مظاهرة نسائية «عفوية» تقتحم عيادة في الضاحية الجنوبية و«تصادر» مستندات من محققي المحكمة الدولية

المحكمة الخاصة : العنف لن يردعنا

شرطي لبناني يحاول منع مصور وكالة الصحافة الفرنسية من التقاط صور لعيادة حيث تصدت مجموعة نسائية أمس لمحققين تابعين للمحكمة الدولية (أ.ف.ب)
TT

تعرض فريق من المحققين التابعين لمكتب المدعي العام لدى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، القاضي دانيال بلمار، لاعتداء بالضرب والإهانة خلال قيامهم بمهمة في عيادة الطبيبة النسائية إيمان شرارة، على طريق مطار بيروت الدولي، عند الجهة الغربية لضاحية بيروت الجنوبية، بحيث هاجمتهم «بشكل عفوي» مجموعة نسائية قدر عددها بـ150 امرأة، أقلتهن سيارات «فان» صغيرة إلى العيادة، حيث أقدمن على ضرب المحققين وسرقة حقيبة منهم تحتوي على وثائق ومستندات تتعلق بصلب المهمة المكلفين تنفيذها.

وفي التفاصيل، أن الطبيبة شرارة أعطت موعدا للمحققين الدوليين الساعة التاسعة من يوم أمس في عيادتها، من أجل أخذ بعض المعلومات، بعد أن كانوا قد اتصلوا بها ووافقتهم على ذلك. وأشارت الطبيبة إلى أن ضابطا اتصل بها، السبت الفائت، واسمه العقيد نجيم، ليؤكد الموعد الذي أبدت موافقتها عليه عندما اتصل بها شخص يدعى «موفق» من قبل المحكمة الدولية. وذكرت أن عنصرا من قوى الأمن سبق أن حضر إلى مكتبها ومعه ورقة من مكتب لجنة التحقيق وعليها أسماء ومن بينها اسمها، فوقعت على الورقة ووافقت على إجراء المقابلة بعد استشارتها نقابة الأطباء في بيروت.

وأوضحت شرارة، خلال حديث تلفزيوني أمس، أن المحققين حضروا في الموعد المحدد (محققان ومترجمة)، وبدأت المقابلة بهدوء، مشيرة إلى سؤالهم عن إمكانية الاطلاع على بعض أرقام المرضى. وقالت: «استفسرت عن بعض الأمور، واتفقت معهم أن أحولهم إلى مساعدتي، لأن وقتي ضيق وليس لدي الوقت الذي يطلبونه، فخرجت من مكتبي لأطلب من سكرتيرتي هذا الأمر، لكن فوجئت بعدد كبير من النساء في الخارج يصرخن بصوت عال جدا ويشتمن المحققين وهن في غضب غير طبيعي وخرجن عن السيطرة، ولم أر سوى هجومهن على المحققين اللذين لم أعرف كيف هربا».

وفي حين نفت شرارة «معرفتها كيف بدأت المشكلة، أو كيف حدث الأمر»، أفادت المعلومات المتداولة في بيروت بأن زيارة المحققين كان يفترض أن تكون سرية وبمرافقة قوة من الجيش اللبناني، تمركزت على بعد أمتار من العيادة لكي لا تلفت الانتباه، إلا أن الجميع فوجئوا بعدد من «الفانات» المحملة بمجموعة من النساء قدر عددها بـ150 امرأة، اعترضن المحققين، من دون أن يتمكن الجيش من منعهن، إلا أنه استطاع سحب المحققين والمترجمة من المكان.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن سكرتيرة شرارة أقدمت صباحا على الاتصال بالسيدات اللاتي كن على موعد مسبق معها أمس وأبلغتهن إلغاء المواعيد. ولدى سؤالها من إحدى السيدات عن السبب، أجابتها بالقول: «لا أستطيع التكلم عن السبب».

وقد وضع القضاء اللبناني يده على الحادث وكلف رجال الضابطة العدلية بجمع المعلومات حول ما حصل، وتحديد هوية المعتدين، لاتخاذ الإجراءات القانونية في حقهم. واعتبر مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» أن «الاعتداء على المحققين الدوليين الذين كانوا يقومون بمهمة رسمية بالتنسيق مع القضاء اللبناني، هو عمل مدبر وخطير ومحضر له سلفا، خصوصا أن المحققين حضروا إلى عيادة الطبيبة بناء على موعد مسبق»، مبديا استغرابه «لطريقة الاستيلاء على حقيبة أحد المحققين التي تحتوي على وثائق ومعلومات سرية يجب أن تبقى ملكا للتحقيق دون سواه».

ومساء أمس، فتح النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا تحقيقا في الحادث، وأحال القضية إلى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، كون عناصر الدورية من قسم المباحث الجنائية المركزية وسلبت منهم هواتفهم. ويشرف القاضي صقر على التحقيقات الأولية التي تجريها الأجهزة الأمنية في قوى الأمن الداخلي.

وشرح بيان للمحكمة الدولية ما حدث، مشيرا إلى توجه محققين من مكتب المدعي العام لدى المحكمة الخاصة بلبنان برفقة مترجمة فورية تعمل لدى المحكمة، لحضور لقاء مرتب له مسبقا في عيادة طبيبة في بيروت، وذلك كخطوة مشروعة ضمن إطار التحقيق الجاري.

وكانت الإجراءات المحيطة بهذه الزيارة على درجة عالية من المهنية وخاضعة للضمانات القانونية حسب البيان. كما كانت السلطات اللبنانية قد وافقت على هذه الزيارة. وكانت عناصر من الشرطة القضائية ومن الجيش اللبناني ترافق المحققين. ووافقت على هذا اللقاء الطبيبة التي حصلت على إذن مسبق من نقابة الأطباء في بيروت للاجتماع بالمحققين.

وجرى اللقاء مع الطبيبة في جو يسوده الاحترام. ولكن خلال الاجتماع، ظهر على نحو مفاجئ مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين اعتدوا بعنف على المحققين وعلى المترجمة الفورية التي كانت برفقتهما. وسرقت أغراض عدة تعود لموظفي مكتب المدعي العام في أثناء الاعتداء.

وقال البيان إن الجيش اللبناني قد تمكن من إخراج الموظفين الثلاثة ونقلهم سالمين إلى مكتب المحكمة في بيروت حيث تلقوا الإسعافات الأولية.

وقال البيان إن مكتب المدعي العام يأخذ هذه الحادثة على محمل كبير من الجد، وهو يجمع حاليا الوقائع المحيطة بالحادثة. كما فتحت السلطات اللبنانية تحقيقا في الحادث. وأدان مكتب المدعي العام اللجوء إلى كل أشكال العنف، وأكد أن التحقيق في اغتيال الحريري مستمر وأن هذه الحادثة لن تردع مكتب المدعي العام من إنجاز مهمته.

وكانت قناة «المنار»، الناطقة باسم حزب الله، قد ذكرت أن «إشكالا وقع بين محققين من المحكمة الدولية ونساء في عيادة شرارة»، مشيرة إلى أن «فريقا من لجنة التحقيق الدولية دخل دون علم مسبق إلى عيادة شرارة». ولدى استيضاح مصادر حزب الله حول مسببات هذا الاعتداء، اكتفت بالإشارة إلى أنه «لا علاقة للحزب بهذه الحادثة ويعتبر نفسه غير معني بها»، معتبرة أن «شرارة هي المعنية بتوضيح ما جرى في عيادتها».

واستدعى الحادث سلسلة من ردود الفعل السياسية المستنكرة، إذ أبدت الأمانة العامة لـ«14 آذار» استغرابها لـ«الاعتداء الذي تعرض له فريق من المحققين الدوليين في الضاحية الجنوبية على يد (فرقة من الأهالي) التابعة لحزب الله اعتدت وسرقت ملفات عائدة للمحققين». وأشارت إلى أن «هذا الاعتداء إذ يذكرنا بـ(فرقة الأهالي) التي تعتدي عادة على (اليونيفل) في الجنوب، إنما يشكل اعتداء موصوفا على الشرعية الدولية وقراراتها، لا سيما القراران 1757 و1701 في هذا المجال».

ووصف نائب رئيس مجلس النواب، فريد مكاري، الاعتداء بأنه «خطير ومستهجن، ويسبب إحراجا كبيرا للبنان، ويضعه في مواجهة المجتمع الدولي، إذ يشكل استهدافا مباشرا للشرعية الدولية ولهؤلاء المحققين الذين يمثلونها ويقومون بمهمة بموجب قراراتها». ولاحظ أن «أسلوب استخدام الناس العاديين تارة للاعتداء على (اليونيفيل) ورشق دورياتها بالحجارة في الجنوب، وتارة أخرى لمهاجمة المحققين الدوليين، هو أسلوب بات معروفا، وهو ماركة مسجلة باسم حزب الله، ولا ينطلي على أحد».

وشدد على أنه «فصل جديد في الحرب الشاملة التي يشنها فريق 8 آذار على المحكمة الدولية، يضاف إلى المحاولات المستمرة لعرقلة عملها، سواء من خلال التشكيك في صدقيتها وحياديتها، أو من خلال إثارة مسألة ما يسمى (شهود الزور)، أو من خلال السعي إلى وقف تمويلها، أو حتى من خلال الضغط على رئيس الحكومة سعد الحريري لانتزاع تنصله من هذه المحكمة».

ودعا النائب في كتلة المستقبل، خالد زهرمان، «الأجهزة المختصة إلى أن تلعب دورها وتحقق في هذا الموضوع وترى خلفياته، لأن هذا التحرك يبدو غير عفوي، وهذه محاولة لعرقلة المحكمة الدولية». ورأى أن «هذا الأمر يستحق التوقف عنده ويدعو إلى الخوف من أن يكون هناك بداية فوضى في البلد أو بداية تحرك لزعزعة الأمن».

وأشار النائب في حزب الكتائب، إيلي ماروني، إلى أن «الاعتداء على المحققين الدوليين في الضاحية الجنوبية ما هو إلا صورة من ضمن مسلسل متعدد الفصول لعرقلة عمل المحكمة الدولية»، مشيرا إلى أن «العرقلة تتوزع تحت ستائر عدة، تارة تحت ستار البحث في ملف (شهود الزور)، وتارة تحت عنوان التهويل بعظائم الأمور، واتهام المحكمة بأنها إسرائيلية وكل من يتعاون معها بالعمالة». ورأى أن هذا «الاعتداء المباشر يشكل نموذجا فاضحا عن عدم الرغبة في التعاطي الإيجابي مع ملف قانوني، وتاليا يتوجب على الأجهزة الأمنية أن تلعب دورها في حزم، وإلا فإن لبنان سيتعرض من خلال التزاماته الدولية لفقدان المصداقية»، مشددا على أنه «من غير المنطقي اعتبار ما جرى عملا بريئا، ذلك أنه وقع في منطقة ممسوكة أمنيا، والجميع يعلم مدى المراقبة المفروضة في منطقة الضاحية».