثية، وننتظر الانتهاء من التطبيقات التقنية الخاصة بها، ليتم تطبيقها على أرض الواقع».

ويضيف أبو الحديد أنه بالنسبة لتطوير الري، فإن مركز البحوث الزراعية يسعى إلى أن تكون كافة المناطق الزراعية تستخدم نظم ري متطورة ووسائل نقل للمياه جيدة بحلول عام 2020، وبذلك نستطيع أن نقلل فقد المياه، حتى نتوسع في مساحة الأراضي الزراعية.

أما استراتيجية تحسين المعاملات ما بعد الحصاد فتهدف إلى تحسين السلسلة التسويقية، فهي تمكننا من تقليل فاقد المحاصيل الزراعية، فهناك مثلا محاصيل يتعرض 40 في المائة منها للتلف أثناء الحصاد حتى تصل إلى التجار، كما أن التالف من القمح قد يصل من 10 إلى 20 في المائة من المزروع.

وتتجه مصر حاليا إلى حث القطاع الخاص للاستثمار الزراعي خارج أراضيها، فبحسب وزير الزراعة، المهندس أمين أباظة، لم تعد مصر تتحمل استصلاح أراض جديدة بسبب محدودية الموارد المائية، فوقعت الحكومة المصرية مع الحكومة السودانية اتفاقا يسمح للشركات المصرية بزراعة أراض في السودان من دون اللجوء لتكوين شراكات محلية، وهو ما سيسمح بزراعة محاصيل على مساحة مليون فدان من الأرض.

ووجدت شركات القطاع الخاص المصرية في السودان ما لم تجده في مصر، فالمياه والأراضي الخصبة متوفرة، لهذا عقدت شركة «بلتون للاستثمار المباشر» المصرية، شراكة مع شركة «كنانة» السودانية لتأسيس صندوق محاصيل للاستثمار الزراعي برأسمال قدره مليار دولار أميركي، ويهدف الصندوق إلى تمويل الاستثمار الزراعي على مساحات شاسعة في السودان ومصر، وتهدف الشراكة أيضا إلى الاستثمار في الزراعة والإنتاج الحيواني في السودان، أما التصنيع المرتبط بالإنتاج فسيكون بالاعتماد على مصر كقاعدة لتصنيع المواد الغذائية. وفي هذا الشأن قامت الحكومة السودانية بالمساهمة بنحو 100 مليون دولار في هذا الصندوق.

واعترف رئيس مركز البحوث الزراعية بانخفاض حجم الاستثمارات في القطاع الزراعي في مصر، وهو ما يحول دون تحقيق أهداف استراتيجية الزراعة المصرية التي وضعتها الوزارة حتى عام 2030، فضلا عن الافتقار للتمويل الكافي والحاجة إلى تطوير السياسة الائتمانية للمؤسسات المالية العاملة في القطاع الزراعي وإعادة هيكلتها.

وتتجاهل البنوك التجارية المصرية تمويل المشاريع الزراعية، نظرا لمخاطرها العالية، المرتبطة بالظروف المناخية، مما يصعب التنبؤ بعائدات تلك المشروعات، ولكن البنوك التجارية تتعامل مع الشركات الكبيرة التي تعمل في هذا المجال ولكنها قليلة، وتعزف عن تمويل المشروعات الصغيرة، أو المزارعين الأفراد، كما تقول بسنت فهمي مستشار بنك «البركة المصرفي»، والتي تضيف موضحة أن تلك العوامل تصعب على البنوك الحصول على مستحقات هؤلاء العملاء.

وتهتم الحكومة المصرية حاليا بعمليات التصنيع الزراعي، أملا منها في تقليل الفاقد من المحاصيل الزراعية، فخلال الشهر الحالي أعدت الحكومة المخطط العام لمشروعات التصنيع الزراعي في مناطق بشبه جزيرة سيناء على مساحة خمسين ألف فدان كمرحلة أولى تصل إلى ‏90‏ ألف فدان كمرحلة ثانية، حيث من المقرر طرح الأراضي للمستثمرين المصريين قبل نهاية العام الحالي‏، ‏ويشتمل المشروع على أنشطة التصنيع الزراعي المعتمدة علي منتجات الخضر والفواكه والأشجار.

‏وعلى الرغم من الاتجاه الحالي للدولة للحصول على المحاصيل الزراعية من المزارعين بالأسعار العالمية، فإن هذا لا يحدث غالبا. يقول أسامة عبد الرحيم، أحد المزارعين بالدلتا المصرية: إننا نقوم ببيع إنتاجنا بأقل من تكلفته الفعلية، أصبحنا الآن لا نستطيع أن نسدد ديوننا لبنك الائتمان الزراعي، أو دفع إيجارات الأفدنة، أو الإنفاق بشكل جيد على محصولنا الذي يتعرض للتلف بسبب قلة ورداءة التقاوي والأسمدة.

وقال: «نريد دعما من الحكومة، وتوفير كل الإمكانيات التي تتيح لنا مضاعفة إمكانياتنا، نحتاج إلى توعية بالأحوال الجوية بشكل مستمر، وبصورة مستقبلية، بحيث نحدد أفضل السلع التي يمكن زراعتها، نحتاج إلى توفير المياه بشكل مستمر».

وأكد في حديثه أن هناك العديد من الآفات التي تواجه المحاصيل الزراعية والتي تقضي بشكل كبير على أغلبها، وأشار إلى أنه لا توجد حتى الآن أي مبيدات متوفرة تتعامل مع تلك الآفات. حقائق القطاع الزراعي في مصر

* الرقعة الزراعية في مصر تبلغ 5.8 مليون فدان، أي نحو 3.5% من إجمالي مساحة مصر.

* تتعرض مصر منذ عشرات السنين إلى مشكلات تتعلق بالمحاصيل التي تزرع بين الصيف والشتاء ولا تزال مستمرة حتى الآن.

* معدلات نمو القطاع الزراعي في مصر تعتبر الأعلى مقارنة بنظائرها في العالم.

* الفجوة الزراعية في البلاد تقدر بنحو 40 في المائة وتزايد أعداد السكان ونقص المياه تجعلها تتسع.