أهالي سلوان: معركة بقاء

الهجمة الإسرائيلية تتصاعد ضريبيا لخلق أغلبية يهودية

شاب فلسطيني حاملا العلم الفلسطيني خلال مواجهات في حي سلوان في القدس المحتلة (صورة ارشيفية)
TT

«في كل متر في سلوان يوجد قصة.. كل شارع وبيت وطفل وامرأة وشيخ.. يمكن أن يحكي عن حرب المستوطنين والشرطة والبلدية، على أهالي الحي العربي الفلسطيني من القدس الشرقية المحتلة، بهدف ترحيلهم عنه وإقامة حي يهودي جديد يضاف إلى الكثير من الأحياء التي أنشئت منذ احتلال إسرائيل لها عام 1967».

هذا ما قاله لـ«الشرق الأوسط» أحمد قراعين وهو يصف حال الناس في الحي الذي يشهد توترا كبيرا ومواجهات واعتداءات لم تتوقف منذ شهور، بسبب محاولات جديدة للمستوطنين السيطرة على منازل أخرى من الحي الشهير الملاصق للمسجد الأقصى في القدس. وتحولت الحياة في سلوان اليوم إلى ما يشبه «معركة بقاء» أكثر منها معركة ضد الاحتلال ومستوطنيه.

وقال قراعين: «كل يوم يوجد مواجهات.. كل يوم يعتقل أطفال.. كل يوم يأتوننا بقرارات هدم جديدة.. وبين الفينة والأخرى يأتون بعشرات المخالفات ضد المحال والسيارات». وأضاف: «إنها حرب شاملة على الحي».

وأصيب قراعين العام الماضي، برصاص المستوطنين في مواجهات بين الأهالي والغرباء، ومنزل شقيقه معرض للهدم في أي لحظة، وقال: «أي حياة مستقرة هذه.. الحياة هنا تغيرت منذ 1991». وحسب قراعين، فإنه منذ ذلك التاريخ، يحاول المستوطنون المدعومون من السلطة الإسرائيلية الرسمية خلق واقع جديد في سلوان، يهدف إلى إيجاد أغلبية يهودية في المنطقة.

ويقول قراعين، «كلما بدأوا مفاوضات مع السلطة كثفوا الاستيطان هنا لحسم مصير سلوان مبكرا، لقد تعودنا ذلك».

لكن قراعين يؤكد أن الرحيل ليس أحد خيارات أهالي القرية، ولكن الصمود والمواجهة والموت. وقال: «الناس هنا يفضلون العيش في مخازن على الرحيل، ويفضلون الموت أيضا على الرحيل».

ويتهم الفلسطينيون إسرائيل بمحاولة تفريغ محيط المسجد الأقصى من سكانه العرب مع عام 2020، وهي خطة تنفذها بلدية القدس ومعروفة باسم خطة 2020.

وقال جواد صيام، مدير مركز معلومات وادي حلوة، لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم يخططون لأغلبية يهودية في منطقة ما يسمونه الحوض المقدس». وأوضح: «الخطة تهدف إلى بناء مدينة داود في وادي حلوة، وحديقة توراتية في حي البستان، وتوسيع الحي اليهودي في بطن الهوا، وكل ذلك سيضمونه إلى أكذوبتهم الكبيرة، الحوض المقدس». وأضاف «إذن، الهدف أغلبية يهودية تسيطر على الحوض المقدس، وهذا لا يمكن من دون السيطرة على سلوان الأقرب للمسجد الأقصى».

ويصف صيام ما يدور في القرية اليوم بأنه عقاب جماعي، وقال: «لتحقيق هذا الهدف، إنهم يعاقبون الكل، الأطفال والأهالي».

وقال صيام: «الأطفال يُعتقَلون ويتعرضون للضرب والدهس ومحاولات القتل، (والدليل على ذلك دهس الطفل عمران منصور أمام كاميرات التلفزيون) والأهالي يتعرضون لهجوم ضريبي غير مسبوق، وحتى أصحاب السيارات يتعرضون لكم هائل من المخالفات كبير». وروى صيام كيف تعرض فلسطيني من سلوان لمخالفة سير بسبب أنه أزعج في إيقاف سيارته، سيارة يهودي. وقال: «كتبوا بشكل واضح: سائق عربي يزعج سائقا يهوديا، هذه هي إسرائيل التي تقول إنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط».

ويصر صيام على أن «القمع يزداد قسوة يوما بعد يوم في سلوان». وأضاف: «الأهل اليوم يحرسون أطفالهم في الشوارع، يخافون من تركهم يذهبون وحدهم إلى مدارسهم أو السوق، إنهم (المستوطنين والشرطة) يعتقلونهم ويعتدون عليهم بالضرب ويستفزونهم». وبحسب صيام، فإن السلطات الإسرائيلية عمدت إلى إبعاد بعض الأطفال من سلوان إلى الخليل، بينما حكمت على آخرين بالحبس المنزلي في بيوتهم. وقال المحامي محمد محمود، لـ«الشرق الأوسط»: «إن والدة أحد الأطفال، ونتيجة الخوف عليه، اقترحت إبعاده إلى الخليل، بعدما كانت القاضية طلبت إبعاده من سلوان إلى رأس العامود في القدس نفسها». وأضاف: «أي إن المحكمة كانت تريد إخراجه من سلوان إلى منطقة أخرى في القدس، فطلبت الأم إخراجه إلى الخليل، وهذا ما تم». وقال صيام إن كل ذلك يجري تحت مساومات السلطات الإسرائيلية، وأوضح: «قالوا لنا إنهم سيتوقفون ويخففون حتى الهجمة الضريبية على القرية مقابل وقف الأطفال لضرب الحجارة».

ويتهم صيام المستوطنين بجر أهالي سلوان لهذه المواجهات، وقال: «في الأصل، وجود المستوطنين وميليشياتهم المسلحة هو الذي فجر الأحداث».

ويوجد في سلوان 17 بؤرة استيطانية، 15 منها في وادي حلوة، و2 في بطن الهوا، إحداهما «بيت يوناتان» الأشهر من بين هذه البؤر، التي طالما فجرت مواجهات مع الأهالي. وهذه البؤر طبعا محروسة بشكل كبير من قبل المستوطنين، وهؤلاء الحراس محرسون أيضا من قبل الشرطة والجيش الإسرائيلي.

ويبلغ عدد أهالي سلوان اليوم نحو 55.000 نسمة، يتوزعون على 13 حمولة من أهل البلدة، إضافة إلى من سكانها من الخارج. ويعتقد المؤرخون أن نشوء بيت المقدس يرتبط ارتباطا وثيقا بسلوان، وقد تطرق المؤرخون والجغرافيون إلى بلدة سلوان عند بحثهم لبيت المقدس.

ويحاذي سلوان من الشمال المسجد الأقصى المبارك وسور البلدة القديمة من القدس الشريف وحي المغاربة الذي دمره الاحتلال بعد حرب 1967 وأقاموا في محله حيا يهوديا، ومن الغرب حي الثوري، ومن الجنوب أراضي بيت صفافا التي أقيم عليها معسكر الجيش البريطاني وجبل المكبر، وعرب السواحرة الغربية، ومن الشرق قرى أبو ديس والعيزرية والطور. وقال صيام إن الهجمة تتركز الآن في وادي حلوة، وبحسبه فإن بلدية القدس تحاول الآن تمرير مشروع ما يسمى 11555، وهو مشروع يقوم على مصادرة 70% من أراضي حي وادي حلوة ووضعه تحت هيمنة البلدية واللجنة اللوائية. وأضاف: «إن الهدف الرئيسي من هذا المشروع هو التوسع في الحفريات وحمايتها وكذلك تحويل المنطقة إلى مزار ديني سياحي».